نخبة بوست – محرر الشؤون السياسية
تعتبر الضاحية الجنوبية لبيروت أحد أهم معاقل حزب الله والتي تشهد منذ فترة طويلة غارات جوية إسرائيلية تنفذ في ساعات الليل المتأخرة، وهو توقيت مدروس بعناية؛ لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تختار إسرائيل الضرب ليلًا؟
من الواضح أن إسرائيل لا تستهدف فقط البنية التحتية أو المراكز العسكرية المفترضة لحزب الله، بل تسعى لتحقيق أهداف نفسية أعمق.
الليل، بطبيعته الساكنة يعزز هذا التأثير، حيث يفاقم الشعور بالخوف والقلق ويترك اللبنانيين مستيقظين، في حالة ترقب دائم، يتابعون الخرائط والمنشورات التي يصدرها الجيش الإسرائيلي، متسائلين إن كانت منازلهم هي الهدف التالي.
تهدف هذه الضربات الليلية إلى أكثر من مجرد تدمير البنى؛ فهي وسيلة لخلق جو مستمر من الرعب، يرافقه تدمير ممنهج وتغطية إعلامية واسعة تظهر نتائج الغارات في الصباح. بهذا الأسلوب، تستمر الحرب النفسية التي تسعى إسرائيل من خلالها إلى إنهاك السكان وزرع اليأس في نفوسهم، وهي عوامل لا تقل أهمية عن الأهداف العسكرية على الأرض.
أفيخاي أدرعي .. كاذب ومضلل
وفي هذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى أن الغارات الإسرائيلية التي تقع على الضاحية ليلًا لها توقيت مدروس وله أهدافه وأثره. فهي يمكن أن تُنفذ خلال النهار، لكن الجيش الإسرائيلي يتعمّد القصف ليلًا بسبب التأثير النفسي الذي تتركه الغارات المنقولة مباشرة على الهواء في نفوس اللبنانيين عمومًا، وأبناء الضاحية الجنوبية خصوصًا. فالانفجارات التي تظهر ليلًا على شكل جبال من نار تملك تأثيرًا نفسيًا سلبيًا.
ينشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية أفيخاي أدرعي عددًا من الخرائط، لكن عدد الاستهدافات دائمًا ما يكون أكبر بكثير، وبعيدًا عن الصور والمشاهد المصوّرة القديمة والمفبركة التي ينشرها أدرعي، هناك نوع آخر من الكذب والتضليل والحرب النفسية التي يحاول أدرعي خوضها ضد اللبنانيين، في الضاحية الجنوبية تحديدًا، وبشكل يومي، من خلال التحذيرات التي يطلقها على شكل خرائط ومواقع لأبنية يُزعم استهدافها.
وفيما يتعلق بتوقيت الغارات، يسعى العدو من خلاله إلى إبقاء التوتر قائمًا، مما يؤثر على الشق النفسي لأبناء الضاحية، فالليل مخصص للغارات، والصباح الباكر يتركه العدو لتصوير الدمار، مما يحقق الغرض المطلوب، سواء من ناحية التدمير الممنهج أو التأثير النفسي.
استهداف ممنهج لمحطات الوقود والمستشفيات
أما بالنسبة إلى الأماكن المستهدفة وطبيعة الصواريخ المستخدمة، يتعمد العدو إلحاق أكبر ضرر ممكن بضرباته تحت ذريعة استهداف مراكز حزب الله أو مخازن السلاح.
يلجأ العدو إلى تحديد نقاط استهداف قريبة من محطات الوقود. فقد حدث ذلك في برج البراجنة على ليلتين متتاليتين، وفي منطقة الحدث-سانت تيريز، حيث تسببت الغارة بتفجير محطة وقود استمرّت نيرانها لساعات وأتت على حي كامل. كما تكرر الأمر على طريق المطار قبل أيام. بهذه الطريقة، يفجّر العدو محطات الوقود دون قصفها مباشرة، بحجة استهداف المراكز.
يستهدف العدو الأحياء بشكل ممنهج، مع تركيزه على مناطق مثل برج البراجنة والحدث، ما أدى إلى خروج مستشفى سانت تيريز عن الخدمة لبعض الوقت، ثم تقرر استئناف بعض الأعمال الطبية فيها.
وبهمجيته المعتادة يسعى العدو إلى إنهاء كل مظاهر الحياة في الضاحية، ويستهدف أيضًا أماكن ذات رمزية معنوية لدى السكان، مثل ملعب الراية الذي كان مكانًا للاحتفالات الحزبية وأصبح اليوم مجمعًا سكنيًا وتجاريًا لا يزال قيد الإنشاء.
خلاصة القول: التوقيت ليش عشوائيا
التوقيت الليلي للغارات ليس عشوائياً؛ فالليل يُبقي السكان في حالة تأهب مستمر، يتابعون الخرائط الإسرائيلية التي تُنشر للتحذير من استهداف محتمل لمناطقهم، مما يزيد من الضغط النفسي عليهم.
الاستهداف المنهجي لمناطق محددة في الضاحية، مثل برج البراجنة والحدث، يعكس نية إسرائيل في ضرب البنية المجتمعية وإيقاف مظاهر الحياة اليومية، بما في ذلك المستشفيات والمرافق الحيوية؛ إسرائيل تستخدم هذا التكتيك لتعزيز الضغط النفسي على السكان وخلق جو دائم من الخوف والقلق، إلى جانب الأضرار المادية.