نخبة بوست – أماني الخماش

فرضت التصريحات التي خرج بها أمين عام المجلس الإسلامي العربي محمد علي الحسيني، حالة جدلية في الشارع الأردني والعربي، والتي تحدث بها عن وجود غرف سوداء وخلايا ناشطة تابعة لحزب الله وإيران في الأردن، بهدف استهداف النظام والتحريض ضده.

وفي هذا الصدد؛ أشار الحسيني إلى أن المهمة الاولى لهذه الخلايا هو العبث باستقرار الأردن والعمل على زعزعة أمنه، واستهدافه بشكل مباشر ومتعمد، باعتبار أن الأردن حجر زاوية المنطقة، ويتمتع بموقع جغرافي استراتيجي يربط بين بلاد الشام ودول الخليج.

غرف سوداء وخلايا ناشطة لحزب الله وإيران في الأردن .. "نخبة بوست" تستطلع الآراء السياسية
أمين عام المجلس الإسلامي العربي محمد علي الحسيني

تصريحات الحسيني التي تم تداولها مؤخرا، كانت محط الكثير من التساؤلات حول دوافع إطلاقها، وما مدى حقيقة ثبوتها!؟ لاسيما وأن الحسيني قد تنبأ ببعض مجريات المعركة التي حدثت بالفعل، خصوصاً الرسالة التحذيرية التي وجهها إلى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قبل عملية اغتياله بيوم، وتحدث بأن قرار تصفيته قد اتخذ، وفي اليوم الثاني تم اغتيال نصر الله.

وسط ملتهب ومنظومة أمنية قوية

ولتسليط الضوء عن كثب على حقيقة تصريحات الحسيني، تجدر الإشارة أولا إلى أن الأردن يقع في قلب ساحة إقليمية ملتهبة، فما إن تهدأ حرب حتى تشتعل أخرى؛ وفي ظل ذلك، يستمر الحديث عن تعرض أمن الأردن واستقراره للاستهداف، كونه حجر الأساس في هذه المنطقة وشريان أمانها.

يقع الأردن جغرافيًّا في قلب المثلث الملتهب في منطقة الشرق الأوسط، على حدود كل من العراق وسوريا وفلسطين.

وعلى جميع الأصعدة، كان الأردن دائماً داعماً لقضايا الأمة العربية والإسلامية، وداعياً لتوحيد الصفوف وحل الأزمات لتجنيب الأمة والمنطقة ويلات الحروب وتبعاتها.

يتمتع الأردن بمنظومة أمنية قوية قادرة على حمايته والدفاع عنه من أي مخططات تستهدف استقراره وأمنه، وتفشل أي مساعٍ تحاول النيل من وحدته وتماسكه؛ وعليه، فإن تصريحات الحسيني تبقى موضع شك حتى يثبت العكس

الرداد: هناك مؤشرات تعطي شرعية لهذه التصريحات

من جهته، أوضح خبير الأمن الاستراتيجي د. عمر الرداد أنه ليس من السهولة التأكد من مصداقية ما أعلنه الحسيني بخصوص وجود غرفة عمليات مشتركة يشارك فيها الإخوان، وحماس، وحزب الله في الأردن.

وأضاف قائلاً: “هناك العديد من المؤشرات التي تعطي شرعية لمثل هذه المعلومات، سواء من خلال الخطاب المتجانس بين الإخوان وإيران، أو من خلال ضبط خلايا عسكرية في الأردن تضم عناصر تابعة للقسام والإخوان، وهو ما تم الإعلان عنه في آذار الماضي في الأردن” .

من أحد المسيرات التي انطلقت من أمام المسجد الحسيني بمنطقة وسط البلد ودعا إليها الملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن تحت شعار “المقاومة خيارنا”. 11/24/2023

وفيما يتعلق بمدى مصداقية هذه التصريحات، أوضح الرداد أنه رغم نفي القيادات الإخوانية في الأردن لأي تنسيق عملياتي مع أي جهات، إلا أنه من المؤكد أن هذه التنسيقات قد تتم من خلال تيارات داخل الإخوان، وليس بالضرورة أن يكون مجلس الشورى أو المكتب التنفيذي على اطلاع كامل بذلك.

وبيّن الرداد أن هذا السياق غير معزول عن الحرب على حزب الله في لبنان وحماس في غزة، وبالتالي الحرب ضد إيران ووكلائها، مضيفا “ربما يكشف هذا السياق بعض مخططات إيران وحلفائها، لكنه في الوقت نفسه يطرح تساؤلات، خصوصاً أن هذه التصريحات صادرة عن شخصية في خصومة مع حزب الله وولاية الفقيه”.

الرداد : توقيت هذه التصريحات يأتي في مرحلة صعبة وضعيفة لحزب الله نتيجة الضربات التي تعرض لها؛ ومع ذلك، لا يمكن نفي هذه المعلومات أو إثباتها، إذ تحتاج إلى توضيحات من قبل الأجهزة الأمنية المختصة

وأضاف “الجهة المطالبة بالإجابة والرد على ما قاله الحسيني هي قيادة الإخوان في الأردن؛ وبعيداً عن الاتهامات والتشيطن، هناك الكثير من التقاطع بين الخطاب الإخواني والخطاب الإيراني، لا سيما بعد السابع من أكتوبر. كما أن حماس، المرتبطة بعلاقات وثيقة جداً مع إخوان الأردن، لا تنكر علاقاتها بالحرس الثوري الإيراني”.

أبو هنية: تصريحات الحسيني نابعة من خلافه مع حزب الله

من جانبه، قال الباحث في مجال الفلسفة السياسية والفكر الإسلامي، والخبير في الحركات الإسلامية، حسن أبو هنية، إن تصريحات الحسيني نابعة من خلافه مع حزب الله، فهو جزء من تيار مناهض لإيران ومحور المقاومة؛ ويبدو أنه يحاول تقديم معلومات لا يمكن أن تغفل عنها الأردن وأجهزته الأمنية.

أبو هنية : الأردن لم يشهد أي قضية تتعلق بهذا السياق، لا سيما أن الأجهزة الأمنية مشهود لها بالكفاءة والدقة تاريخياً، وبالتالي لا توجد خلايا تابعة لحزب الله كما زعم الحسيني، وما يقوله مجرد دعاية لم تثبت على الإطلاق

ونوه أبو هنية إلى أن هناك محوراً تابعاً لأمريكا وإسرائيل في المنطقة، وفي ضوء ذلك يحاول البعض القول بأن ما تفعله إيران هو محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار في الأردن، وهذه هي الرؤية الأمريكية التي تتبناها بعض الدول العربية، مما يعزز هذه الفكرة.

الأردن يرفض أن تستخدم أراضيه ك”ساحة حرب” في الصراع الدائر بين إيران و إسرائيل.. والملك عبد الله الثاني يؤكد سيادة وسلامة أراضيه. 17/04/2024

وفيما يتعلق بالدور الإيراني في المنطقة، أشار أبو هنية إلى أن إيران تعد عنصراً رئيسياً في حالة عدم الاستقرار في العراق وسوريا ولبنان واليمن، لكن الأردن لم يشهد محاولات جدية لزعزعة استقراره، وإن كانت هناك محاولات لتهريب المسيرات، إلا أنها ليست بالمعنى الذي تحدث عنه الحسيني.

بالرغم من وجود بعض التحالفات مع قوى الإسلام السياسي، مثل حماس، إلا أنه لا يوجد مكون شيعي يمكن أن ترتكز عليه إيران في الأردن

ولفت أبو هنية إلى أن هذه التصريحات تعد جزءاً من دعاية تحاول إضفاء نوع من الخطورة على الدور الإيراني في الإقليم، وكأن ما يحدث من حالة عدم الاستقرار سببه الأساسي إيران وليس إسرائيل. وهذه الدعاية تنطوي على نوع من التبرئة والتبييض لصفحة إسرائيل.

البستنجي: الأردن ليس لقمة “سائغة”

وفي هذا الصدد، بيّن الكاتب والباحث السياسي ضرار البستنجي أنه وبالبحث في خلفية محمد الحسيني، تبيّن أنه محكوم عليه بتهمة التخابر مع الكيان الإسرائيلي في لبنان، وهذه الاتهامات ليست لها علاقة باختلافات سياسية أو بنيوية في إطار تيار أو حزب ما.

وأضاف بقوله “بالنظر إلى مواقف الحسيني وما توحي إليه من دور، نجدها تأتي في وقت حساس وفي إطار معركة حقيقية عنوانها: إما أن تكون مع الكيان الإسرائيلي وعدوانه، أو أن تكون ضده”.

وأوضح البستنجي أن مجمل مواقف الحسيني والتكثيف الإعلامي عليه يعبران عن الدور المطلوب منه، بالإضافة إلى امتلاكه معلومات وقراءات تكاد تكون منطقية. وحالة العبث الإعلامي هذه ليس لديها مشكلة بالتنبؤ بشيء لا يحدث، إنما التوقف يكون عند التنبؤ بأمر من مفردات المعركة ويحصل بشكل سريع، كما حدث عندما اغتيل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.

حزب الله

وفيما يتعلق بحديث الحسيني عن الأردن، تساءل البستنجي عن سبب طرح هذه التصريحات في بيئة مؤيدة للمقاومة، وإن اختلفت مع بعض أطرافها، لكن ليس لأحد مصلحة في أن يخلق حالة من البلبلة أو يعمل على خلط أوراق الموقف الشعبي الثابت تجاه المقاومة، ويحرف البوصلة باتجاه عداوات أخرى بدلاً من العداء للكيان الصهيوني.

واستبعد البستنجي وجود خلايا نائمة تابعة لإيران وحزب الله، وإن كان الحسيني صادقاً في هذه التصريحات، لكانت قد ظهرت هذه البؤر، لا سيما في هذه المرحلة الخطرة من الصراع، الذي قد يكون وجودياً لبعض أطراف المحور. وإن كان هناك شيء من هذا القبيل، فإلى متى سيتم إخفاؤه؟ ومن يعبر عن موقف مؤيد لإيران أو لحزب الله لا يمتلك نزعة الخلايا النائمة.

وأشار البستنجي إلى أنه قد تكون هناك ملاحظات على أي طرف من الأطراف التي تخوض حرباً مع الكيان الصهيوني، ولكن هذا ليس وقت التشويش. والمنابر التي تحدث من خلالها معروفة بموقفها تجاه إيران وحزب الله، بالرغم من التفاهمات التي تُرجمت إلى خطوات معقولة، لكنها في ظرف تاريخي مثل هذا، الذي سيفرز واقعاً مختلفاً على كل المستويات، هي أكثر هشاشة من أن تصمد.

البستنجي:  الأردن ليست ساحة سائبة ولا لقمة سائغة، وهناك ثقة كبيرة بالأجهزة الأمنية، والشارع الأردني واعٍ. هذه المحاولات لتحريض الناس ضد المقاومة وحرف بوصلتهم السليمة عن الصراع القائم مكشوفة للجميع

ولفت البستنجي إلى وجوب أخذ الحذر، سيما أن المشهد كبير والمنطقة مفتوحة على الكثير من الاحتمالات. وفي ضوء ذلك، الأردن يفرض حرصاً في سعيه لتجنب ويلات القادم، الذي سيكون كبيراً، ولكن ليس بالحد الذي يجعلنا نشعر بالرعب بسبب خروج أحد “المهرطقين” وإلقائه كلمة يلعب فيها دوراً مسموماً.

وأضاف قائلاً: “العلاقات الأردنية الإيرانية شهدت حالة من التبدل، فكانت هناك لقاءات وزيارات على الصعيد الرسمي، وبالرغم من التباين في التحالفات، والعلاقات لم تكن في أحسن حالاتها، إلا أن الأردن بعد طوفان الأقصى صبّ تركيزه على وقف العدوان على غزة ولبنان، على حساب أي خلاف هامشي مع الجميع. والخلاف مع إيران وحزب الله ليس صراعاً”.

وأكد أن الأردن يقف مع لبنان بشكل مطلق، والموقف الأردني تميز عن الأشقاء العرب بتسمية ما يحدث في لبنان “عدواناً”، وهذا الموقف مهم في مواجهة إسرائيل التي تصب جزءاً من مخططاتها نحو الأردن.

منظومة الأردن الأمنية .. “متينة”

بالرغم مما يتعرض له الأردن من تهديدات تمس أمنه وأمانه، إلا أن الأردن ومنذ زمن يتمتع بمنظومة أمنية قوية قادرة على صد أي من هذه المحاولات التي تستهدف العبث في استقراره.

وفي ضوء ذلك تبقى الجهات الأمنية هي الجهة الوحيدة التي تمتلك المعلومات الصحيحة والحقيقة، وهي الجهة المخولة للحديث عن هذه المعلومات بالنفي  أو التأكيد.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version