نخبة بوست – شذى العودات
مع التطور السريع في التكنولوجيا المالية، أصبحت البطاقات الائتمانية أو مايعرف بـ “الفيزا” جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية في معظم دول العالم، بما في ذلك الأردن؛ حيث توفر هذه البطاقات مرونة وسهولة في تلبية الاحتياجات الفورية دون الدفع النقدي المباشر.
ومع ذلك، فإن الاعتماد المتزايد عليها قد يؤدي إلى تراكم الديون وأعباء مالية على كاهل مستخدميها؛ وهنا نطرح تساؤلا هاما مفاده: البطاقات الائتمانية .. نعمة أم نقمة !؟
وسيلة فعّالة وسريعة للدفع
بوجه عام، تعد البطاقات الائتمانية من الأدوات المالية الحديثة التي أحدثت ثورة في عالم الدفع الإلكتروني والمعاملات المالية، حيث تعتمد فكرة البطاقات الائتمانية على تقديم خدمة مالية مرنة تتيح لحاملها إمكانية الشراء أو السحب النقدي دون الحاجة إلى توافر الأموال في الحساب المصرفي في نفس لحظة الشراء، مع الالتزام بسداد المبلغ في وقت لاحق وفقاً لشروط محددة.

لذا أصبحت هذه البطاقات جزءاً أساسياً من الحياة اليومية للكثيرين، حيث توفر راحة في التعاملات التجارية، سواء في المتاجر التقليدية أو عبر الإنترنت، وتلعب دوراً كبيراً في تعزيز مفهوم الاقتصاد غير النقدي. إلا أن استخدامها يتطلب وعياً مالياً وإدارة حكيمة لتجنب الوقوع في فخ الديون المتراكمة أو الفوائد العالية.
مخاطر الفوائد المتراكمة .. هل يعي المستخدمون التكاليف الخفية؟
وفي هذا السياق، أشار المدير العام لجمعية البنوك الأردنية، ماهر المحروق، إلى أن التخطيط المالي الجيد هو الحل الأمثل لتجنب الوقوع في فخ الديون المتراكمة.
وأوضح أن الأفراد الذين خططوا لميزانياتهم بدقة والتزموا بسداد المستحقات في وقتها، تمكنوا من الحفاظ على استقرارهم المالي وتجنب تراكم الفوائد.
العديد من الأفراد يجدون أنفسهم فجأة يواجهون ديوناً متراكمة وفوائد مرتفعة، لأنهم لم يدركوا التكاليف الخفية التي ترافق استخدام البطاقات الائتمانية
وأوضح محروق أن التخطيط المالي السليم يمكن أن يساعد في تجنب المشكلات المالية الناتجة عن سوء إدارة البطاقات؛ فإذا التزم الأفراد بسداد مستحقاتهم في الوقت المناسب، يمكنهم الاستفادة من مرونة البطاقات دون الوقوع في دوامة الديون.
المحروق : التأخر في سداد مستحقات البطاقات الائتمانية يؤثر بشكل مباشر على التصنيف الائتماني للأفراد؛ فالأشخاص الذين التزموا بسداد ديونهم في الوقت المناسب حافظوا على تصنيف ائتماني جيد، مما سمح لهم بالحصول على قروض بشروط أفضل في المستقبل
على الجانب الآخر، أوضح محروق أن الأشخاص الذين تأخروا في السداد واجهوا تدهوراً في تصنيفهم الائتماني، مما أدى إلى صعوبة في الحصول على قروض أو تسهيلات مالية مستقبلية بشروط مناسبة.
وأكد أن الأفراد الذين يحافظون على تصنيف ائتماني جيد يمكنهم الاستفادة من مزايا متعددة، مثل الحصول على قروض بفوائد أقل، بينما يعاني الأشخاص الذين يواجهون مشاكل في السداد من شروط مالية صعبة تزيد من أعبائهم.
مرونة مالية أم ديون إضافية؟
بدوره، أوضح الخبير الاقتصادي د.عدلي قندح أن البطاقات الائتمانية تمنح الأفراد مرونة مالية، تُمكّنهم من الشراء دون الحاجة إلى توافر الأموال نقداً في نفس اللحظة.
وأضاف أن البطاقات الائتمانية قد تعطي إحساساً مؤقتاً بالسيولة المالية، لكنها تتحول إلى عبء مالي ضخم عندما يفشل الأفراد في إدارة نفقاتهم بحذر.
وبيّن قندح أن كل عملية شراء باستخدام البطاقة تمثل ديناً يجب سداده لاحقاً، ومع تأخير السداد تبدأ الفوائد بالتراكم بسرعة.
قندح: العديد من الأفراد لا يدركون أن كل عملية شراء بالبطاقة الائتمانية تتضمن تكاليف مالية غير مرئية، مما يحوّل ما كان يُفترض أن يكون وسيلة لتسهيل الشراء إلى مصدر ضغط مالي نتيجة تراكم الفوائد والرسوم على المدفوعات المؤجلة
وأشار إلى أن السبب الرئيسي لتفاقم هذه المشكلة هو قلة الوعي المالي وسوء التخطيط. إذ يقع الكثيرون في فخ الإنفاق غير المدروس بسبب سهولة الدفع عبر البطاقات. هذا الإحساس المؤقت بالمرونة المالية يدفع الأفراد إلى الإنفاق دون حساب، مما يؤدي في النهاية إلى تراكم الديون على المدى الطويل.
وأكد قندح أن انتشار البطاقات الائتمانية في الأردن يعكس الاعتماد المتزايد عليها، لكنها تمثل سلاحاً ذا حدين، حيث تجاوز عدد البطاقات المتداولة في السوق الأردني الستة ملايين بطاقة. وأوضح أن التكاليف المالية الخفية المرتبطة بالبطاقات الائتمانية، مثل الفوائد المتراكمة والرسوم، تشكل تحدياً كبيراً أمام المستخدمين، لا سيما إذا لم يتم تسديد المستحقات في الوقت المحدد.
وأضاف أن العديد من الأفراد لم يدركوا أن تأخير السداد يؤدي إلى تراكم فوائد مرتفعة، مما جعلهم يواجهون تحديات مالية كبيرة. ومع تزايد الفوائد، يجد الكثير من المستخدمين أنفسهم غارقين في دوامة ديون يصعب التخلص منها.
وأشار إلى أن انتشار البطاقات الائتمانية في الأردن لم يُواكبه بالضرورة وعي مالي كافٍ لتجنب الوقوع في الفخ المالي الناتج عن سوء استخدامها. فرغم أن البطاقات توفر سيولة فورية لحل مشكلات مالية مؤقتة، إلا أنها قد تتحول إلى عبء طويل الأمد إذا لم يتم التعامل معها بحذر.
الراحة والأمان .. ميزات لا تُضاهى
لا شك في أن أحد أبرز الجوانب التي جعلت البطاقات الائتمانية مرغوبة لدى الكثيرين هو سهولة استخدامها والأمان الذي توفره؛ وقد كانت تجربة محمد العسيلي مثالاً حيّاً على الاستفادة الحكيمة من البطاقات الائتمانية، حيث قال العسيلي “عندما حصلت على بطاقتي الائتمانية لأول مرة، كنت حذراً للغاية؛ كنت أخشى الوقوع في فخ الديون، لذلك تعاملت معها بحذر شديد وقررت استخدامها كأداة لتحقيق أهدافي المالية بدلاً من أن تصبح عبئاً عليّ”.
وضع العسيلي خطة مالية مُحكمة تضمنت ميزانية شهرية صارمة، حرص من خلالها على سداد الرصيد بالكامل في نهاية كل شهر؛ وبهذه الطريقة، تجنب الوقوع في الديون، واستفاد من مزايا أخرى للبطاقة، مثل جمع نقاط المكافآت التي استخدمها للسفر وزيارة وجهات جديدة دون تكبد تكاليف إضافية.
وعلاوة على ذلك، ساعدته البطاقة على تحسين تصنيفه الائتماني، مما أتاح له فرصة الحصول على قرض بفوائد منخفضة لشراء منزله الأول؛ بالنسبة للعسيلي، لم تكن البطاقة الائتمانية مجرد وسيلة للشراء؛ بل كانت أداة مالية قوية لتحقيق الاستقرار المالي وطموحاته الشخصية.
النعمة التي تحولت إلى نقمة
وفي المقابل، مرَّ أحمد الخطيب بتجربة مختلفة تماماً؛ بدايةً، شعر الخطيب بالحماس عند حصوله على بطاقته الائتمانية الأولى، واستغل العروض والخصومات المغرية التي وفرتها البطاقة، لكنه لم يضع خطة محكمة لإدارة نفقاته. بدأ في شراء الأشياء دون التفكير في كيفية سداد المبالغ المستحقة.
وروى الخطيب تجربته قائلاً: “بدأت في استخدام البطاقة دون حسابات دقيقة، واشتريت الكثير من الأشياء دون مراعاة مستوى الدخل أو حجم الديون التي تراكمت بسرعة”. مع مرور الوقت، تراكمت الديون وأصبحت أكبر مما يستطيع سدادها، ووجد نفسه مضطراً لدفع الحد الأدنى فقط من المبالغ المستحقة كل شهر.
ومع استمرار هذا النمط، تراكمت الفوائد بشكل كبير، ووجد الخطيب نفسه في دوامة من الضغوط المالية والقلق المستمر. بعد فترة، أدرك أن وضعه المالي خرج عن السيطرة، فاستعان بخبير مالي لمساعدته في وضع خطة لسداد الديون. وعلى الرغم من أنه تمكن في النهاية من استعادة السيطرة على وضعه المالي، إلا أن الثمن كان باهظاً، سواء على المستوى النفسي أو المالي.
تراكم الديون .. قنبلة موقوتة تهدد العلاقات الأسرية والصحة النفسية
على الصعيد الاجتماعي، أوضحت الأخصائية الاجتماعية د. شروق أبو حمور أن تراكم الديون الناتج عن استخدام البطاقات الائتمانية يمكن أن يؤدي إلى تدهور العلاقات الأسرية.
وقالت أبو حمور “تؤثر الديون المتراكمة على توقعات الأدوار داخل الأسرة، حيث قد يضطر الأب إلى تغيير مستوى المعيشة الذي اعتاد توفيره لأبنائه، مثل نقلهم من مدارس خاصة إلى حكومية، مما قد يثير مشاعر سلبية لدى الأبناء تجاه الأب. كما قد تضطر الزوجة أحيانًا إلى المشاركة في سوق العمل لتغطية الاحتياجات الأساسية، مما يؤثر سلبًا على العلاقات الأسرية”.
الضغوط المالية الناتجة عن الديون قد تؤدي أيضًا إلى انسحاب اجتماعي، حيث يضطر الشخص إلى تقليل مشاركته في المناسبات الاجتماعية والهدايا بسبب الالتزامات المالية المتزايدة
وأشارت أبو حمور إلى أن هذه الضغوط تؤثر حتى على رفاهية الأفراد، قائلة: “حتى في أمور الرفاهية الذاتية، مثل الذهاب إلى المطاعم أو التجمعات الاجتماعية، يضطر الأفراد إلى تقليل الإنفاق بسبب تراكم الديون”.
وأكدت أن الطبقتين الوسطى والمتدنية تسعيان إلى تقليد نمط حياة أصحاب الدخول المرتفعة، لكن في النهاية، تتحول المسافة بين الطبقات من عشر خطوات إلى مئة خطوة بسبب تراكم الديون.
كما أوضحت أبو حمور أن البطاقات الائتمانية ساهمت في تعزيز الفجوة بين الفئات الاجتماعية، حيث يسعى أفراد الطبقة المتوسطة إلى محاكاة نمط الحياة الذي يتبعه أصحاب الدخل المرتفع باستخدام البطاقات الائتمانية لتغطية احتياجاتهم. لكن، بسبب محدودية الدخل، يجد هؤلاء أنفسهم غارقين في الديون بدلًا من مواكبة أصحاب الدخول الأعلى، مما يزيد الفجوة بين الطبقات.
فيما يتعلق بتأثير الضغوط المالية المرتبطة بالبطاقات الائتمانية على الصحة النفسية للأفراد، أكدت د. شروق أبو حمور أن هذه الضغوط قد تؤدي إلى زيادة التوتر والقلق والخوف من الالتزامات القانونية.
أبو حمور: الأشخاص الذين يعانون من تراكم الديون يشعرون بالخوف من الفضيحة الاجتماعية أو الدخول في طور اكتئاب بسبب العجز عن سداد الالتزامات المالية المتراكمة
موازنة وتخطيط ..
يُعتبر التخطيط المالي والوعي بالتكاليف محور أساسي للاستفادة من البطاقات الائتمانية دون المخاطرة بأزمات مالية، مع الحفاظ على تصنيف ائتماني جيد وتجنب التحديات المالية المستقبلية.
كما ان الأفراد الذين يوازنون بين الاستفادة من مرونة البطاقات والالتزام بسداد المستحقات يتجنبون فخ الديون، أما إساءة استخدامها فتحولها إلى عبء مالي.