نخبة بوست – كتب: هزاع البراري ( أمين عام وزارة الثقافة الأسبق)

في ظل هذه الحرب الطاحنة على حزب الله، والمغايرة عما سبقها نوعاً وتكتيكاً وتأثيراً، لم يلاحظ كثير من المراقبين والمشتبكين مع الحالة اللبنانية عمق وغرابة صمت حلفاء الحزب من القوى اللبنانية التقليدية، ذات الحضور الفاعل في الخريطة السياسية اللبنانية، مثل التيار الوطني الحر “التيار العوني”، وتيار المردة “سليمان فرنجية”، وحركة أمل “نبيه بري”، وإلى حد ما الحزب التقدمي الاشتراكي “وليد جنبلاط”، وبعض القوى الأخرى التي تقترب أحياناً وتبتعد أحياناً أخرى حسب مقتضيات البراغماتية السياسية، رغم اختلاف نهجها وأيديولوجيتها مع الحزب.

هزاع البراري ( أمين عام وزارة الثقافة الأسبق)

وقد ساهمت هذه القوى نفسها بشكل أو بآخر في تعقيد هذا المشهد على مدى عقود طويلة، منذ اتفاق الطائف الذي قونن الحالة الطائفية في لبنان، ودخل لبنان على أثره في وضع غير مستقر تحت واقع تقاسم السلطة طائفياً، والذي منح البلاد استقراراً مرحلياً تخلله الكثير من المناكفات والمشادات، والعديد من التدخلات الإقليمية والدولية. مما جعل من لبنان ساحة مصغرة عن حرب باردة متعددة الأقطاب ومتعددة الشركاء، أفقدت البلد قراره الوطني واستقلاله السياسي إلى حد كبير.

وقد أفرز ذلك على الواقع ما يمكن تسميته بالحالة اللبنانية، التي تميزت بالاستقرار الهش قصير الأمد، وتصادم المصالح الإقليمية والدولية، حتى جعلت من أطراف المعادلة السياسية في لبنان بمثابة استجابة لهذه النزاعات والصراعات، بل إن بعضها تحول إلى ذراع وأداة لهذه القوى المتعددة والمتناقضة في غاياتها ومآلاتها.

شكلت الحرب الحالية، بكل تعقيداتها وتبعاتها المدمرة على لبنان والشرق الأوسط برمته، فرصة سانحة لاجتماع الفرقاء في لبنان واقتناص لحظة تاريخية، تتمثل في انتشال البلاد من حالة الاستعصاء والفشل السياسي

شكلت الحرب الحالية، بكل تعقيداتها وتبعاتها المدمرة على لبنان والشرق الأوسط برمته، فرصة سانحة لاجتماع الفرقاء في لبنان واقتناص لحظة تاريخية، تتمثل في انتشال البلاد من حالة الاستعصاء والفشل السياسي، والمساهمة في تشكيل لبنان جديد عبر توافق وطني، يتم من خلاله رفع حالة الموت الإكلينيكي عن مجلس النواب، وانتخاب رئيس لكل لبنان وليس مرتهناً لتحالفات محلية ذات ارتباط عضوي بدول إقليمية ذات أجندات غير وطنية لبنانية.

وبالتالي ينعكس ذلك على تشكيل حكومة إنقاذ وطني قوية ومتماسكة وقادرة على العمل في زمن صعب وتحت وطأة ظروف معقدة. وهذا يتطلب إعادة بناء الجيش، وتحديث تشكيلاته وتسليحه بشكل جيد وزيادة عدده، ليكون هو رمزاً وممثلاً لسيادة لبنان الفعلية في الوجدان وعلى أرض الواقع، من خلال إعادة انتشاره على امتداد البلاد دون استثناء ودون الشراكة مع أي قوى أخرى مهما كان شكل هذه الشراكة، أو وطنية هذه القوى.

من الواضح أن هذه القوى اللبنانية الحليفة لحزب الله، أو التي دخلت معه في تفاهمات سياسية على مدى سنوات طويلة، تدرك أنها ستكون خاسرة هي الأخرى في حالة خروج حزب الله من المعادلة السياسية، وستخسر بالتأكيد حليفاً قوياً وحاسماً في تأثيره على مجريات الأحداث الكبرى في لبنان، وعلى رأسها انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة، والتي لا تمر دون تحالف أو تفاهم مع حزب الله. وهنا، عند هذا الإدراك، تقف هذه القوى صامتة ومكتوفة الأيدي، في انتظار ما ستؤول إليه الأمور.

لا شك أن هذه القوى ما زالت تغلب مصالحها الفئوية والحزبية ومكانتها داخل الحلبة السياسية اللبنانية على محاولة التحرك لإخراج لبنان من هذا المأزق عبر توافق لن يتم إلا بسلسلة من التنازلات تقع على عاتق الجميع، وعدم أخذ الحرب باعتبارها ذريعة لتأجيل هذا المسار، فتأجيله أشد خطورة على لبنان من الحرب ذاتها

صمت حلفاء حزب الله في لبنان لا يمكن تفسيره بغير الأنانية السياسية، والمحاولة ولو بالصمت للمحافظة على المكاسب السابقة، بغض النظر عن خطورة ما يجري في ظل غياب أهم مؤسسات الدولة، وهي الرئاسة والنواب والحكومة. أعتقد أن لبنان بحاجة الآن وبشدة للوحدة الوطنية، وانصهار هذه القوى في بوتقة وطنية قادرة، إن صدقت النوايا وصُفِّيت النفوس، على قلب الموازين وإعادة لبنان إلى الطريق السليم، ليس مرحلياً فقط، وإنما للتأسيس للبنان جديد يتجلى أكثر في العقود القادمة.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version