نخبة بوست – كتب : الكاتب والمحلل السياسي هزاع البراري
يؤكد إقدام إسرائيل على تصفية السنوار بعد أشهر طويلة من الملاحقة ومحاولة تتبع تحركاته، أنه لا يأتي صدفة أو فعلاً غير مقصود، بل هو هدف رئيسي كبير معلن لإسرائيل، التي سعت منذ عقود لاستهداف قادة حركة حماس داخل غزة وخارجها في عمليات تسارعت وتيرتها منذ عملية السابع من أكتوبر، التي تُعَدّ عملية السنوار الكبيرة. وكأن إسرائيل لا تحاول فقط إجهاض هذه العملية النوعية، وإنما الإجهاز على مطلقها والقضاء على قائدها في إطار إضعاف حماس عسكريًا ومعنويًا، ومحاولة إرباك بنيتها الإدارية وتشكيلاتها القتالية من خلال إبقائها بلا رأس فاعل، خاصة بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران، واليوم اغتيال السنوار داخل غزة.
لا شك أن الضربة موجعة جدًا في توقيت قاتل. فالسنوار ليس مجرد قائد عسكري ذكي وصلب إلى درجة العناد؛ بل تحول إلى رمز للقوة والقدرة على الصمود والصبر والجدار العالي في أحلك الظروف وأكثرها قسوة، عسكريًا وإنسانيًا، وسط تدمير كامل لكل عناصر الحياة في غزة.
وهذا يؤكد أن العملية ليست صدفة بل هي في سياقها الإسرائيلي لتصفية قيادة حماس وحزب الله وإيران؛ لكن من الواضح أن التحقق من مقتله احتاج وقتًا لإنجاز الفحوصات الطبية التأكيدية اللازمة، إذ ليس من عادة الجيش الإسرائيلي الاهتمام بجثث عملياته الحربية وتفحصها، لكن أخذ الصور ثم أخذ عينات من الجثة يؤكد أن العملية تأتي ضمن مخطط مسبق لملاحقة وتصفية آخر قلاع حماس المعروفة لدى الناس، وصاحب الحضور العسكري والمعنوي الكبير. وهذا سيترك حماس الداخل دون رأس قادر على ملء الفراغ وإيجاد مخرج مقبول، بينما الحرب على غزة تأخذ مرحلة بالغة الخطورة. خروج السنوار من المعادلة يفتح الباب على المجهول في مواجهة احتمالات لا يمكن التيقن منها بسهولة في القريب العاجل.
نعم، تستطيع حماس تسمية قائد جديد، لكن علينا أن ندرك أن عددًا من قادتها الميدانيين استشهدوا في ظل خفوت أصوات قادة سياسيين في الداخل. ويبقى خالد مشعل خيارًا مطروحًا، لكنه ليس عمليًا، ولا أعتقد أنه هو نفسه يرغب بقيادة حماس في هذا الظرف التاريخي الصعب بالنسبة لحماس. إلا أن جاء هذا الاختيار، أو ما يشبهه، ضمن اتفاق إقليمي يضمن وقف الحرب بشروط جديدة تمهد الطريق لخروج حماس من معادلة حكم غزة، وهو طرح يتردد، لكن تطورات الأيام القليلة القادمة ستكشف كثيرًا مما نحتاج إلى معرفته.