نخبة بوست – أماني الخماش

أثارت تصريحات وزير العمل د. خالد البكّار، بشأن عزم الحكومة رفع الحد الأدنى للأجور مطلع العام المقبل حالة من الجدل في الأوساط الاقتصادية والشارع الأردني، حيث انقسمت الآراء بين مؤيد لهذا التوجه ومعارض له.

رفع الحد الأدنى للأجور .. هل يفعلها البكّار !؟
خلال اللقاء الذي عقده وزير العمل الدكتور خالد البكار، و أكد فيه أن الوزارة ملتزمة بقرار رفع الحد الأدنى للأجور ولا تراجع عنه مع مطلع العام المقبل، مؤكدًا أن القرار ينبغي أن يكون بتوافق اللجنة الثلاثية التي تتكون من أطراف الإنتاج الثلاثة “أصحاب العمل، والعمال، والحكومة”.  3-10-2024

ولتسليط الضوء عن كثب على محور رفع الحد الأدنى للأجور، لا بد من الإشارة أولا إلى أنه وخلال السنوات الأربع الماضية تراجعت الحكومة عن هذه الزيادة وقامت بتأجيلها، وذلك نتيجة للتداعيات التي أحدثتها جائحة كورونا على الاقتصاد الأردني، الذي يرى بعض الخبراء أنه لم يصل بعد إلى مرحلة التعافي الكاملة.

كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن آخر زيادة على الحد الأدنى للأجور كانت في عام 2021، حيث زادت الحكومة 40 دينارًا ليصبح الحد الأدنى للأجور 260 دينارًا، بعد أن كان 220 دينارًا.

خطوة تحمل أبعاد متباينة

في ضوء الحديث الراهن عن رفع الحد الأدنى للأجور، يرى أصحاب العمل أن هذه الخطوة تُعد مسمارًا آخر يُضاف إلى نعش الاقتصاد، نظرًا لما تساهم به من إثقال كاهل القطاع الاستثماري بالمزيد من الأعباء والتحديات، كما أنهم يعتقدون أن هذه الخطوة ستؤدي إلى زيادة كلف الإنتاج وتسريح عدد من الموظفين لتخفيف ميزانية الرواتب على أصحاب العمل.

في المقابل، وفي ظل ارتفاع خط الفقر المتزامن مع الزيادة المتتالية في أسعار السلع، يرى الموظفون أن هذا التوجه الحكومي هو استحقاق قانوني للمواطن وحق مؤجل. فهم يعتبرون أن الزيادة السنوية في الحد الأدنى للأجور تشكل مظلة اقتصادية قادرة على تعزيز تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وخطوة فعالة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية.

الفناطسة: رفع الأجور لا يحتمل التأجيل 

وضمن إطار حديثه عن رفع الحد للأجور؛، قال رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن خالد الفناطسة، إن النظر في قرار رفع الحد الأدنى للأجور هو من اختصاص اللجنة الثلاثية لشؤون العمل، التي تتشكل من أطراف الإنتاج الثلاثة (العمال، أصحاب العمل، الحكومة)، وتتخذ قرارها بالإجماع. وفي حال تعذر ذلك، يرفع وزير العمل القرار إلى مجلس الوزراء.

وأضاف أن المادة 52 من قانون العمل ربطت قرار زيادة الحد الأدنى للأجور بتكاليف المعيشة، حيث نصت المادة على أن “تتولى اللجنة الثلاثية تحديد الحد الأدنى للأجور بصورة عامة أو بالنسبة لمنطقة معينة أو لمهنة معينة أو لفئة عمرية معينة، على أن يؤخذ بعين الاعتبار مؤشرات تكاليف المعيشة التي تصدرها الجهات الرسمية المختصة”.

الفناطسة: رفع الحد الأدنى للأجور إلى 300 دينار على الأقل “أصبح حقًا واجبًا”، بعد مرور نحو 5 سنوات على بقائه ثابتًا عند 260 دينارًا

وهذا هو مطلب الاتحاد والنقابات بحسب الفناطسة، وقد تم التعبير عنه مؤخرًا خلال لقاء مع وزير العمل بحضور أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد؛ إذ إن الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وفقًا لأحدث الأرقام التي تم الإعلان عنها بشأن خط الفقر، لا تحتمل مزيدًا من تأجيل رفع الحد الأدنى للأجور.

وبيّن أن الاتحاد، بالتعاون مع أصحاب العمل، بسبب الظروف الاقتصادية التي أثرت على نشاطهم، لم يطرأ أي زيادة على الحد الأدنى للأجور جراء التداعيات الاقتصادية التي فرضتها جائحة كورونا على الاقتصاد الوطني خلال الأعوام السابقة. أما الآن، فقد أصبح الأمر حقًا مكتسبًا، إذ إن مبلغ 260 دينارًا “لا يكفي شخصًا واحدًا، فكيف بعامل يعيل أسرة؟”

وأشار الفناطسة إلى أن الـ 300 دينار لا تلبي طموح الاتحاد، ولا تكفي لإعالة أسرة وتأمين متطلبات الحياة، في ظل الارتفاع المستمر في نسب التضخم؛ معربًا عن أمله في الوصول إلى قرار ضمن اجتماعات اللجنة، وفقًا لما أشار إليه وزير العمل الذي يتولى رئاستها.

زوانة: معايير رئيسية لزيادة الأجور 

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي زيّان زوانة إن معدل الأجور في القطاع الخاص في معظم بلدان العالم أعلى من نظيره في القطاع العام. وكان الأردن تاريخياً ضمن هذا السياق، حتى تم تعديل هيكلة الأجور في القطاع العام منذ عدة سنوات، مما أحدث اتجاهاً معاكساً، بحيث أصبح معدل الأجر في القطاع الخاص أعلى من مثيله في القطاع العام.

وأشار زوانة إلى حدوث حالة من تجميد الأجور، رغم المطالبات برفع الحد الأدنى للأجور، وذلك في ضوء إقرار الحكومات المتعاقبة هذا التجميد حتى بداية العام القادم 2025.

ونوه زوانة إلى أن آلية الحكومات في رفع الأجور تسير وفقاً لمعايير رئيسية، من ضمنها: معدل ارتفاع الأسعار وتكاليف الحياة، بالإضافة إلى ما تقدمه الحكومة المعنية لمواطنيها من خدمات كالتعليم والصحة والنقل، وما يتحمله المواطن من تكاليف. كما تم هيكلة الضريبة الهادفة، لتكون سياسة الأجور إحدى أدوات الرفاه المعتدل وتحقيق العدالة.

زوانة: الحكومات تأخذ في اعتبارها ألا تكون سياسة الأجور سبباً في ارتفاع معدل التضخم

وفيما يتعلق بالنسبة المتوقعة لرفع الحد الأدنى للأجور، قال زوانة إنه من الصعب التكهن بنسبة الزيادة، وذلك لاختلاف مصالح الأطراف وتعارضها. إلا أنه يمكن التوقع أن تتراوح الزيادة ما بين 4% إلى 7%.

وتساءل زوانة عما إذا كانت هذه الزيادة كافية بالتوازي مع ارتفاع كلفة التعليم والنقل والمحروقات، وتشتت جهود التأمين الصحي الذي يؤدي بدوره إلى إضعاف فعاليته الشاملة.

أبو نجمة: نطالب برفع الحد للأجور الى 300 دينار

وفي ذات السياق، قال رئيس مركز بيت العمال للدراسات المحامي حمادة أبو نجمة إن الأردن صادق على اتفاقية عربية تُسمى “حماية الأجور”، والتي تُلزم الدولة بمراجعة الحد الأدنى للأجور سنويًا على الأقل؛ وأصبح من الضروري مراجعة الحد الأدنى للأجور بعد مضي ثلاث سنوات.

وأشار أبو نجمة إلى أن مطلب النقابات العمالية هو رفع الحد الأدنى للأجور إلى 300 دينار، حيث تهدف هذه الخطوة إلى حماية العمال، خاصة الفئات الضعيفة منهم، وتوفير حياة كريمة لهم ولأسرهم، بالإضافة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية. 

ومن الجانب الاقتصادي، فإن رفع الحد الأدنى للأجور سيزيد القدرة الشرائية لشريحة كبيرة من العاملين، مما سينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد، وسيزيد من معدلات النمو ويفتح فرص عمل جديدة.

وفيما يتعلق بتداعيات هذا القرار على أصحاب العمل، بين أبو نجمة أن هذه المخاوف لا تستند إلى حقائق علمية، فالأجور تشكل نحو 10% من تكلفة الإنتاج في مختلف القطاعات. وبالتالي، فإن رفع الحد الأدنى للأجور من 260 إلى 300 دينار سيزيد التكلفة بنسبة 1.5% فقط، وهي نسبة ضئيلة لن تؤثر على الأرباح أو الاستثمار.

ولفت أبو نجمة إلى أن زيادة الحد الأدنى للأجور يتم تحديد معاييرها وفقًا للقانون، وبشكل يتناسب مع كلف المعيشة؛ حيث نص القانون على أن أي ارتفاع في هذه الكلف يجب أن يتزامن مع رفع الحد الأدنى للأجور. وتطبيقه يحتاج إلى دراسات خاصة متعلقة بنسب التضخم وبكلف المعيشة والارتفاعات التي حدثت منذ آخر قرار في بداية 2021 وحتى دخول القرار حيز التنفيذ.

أبو نجمة: تأجيل رفع الحد الأدنى للأجور مرات عدة سيؤدي إلى حساب التضخم بشكل تراكمي، مما يعني أن قيمة التضخم في كل عام تُضاف إليها نسب السنوات التي تليها، وصولاً إلى العام الذي سيتم فيه إقرار زيادة الأجور، وهذا يتطلب تشكيل لجنة فنية بالإضافة إلى اللجنة التي يستعين بها وزير العمل لاتخاذ القرار، وخيار تشكيلها يعود للوزير

وأضاف: “من الضروري استمرار الزيادة على الحد الأدنى للأجور سنويًا حتى تصل إلى مستوى خط الفقر”.

وفيما يتعلق بالنسبة المتوقعة لزيادة الحد الأدنى للأجور، بين أبو نجمة أن النسبة غير معروفة، إلا أن الاتحاد العام لنقابة العمال يطالب برفعها إلى 300 دينار، أي بزيادة تقدر بـ 40 دينارًا. وقد يكون التوجه الحكومي بهذا المسار، باعتبارها نسبة مرضية للعمال وأصحاب العمل، وهذه النسبة خاضعة للتفاوض ولتقرير اللجنة التي قد تستند إليها اللجنة الثلاثية.

الحد الأدنى للأجور في الوضع الحالي، حتى وإن رفع إلى 300 دينار، فهو أقل بكثير من معدل الفقر الذي يصل نحو 500 دينار للأسرة الواحدة؛ والفرق بين الرقمين كبير، ورغم ذلك فإن الرفع إلى 300 دينار أمر جيد وله نتيجة إيجابية

دية: الزيادة بسيطة ولا تتناسب مع غلاء المعيشة

بدوره، أشار المحلل الاقتصادي منير ديه إلى أن رفع الحد الأدنى للأجور أصبح بحكم القانون، وذلك وفقًا لما نصت عليه المادة 52 الفقرة (ب) من قانون العمل، التي ربطت رفع الحد الأدنى للأجور بارتفاع معدل التضخم. وقد تم نشر ذلك في الجريدة الرسمية في عام 2020، وكان مضمونه رفع الحد الأدنى للأجور من 220 دينارًا إلى 260 دينارًا، مع ربط رفع الحد الأدنى للأجور بمعدل زيادة سنوية مساوية لنسب التضخم في المملكة للسنة السابقة.

وأكد ديه أن حكومة بشر الخصاونة لم تجرِ أي زيادة للأجور في عام 2022 بسبب تداعيات جائحة كورونا، وتراجعت عن ربط الحد الأدنى للأجور بنسب التضخم في عامي 2023 و2024. منوهاً إلى أنه ينبغي على الحكومة في عام 2025 أن تأخذ الحد الأدنى للأجور بناءً على حساب نسب التضخم للسنوات الثلاث السابقة (2022 و2023 و2024)، والتي مجموعها 8%، مما يعني زيادة تقدر بـ 21 دينارًا، وبالتالي يصبح الحد الأدنى للأجور 281 دينارًا.

وفيما يتعلق بتطبيق حكومة الدكتور جعفر حسان قرار زيادة الأجور، قال ديه إنه في حال طبقت الحكومة القانون وزادت الحد الأدنى للأجور بمعدل 21 دينارًا، ستكون هذه الزيادة بسيطة ولا تتناسب مع غلاء المعيشة ونسب التضخم وارتفاع كلفة المعيشة. والأصل أن يتناسب الحد الأدنى للأجور مع هذه المعطيات، وأن تكون هناك دراسات من قبل الإحصاءات العامة تتعلق بنسب الفقر ومتوسط دخل المواطنين.

ديه : إذا لم يتناسب رفع الحد الأدنى للأجور مع كلفة غلاء المعيشة، فإن ذلك سيزيد من معدل البطالة والفقر في المجتمع، وسيتسبب في حدوث مشاكل اجتماعية واقتصادية، مما يجعل الاقتصاد الأردني أمام تحدٍ كبير

وأضاف قائلاً: “إذا أصرت الحكومة على عدم رفع الحد الأدنى للأجور، يجب أن تعمل على خفض ضريبة المبيعات إلى النصف، بحيث تصبح 8% بدلاً من 16%، لتخفيف كلفة الحياة وتقليل الضريبة على المواطن الفقير وذوي الدخل المتوسط، وعلى الذين يعملون دون الحد الأدنى للأجور، والذين يقدر عددهم بمئتي ألف عامل مسجل في الضمان الاجتماعي، حيث تقع رواتبهم عند الحد الأدنى للأجور البالغ 260 دينارًا”.

وأشار إلى أنه بالتوازي مع ذلك، فإن رفع الحد الأدنى للأجور قد يواجه القطاع الصناعي بعض التحديات، حيث سيؤدي ذلك إلى زيادة كلفة الإنتاج والسلع، وتقليل تنافسية القطاع في ظل انخفاض الحد الأدنى للأجور في بعض دول الجوار المنافسة للأردن في الصناعات والقطاعات الحيوية.

رفع الأجور: دعم للدخل أم عبء على الاقتصاد؟

في ظل التحديات الاقتصادية الكبيرة والظروف الجيوسياسية المعقدة التي ألقت بظلالها على الاقتصاد الأردني، تجد حكومة د. جعفر حسان نفسها بين خيارين احلاهما مر: الأول وجوب إقرار رفع الحد الأدنى للأجور لدعم أصحاب الدخل المحدود، والثاني هو تأجيل القرار رأفة بالقطاعات الصناعية والاقتصادية  والاستثمارية، الذين يجدون في هذه الخطوة أعباء جديدة تثقل كاهل أصحاب العمل.

وفي ضوء ذلك، يتضح أن رفع الحد الأدنى للأجور هو سيف ذو حدين، وهنا، يطرح السؤال الأهم: كيف ستمسك  الحكومة العصا من المنتصف لتراعي بذلك مطالب الطرفين؟ 

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version