نخبة بوست – أماني الخماش

في تطورات عسكرية ملحوظة، صعّدت إسرائيل من شدة الحصار على غزة، لا سيما في شمال القطاع من خلال القصف والتجويع ومنع الإمدادات، وهو ما اعتبره المحللون بداية تنفيذ “خطة الجنرالات”.

ووفقًا لما نشره الإعلام الإسرائيلي، فإن مصطلح “خطة الجنرالات” يشير إلى خطة عسكرية اقترحها أحد الجنرالات في الجيش الإسرائيلي في أيلول الماضي، وحظيت آنذاك بموافقة الجنرالات والحكومة الإسرائيلية حيث تهدف هذه الخطة إلى فصل شمال القطاع عن باقي مناطق غزة.

مخططات استيطانية واسعة

وبالبحث في تداعيات الخطة، تبيّن – بحسب ما تم إعلانه في الإعلام الإسرائيلي – أن الهدف الرئيسي هو إجبار سكان شمال القطاع على النزوح من خلال منع دخول المواد الإغاثية ورفع وتيرة العمليات العسكرية عبر القصف المستمر؛ بذلك، تصبح منطقة شمال القطاع منطقة عازلة خاضعة للسيطرة الإسرائيلية.

"خطة الجنرالات"؛ هل تنجح في تغيير معادلة غزة !؟
خريطة شمال غزة

وبعد وقت قصير من الموافقة على الخطة، عُقد مؤتمر إسرائيلي تحت عنوان “الاستعداد لإعادة استيطان غزة”، تناول سيناريوهات استيطانية تشمل كامل القطاع، جاء ذلك برعاية وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، اللذان يُعدّان من أكثر الوزراء تطرفًا في حكومة نتنياهو.

في ظل هذه التطورات، تقام ورش عمل عدة في المناطق المحاذية لغزة، تحاكي آلية بناء المستوطنات في المواقع المطلة على محور نتساريم، دون الحصول على موافقة رسمية من الحكومة، وفي ضوء ذلك، تم بناء عشرات الأكواخ خلال عطلة “عيد العرش” في حقل يبعد مئات الأمتار عن الحدود مع غزة.

ولتسليط الضوء عن كثب على هذا الموضوع؛ استطلعت “نخبة بوست” آراء عدد من الخبراء والمحللين السياسيين حول “خطة الجنرالات” وماهي أهدافها وفرص نجاحها !؟

أبو نوار: الإسرائيليون يتبعون استراتيجية “حلقة الموت

في تحليل لهذه الخطة، قال الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء المتقاعد مأمون أبو نوار إن “خطة الجنرالات” مقتبسة من النموذج الأمريكي، ويعمل الإسرائيليون على ترجمتها على أرض الواقع. وأوضح أن المصطلح الصحيح لهذه الخطة هو “الناصحون” وليس “الجنرالات“.

وأشار إلى أن العديد من الجنرالات في القيادة العسكرية يُشرفون على إعداد الخطة بالتعاون مع قيادة الجيش والمختصين، مؤكداً أنها خطة عسكرية للدولة وليست خاصة بالجنرالات فقط.

وبيّن أبو نوار أنه في المرحلة الأخيرة من إعداد الخطط، يأتي الناصحون من الجنرالات العسكريين المتقاعدين لمناقشتها والاتفاق عليها. وأوضح أن الخطة تهدف للسيطرة على كامل قطاع غزة، وليس فقط شماله.

وعن إمكانية نجاح هذه الخطة، أشار أبو نوار إلى أنها تحتاج إلى وقت لتحقيق نتائجها، خاصة وأن الوضع في شمال غزة معقد، حيث يواجه السكان هناك صعوبات كبيرة في التحمل.

وأضاف أن الإسرائيليين يتبعون استراتيجية “حلقة الموت”، حيث يكثفون القصف في الشمال لتهجير سكانه إلى الجنوب الشرقي.

أبو نوار: الحرب مليئة بالضباب، ومن الصعب التكهن بما سيحدث، لكن عندما يحاصر الإسرائيليون جباليا بهذه الطريقة، بالتزامن مع قصف سلاح الجو، سيواجه سكان غزة خيارين: إما الهجرة أو الموت

وفيما يتعلق بانسحاب إسرائيل من غزة، أوضح أبو نوار أن إسرائيل تتمسك بغزة ومحور نتساريم للسيطرة عليها عسكرياً، وتحويلها إلى منطقة عسكرية عازلة خالية من السكان.

وأضاف: “إسرائيل تعمل على نقل سيناريو الاستيطان في الضفة الغربية لتطبيقه في غزة”.

وفيما يتعلق بعملية وقف إطلاق النار، أشار أبو نوار إلى أنها عملية هشة ويشوبها الغموض، وهي ليست الحل الأمثل لفض النزاعات.

وأكد ضرورة صدور قرار رسمي من هيئة الأمم المتحدة بإرسال قوات حفظ السلام للإشراف على الممرات الإنسانية وعلى عملية تبادل الأسرى.

كما شدد على أهمية تدخل الدول العربية بشكل إنساني لوقف المجازر والمذابح، ودعا إلى التوجه إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للمطالبة بفتح ممرات إنسانية تخضع لإشراف هذه المنظمات.

الرداد: توقيت الخطة يعكس فشلاً إسرائيلياً

على صعيد متصل، قال خبير الأمن الاستراتيجي د. عمر الرداد إن “خطة الجنرالات” هي خطة عسكرية اقترحتها مجموعة من الجنرالات برئاسة الجنرال “آيلاند“، الذي سبق أن أعد خطة الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 وخطة شارون للانسحاب من غزة.

 الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي للإحتلال الإسرائيلي الجنرال غيورا آيلاند

الرداد: جوهر الخطة يهدف إلى تهجير سكان شمال قطاع غزة عبر حصار كامل، مصحوب بمنع دخول المساعدات الإنسانية، وإجبار السكان والمقاومة على الاختيار بين الموت أو الاستسلام، مع التعامل مع كل من يرفض النزوح باعتباره من المقاومين

وعن مدى قدرة إسرائيل على تحقيق أهداف الخطة، أوضح الرداد أن النجاح ليس واضحاً حتى الآن، لكن المؤشرات الأولية تدل على أنه تم البدء بتنفيذها.

وأشار إلى تفاقم معاناة أكثر من 300 ألف غزاوي في شمال القطاع، سواء ممن رفضوا الانصياع لأوامر النزوح أو الذين استجابوا لها، حيث لا يزالون جميعاً تحت القصف.

وأضاف قائلاً: “توقيت تنفيذ هذه الخطة جاء بهدف حسم المعارك من وجهة نظر إسرائيل، بما يحقق هدفي الحرب، وهما القضاء على حماس والتهجير“.

ولفت الرداد إلى أن توقيت الخطة يعكس فشل الخطط العسكرية السابقة، بعد دخول القوات الإسرائيلية وخروجها من شمال القطاع مرات عديدة.

طلب: “ثالوث قاتل” يحاصر سكان شمال القطاع

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي رجا طلب إن “خطة الجنرالات” تتكون من ثلاث مراحل: المرحلة الأولى تهدف إلى تفريغ شمال قطاع غزة بالكامل من سكانه، وطردهم باتجاه وسط وجنوب القطاع، أما المرحلة الثانية، فتقوم على هدم جميع المباني التي لا تزال قائمة، وقد يستغرق ذلك وقتاً طويلاً.

وأشار طلب إلى أن المرحلة الثالثة من الخطة تهدف إلى إقامة مستوطنات في شمال القطاع وخلق جدار بشري وتحصينات أمنية، لتكون بمثابة منطقة عازلة تمنع المقاومة من تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر؛ إلا أن طلب اعتبر هذا التصور غير صحيح من الناحية التكتيكية، مشيراً إلى أن المستوطنات الموجودة في محيط غزة لم تتمكن من ردع المقاومة عن تنفيذ عملية “طوفان الأقصى” التي حققت نجاحاً.

بعض من المستوطنات في الضفة الغربية.. تجمعات إسرائيلية تقضم أراضي الفلسطينيين

وقال: “القصد من بناء المستوطنات هو تطبيق الرؤية التوراتية، حيث يُعتبر قطاع غزة وسيناء مناطق مقدسة وفقاً للتوراة”.

وعن مدى نجاح هذه الخطة، أوضح طلب أن نجاحها مرتبط بنقطتين: الأولى تتعلق بقدرة سكان الشمال على الصمود في مواجهة “ثالوث قاتل” (الحرب، التجويع، القصف)؛ وفي ظل هذا الوضع، من الصعب تقدير مدى قدرة السكان على تحمل هذا الثالوث.

أما النقطة الثانية فتحمل بُعدين: الأول هو قدرة المقاومة على مواجهة وإفشال الخطة بشكل مستمر، بحيث يبقى الإسرائيليون عاجزين عن تنفيذ أي مرحلة منها. أما البعد الثاني، فهو موقف المجتمع الدولي ومدى قدرته على منع وقوع هذه الكارثة، حيث يُتوقع أن يستشهد أكثر من نصف سكان شمال القطاع البالغ عددهم 300 ألف في حال تم تنفيذ الخطة.

وأضاف طلب: “الخطة ستظل عرضة للفشل، وهذا يعتمد على استمرار المقاومة في تكبيد القوات الإسرائيلية خسائر فادحة”.

طلب: نتنياهو يعتبر أن مهمته في غزة قد انتهت بعد اغتيال يحيى السنوار، ويسعى الآن للتأسيس للمرحلة القادمة؛ وعلى الرغم من عدم إعلانه عن ذلك بشكل مباشر، فإنه يعمل وفق ترتيبات أمنية تهدف إلى تغيير شكل القطاع على عدة أصعدة، بما في ذلك الديموغرافي والأمني والجغرافي، من خلال عزل مناطق وتوسيع أخرى باتجاه سيناء

واختم طلب حديثه قائلاً: “نتنياهو يعيش في حالة من الغرور والوهم، ويريد القفز عن حقائق الميدان لتحقيق ما يحلم به من انتصار كامل أو الاقتراب من هذه الصورة”.

تصعيد عسكري ومشهد إنساني صعب

في ظل العناوين العريضة التي نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية، والتي تتحدث عن مخطط استيطاني كبير يستهدف قطاع غزة، يبقى الباب مفتوحاً أمام تساؤلات عديدة حول مدى قدرة المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية على فتح ممرات إنسانية لإنقاذ سكان شمال القطاع والقطاع بأكمله، وكذلك حول قدرة هذه الجهات على إلزام إسرائيل بخفض تصعيدها العسكري والوصول إلى اتفاق يؤدي إلى وقف إطلاق النار.

وفي ضوء معطيات المشهد العسكري والإنساني في شمال قطاع غزة، تبقى مسألة نجاح “خطة الجنرالات” مرهونة بمدى قدرة سكان شمال القطاع على الصمود وسط حصار محكم تفرضه القوات الإسرائيلية، إضافة إلى قدرة حركة حماس على تصعيد أعمالها العسكرية لدعم سكان الشمال والحد من تنفيذ الخطة بكامل مراحلها.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version