نخبة بوست – أروى أبو رمان
في ظل تصاعد الأحداث في غزة ولبنان، أصبح تأثير “الإنفلونسرز” على الرأي العام موضوعاً شائكاً ويثير جدلاً واسعاً، السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يمكن حقاً أن يكون لهؤلاء الأشخاص، الذين بنوا شهرتهم على منصات التواصل الاجتماعي، دور فعّال في تشكيل وتوجيه الرأي العام تجاه هذه الصراعات؟
برأيي، الإجابة معقدة وليست بسيطة، فالتأثير الذي يمارسه “الإنفلونسر” يعتمد بشكل أساسي على طبيعة تفكير المتلقي ومعتقداته، فالمتلقي هو من يُحدد ما إذا كان سيتأثر بما يُطرح أم لا، بناءً على توافق أو تضاد المحتوى مع قناعاته المسبقة. الأمر أشبه بمرآة تعكس ما هو موجود بالفعل لدى الجمهور؛ فإن كان الشخص يتبنى أفكاراً معينة، فإن محتوى “الإنفلونسر” قد يعزز تلك الأفكار ويؤكدها.
على سبيل المثال، المتلقي الذي تتماشى معتقداته مع ما يطرحه “الإنفلونسر” سيكون أكثر استعداداً لتبني موقفه، بل وقد يروّج له بين دوائره الاجتماعية باعتباره موقفاً صحيحاً أو وجهة نظر تستحق التأييد، هنا، “الإنفلونسر” يصبح عنصراً مهماً في توجيه مسار النقاشات العامة وصياغة الرأي العام بين أتباعه.
أما إذا كان المتلقي على النقيض من ذلك، فإن المحتوى الذي يُقدمه “الإنفلونسر” قد يُقابل برفض أو حتى تعزيز لمعتقداته المعارضة. وفي بعض الأحيان، قد يؤدي ذلك إلى تصاعد حالة الاستقطاب في المجتمع، حيث يزداد التباعد بين أصحاب الآراء المختلفة بدلاً من التقارب.
إلا أنه لا يمكن تجاهل وجود شريحة من المتابعين تقف في منطقة رمادية، لم تحسم مواقفها بعد. هذه الشريحة هي الأكثر عرضة للتأثر، خاصة إذا قُدم المحتوى بأسلوب مدروس وجاذب، هنا يمكن “للإنفلونسرز” أن يلعبوا دوراً بارزاً في توجيه أو حتى صياغة تلك الآراء، لاسيما في ظل غياب المصادر التقليدية أو ضعفها.
ومن المهم أن نلاحظ أن الحروب لم تعد تقتصر على ساحات القتال، بل امتدت لتشمل حرباً معلوماتية، تستخدم فيها الروايات والتفسيرات كأدوات لفرض وجهات نظر معينة، “الإنفلونسرز” باتوا جزءاً من هذه الأدوات، حيث يساهمون في نقل وجهات نظر متعددة، بعضها يركّز على الجانب الإنساني، وبعضها الآخر يميل بوضوح إلى دعم أحد الأطراف على حساب الآخر.
لكن في نهاية المطاف، الرأي العام هو نتاج لتفاعلات معقدة تشمل الإعلام التقليدي، التأثيرات الاجتماعية، والتجارب الشخصية. لا يمكن “للإنفلونسر” وحده أن يفرض رأياً أو يغيره بشكل جذري، لكنه بلا شك يشكل جزءاً من هذا النسيج المعقد. نحن كمجتمع نبني آراءنا بناءً على مزيج من المعلومات والمعتقدات التي تشكّلت عبر الزمن، و”الإنفلونسر” مجرد عنصر ضمن هذه المعادلة، يؤثر بقدر ما يسمح له المتلقي بذلك.