نخبة بوست – شذى العودات
تشهد المنطقة تحركات إقليمية لقراءة الوضع اللبناني في ظل تداعيات الحرب، تتضمن زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال اللُّبناني نجيب ميقاتي إلى الأردن وزيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى سوريا، إلى جانب تحركات أخرى معلنة وغير معلنة؛ كما يشير تفويض عربي للأردن لمتابعة الحالة اللبنانية إلى اهتمام إقليمي مكثف بمصير لبنان بعد الحرب، خاصة مع الحديث المتزايد حول مصير حزب الله واغتيال معظم قياداته.
وفي هذا السياق، يطرح السؤال حول مستقبل لبنان: هل تتجه البلاد نحو تسوية شاملة تنهي أزماتها الاقتصادية التي سبقت الحرب، إلى جانب معالجة القضايا الأمنية والسياسية، وتثمر عن انتخاب رئيس توافقي للدولة؟ أم أن لبنان سيستمر في دوامة الأزمات كما كان قبل اندلاع الحرب؟ هذه الأسئلة تفتح ملف الدور الأردني اليوم، والتحركات الإقليمية المتسارعة في المنطقة، التي نستعرضها ونحللها بناءً على آراء الخبراء.
الرداد: النشاط الأردني الدؤوب منذ السابع من أكتوبر دعمٌ واضح وفعّال للبنان
وفي هذا الصدد، قال الخبير الاستراتيجي د. عمر الرداد، في تصريح خاص لـ”نخبة بوست”، إن النشاط الأردني الدؤوب منذ السابع من أكتوبر كان واضحًا وفعّالًا، وجاء ضمن خطوط عريضة تشمل المطالبة بوقف إطلاق النار، والسماح بإدخال المواد الإغاثية، وإدانة ما وصفه بجرائم إسرائيل في غزة والضفة الغربية.
وأكد الرداد على وجود علاقة خاصة تربط عمان بالقيادات اللبنانية، وقد تُرجمت هذه العلاقة إلى زيارات متبادلة تمثلت بزيارة وزير الخارجية الأردني إلى بيروت، ثم زيارة رئيس الحكومة اللبنانية إلى الأردن، وزيارة قائد الجيش اللبناني الذي التقى بنظيره الأردني.
وأوضح أن هناك فرصة اليوم لإنقاذ لبنان، بما في ذلك تطبيق قرارات مجلس الأمن، وتشكيل حكومة دائمة، وانتخاب رئيس للجمهورية، مشيرًا إلى أن لبنان يعاني منذ وقت طويل، وقبل السابع من أكتوبر، من أزمات سياسية واقتصادية حادة.
وبيّن الرداد أنه ليس أمام لبنان خيار إلا إنهاء حالة الانقسام التي يعيشها؛ بما في ذلك إنهاء حالة الاستقواء على الدولة من قبل جماعات تتبنى سياسات الدويلة داخل الدولة، معتبرًا أن لبنان اليوم يحظى بدعم واهتمام دولي وإقليمي لإنقاذه من أزماته.
وأعرب عن اعتقاده أن الأوان قد حان لحزب الله أن يدرك، في ظل المواقف الإيرانية؛ أن حاضنته يجب أن تكون المواطنة وليس “الانتماء المذهبي”، وهو ما يتطلب أن يكون جزءًا فعّالًا من الدولة لا كيانًا موازيًا لها.
واختتم الرداد بأن ثلاثية الدولة والمقاومة والشعب، ربما لم تعد تحظى بمشروعية في ظل الأزمات المتفاقمة في لبنان، داعيًا إلى ضرورة مراجعة الحزب لدوره في هذا السياق.
الماضي: لبنان على أعتاب تغيرات جذرية؛ بفضل التفويض الأردني
وفي نفس السياق، أشار أستاذ العلوم السياسية د. بدر الماضي ، في تصريح خاص لـ”نخبة بوست”،إلى أن التحركات الإقليمية الحالية تحمل بُعدين أساسيين: الأول أن حزب الله لن يتمكن من إعادة إنتاج نفسه كقوة مهيمنة في لبنان كما كان قبل الحرب.
وأضاف أن البعد الآخر يتعلق بإيران، حيث يُعتقد أنها لن تتخلى عن نفوذها في المنطقة الذي مارسته باحتراف عبر حزب الله لسنوات عديدة.
وقال الماضي بأنه وفي ظل هذه السيناريوهات، تبرز التحركات الأردنية والإقليمية بوصفها محورية، إذ يشار إلى أن الأردن يقود مبادرة بتفويض عربي ودولي، وبموافقة ضمنية من إيران، لوضع تصور شامل لمستقبل لبنان بعد الحرب.
وبيّن أن كل المؤشرات تدل على أن لبنان مقبل على تغير كبير؛ إما أن يصبح حزب الله شريكًا متساويًا مع جميع الأطراف السياسية في لبنان، أو أن تتعقد الأمور لدرجة قد تؤدي إلى حرب أهلية، بسبب اعتقاد الحزب بامتلاكه قوة فائضة تتيح له فرض سيطرته على جميع المناطق اللبنانية تحت مسمى المقاومة أو تحقيق النصر، وهو مفهوم يختلف في معناه الأيديولوجي عن التعريفات العملية والواقع على الأرض.
وأكد على أن الدول العربية ينبغي أن تكون شريكة في اتخاذ القرارات، وأن تجلس على طاولة المفاوضات خشية أن تُفرض عليها مشاريع وخطط تهدد سيادتها وأمنها من قبل دولة الاحتلال.
كما اختتم الماضي تصريحاته بأن هذه الرسالة وصلت إلى الجانب السوري بوضوح؛ من خلال زيارة وزير الخارجية أيمن الصفدي إلى سوريا، ولقاءات القيادة الأردنية مع القيادات اللبنانية، التي تتطلع إلى إيجاد حلول عبر البوابة الأردنية.
هل يقود الدور الأردني لبنان نحو تسوية تاريخية تنهي الأزمات وتستعيد الاستقرار؟
يواجه لبنان مفترق طرق تاريخي في ظل تصاعد التحركات الإقليمية والدور الأردني البارز، الذي بات يشكل بارقة أمل في تحقيق استقرار دائم لهذا البلد المأزوم.
فالجهود الأردنية التي تتسم بالاستمرارية والدعم الدولي تعكس التزامًا حقيقيًا بإنقاذ لبنان من دوامة الأزمات المتعاقبة، عبر السعي إلى تسوية شاملة تحترم سيادة لبنان وتؤسس لمستقبل يعزز تماسك دولته ويوازن بين جميع الأطراف؛ إلا أن نجاح هذه التحركات يتطلب توافقًا داخليًا وإقليميًا متينًا، يُمكّن لبنان من تجاوز الانقسامات التي تقوض استقراره، ويضع حداً للعوامل التي تضعف الدولة.
والفرصة الآن بيد اللبنانيين للاستفادة من هذا الدعم وبناء نموذج سياسي قادر على مواجهة التحديات وتحقيق استقرار يليق بتطلعاتهم ويعيد للبنان مكانته الإقليمية كدولة آمنة ومستقرة.