نخبة بوست – كتب : عبدالهادي راجي المجالي

أريد أن أكتب رسالة لنتنياهو , رسالة بالعربية النبيلة وليست بالعبرية المجرمة ..

نتنياهو …

أنتَ تُقاتل لبنان الآن وتُدمِّر كل شيء فيه… وقد سبق أن قام شارون باجتياح بيروت. شارون فعل ما عجزتَ عنه أنت… ولكن ماذا حدث حينها؟ الذي حدث أن لبنان في عزّ الحرب والاجتياح كان يُقدِّم للعالم (عازار حبيب)، وهناك فرق بين من يُقدِّم للبشرية أصوات المدافع وبين من يُقدِّم اللحن. كان لبنان يُقدِّم للعالم أيضًا أمين معلوف في بداية الثمانينيات، الصحفي والمفكر والروائي الذي أثرى الفكر العالمي، وأنتم كنتم تُقدِّمون (صبرا وشاتيلا)… كنتم تذبحون الفلسطيني في مخيمه وتقتلون الأطفال والحوامل.

كان لبنان يُصرّ على الحياة، وكانت مسرحيات الرحابنة تطوف مسارح فرنسا وأمريكا والغرب، في حين أن شارون ورابين كانا يُؤسسان جيش لبنان الجنوبي ويقضمان جزءًا عزيزًا من الجنوب. جنودكم حين دخلوا لبنان في ذلك الوقت، أصيبوا بصدمة حضارية؛ هم لا يعرفون (التبولة)، لا يعرفون الجامعة الأمريكية، ولا يعرفون الوادي الذي كتب فيه أحمد شوقي قصيدته المشهورة: (يا جارة الوادي). هم لا يعرفون الحب في الروشة ولا رائحة السمك على شواطئ بيروت… لقد خرجوا في النهاية من لبنان كله. هل تعرف لماذا؟ لأن الحضارة تهزم (الميركافا)، ولأن الوتر يخلد في التاريخ كإرث ثقافي وفني، بالمقابل شارون خُلِّد في التاريخ كمجرم حرب.

أنتَ تقصف الآن يا نتنياهو كل شبر في بيروت، حتمًا ستُدمِّر المباني، وحتما ستُدمِّر الغرف المحصنة وستقتل الكثير من النساء والأطفال. لكن هل تستطيع شطب جبران خليل جبران من الذاكرة؟ حتمًا لا. هل تجرؤ على محو إرث أنطوان سعادة من مكتبات الجامعات في فرنسا وبريطانيا؟ حين كان أنطوان يُؤسس لفكر قومي عروبي، كانت الصهيونية تُؤسس لفكرة الاستيطان والاحتلال واحتقار الشعوب والدم. اقصف كما تشاء، فكل قذائفك لن تجرؤ على محو جبران من الذاكرة العالمية.

نتنياهو…

التاريخ لن يتحدث عن طائراتك التي قصفت الضاحية الجنوبية، لكن التاريخ سيتحدث عن إيليا أبو ماضي… كلما حضر الحب والحنين والوطن، المئات من الجامعات في العالم والتي تُدرِّس فنون الشعر، سيستخرج الأساتذة فيها قصائد إيليا أبو ماضي وسيقولون إنه كان لبناني الدم والقلب. بالمقابل، طائراتك ستحضر في محاكم جرائم الحرب، وستحضر في ذاكرة ملايين الأحرار من هذا العالم كأدوات قتل وتدمير. صدقني أن كل قذائفك تحدث صدى في بيروت وما حولها، لكن صدى قصيدة إيليا أبو ماضي: (الطلاسم)، سيبقى في الذهن فلسفة وجود وسؤال مقلق. بدلًا من أن تقوم استخباراتك بجمع معلومات عن بيروت، أرجو أن يُترجموا لك قصيدة (الطلاسم) اقرأها، ربما بعدها ستعرف معنى الشعر ومعنى السؤال ومعنى الألم ومعنى الوجود. ربما ستعرف من تقاتل؛ إيليا أبو ماضي وحده هزيمة لكم.

نتنياهو…

خذ الجنوب، إن أردت احتلاله فتقدَّم وخُذه، لكنك حتمًا لا تجرؤ أن تحتل إرث نصري شمس الدين. هل تجرؤ أن تصادر صوته؟ هل تجرؤ بمدافعك أن تقصف إرثه؟ دمِّر كل منصات الصواريخ، أعرف أنك تقدر على ذلك، لكن هل تقدر أن تُدمِّر صوت وديع الصافي؟ وأنت تتابع عمليات جيشك في لبنان، ضع في مكتبك أغنية وديع الصافي: (ياما أنا والليل كنا صحاب… ياما أنا وياه زرنا أبواب) اسمعها ودع مستشارك يُترجمها لك إلى العبرية. اسمع اللحن والوتر والحزن، وستدرك لحظتها أن إسرائيل بكل ما أنتجت من صواريخ وطائرات وفرق عسكرية، لم تستطع أن تُنتج وترًا مثل وتر وديع، ولم تستطع أن تُنتج حزنًا يلف الدنيا مثل الحزن الساكن في صوته.

نتنياهو…

الحضارة لا تُهزم… ولبنان لا يُهزم، صدقني أن (التبولة) وحدها أحدثت في العالم حضورًا أكبر من كل ما أنتجتم في مجال الأدب والرواية والتاريخ والموسيقى والرقص والفن والحياة. يبدو أنك لا تعرف من تقاتل؟ أنتَ تُقاتل بيروت. من قال إن الحب سيهزم جاهل، ومن قال إن بيروت ستجثو على ركبتيها واهم. بيروت بدمعة واحدة قادرة على أن تصهر كل أحلامك.

نتنياهو…

هذه الليلة اسمع فيروز… اسمع صوتها، وقارنه بصوت هدير طائراتك، واعرف الفرق بين الصوت الذي ذاب قلوب البشر وبين الصوت الذي قتل البشر. فيروز وحدها قادرة على هزيمة كل ألوية (الجولاني)، فيروز وحدها وطن مستقل له سيادة وعلم، وله جيش وسماء وعساكر. فيروز وحدها وطن، في حين أنكم حتى الآن لا تعرفون معنى الوطن.

نتنياهو…

لبنان لا يُهزم، تأكَّد من ذلك، لأن التاريخ علمنا أن الحب لا يُهزم، وعلمنا أيضًا أن الزمن سيبلع كل حاقد وكل جبان وكل مجرم.

نتنياهو…

لا تنسَ أن تسمع هذا المساء أغنية: (ياما أنا والليل كنا صحاب… ياما أنا وياه زرنا أبواب).

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version