نخبة بوست – بقلم د. محمد العزة
أحداث وبيانات وحراك تتدفق من قلب الساحة الأردنية، تحمل في طياتها رسائل عدة، أهمها قادمة من تنظيم جماعة الإخوان وليس حزبها السياسي، تؤكد على حسم خياراتها حول نمط سلوكها ونهج أدائها السياسي السادي أحادي البعد ومنظور عملها على الساحة الأردنية، متكئين على وجهة نظر صحيحة، أننا اليوم في الأردن نعيش مرحلة متقدمة من التحديث السياسي وحرية الأداء الديمقراطي، والانفتاح على العمل الحزبي، لكن بدون الأخذ بعين الاعتبار ضوابط ومرجعية وسقف وقوانين ذلك القرار، القرار الذي شاركت فيه جميع القوى السياسية الأردنية من على المسطرة الحزبية والشعبية كحالة تعددية تحت مظلة لجنة ملكية هم جزء منها، في دلالة وإشارة لرفض الدولة الأردنية لسياسة الإقصاء أو الإملاء من الخارج كما يدعي أنصار هذا التنظيم لتعرض الأردن لضغوطات للتخلص أو تضييق الساحة عليه ومنه، بالرغم من أن الفرصة سنحت ولأسباب مشروعة في فترة الربيع العربي الأسود، كإجراء جاء إزاء ممارسات وشعارات تجاوزت وخالفت نهج وثقافة الدولة الأردنية السياسية والمجتمعية.
وهذه الأيام، بالرغم من جملة النصائح التي وصلت لهم عبر حوار مباشر مع قيادتهم، منها:
1. سلوك الإخوان في الملكيات ليس كما في الجمهوريات.
2. الدعوة لحوار سياسي وطني.
3. الاستدارة للملفات الداخلية ودعم المواقف السياسية الأردنية بما يخص الملفات الخارجية والقضية الفلسطينية.
4. الابتعاد عن لغة التجييش والتحشيد ومفردات العسكرة ومحاولات توظيفها وفرضها للوصاية على صدارة ساحة الحركة الشعبية.
5. الإسهام والمشاركة في بناء مشروع وطني أردني، يكون نواة بنيان للأردن الأقوى في غمرة تعقيدات تعدد المشاريع الإقليمية والدولية التي تحاك وتحيط بالأردن من مختلف جهاته، كل منها يتبع جهته وخليفته، تهدد أمنه وسيادته وتحاول انتزاع ملف قضيته المركزية، القضية الفلسطينية، من عهدته ووصايته الهاشمية على المقدسات، والتشكيك بمواقفه الوطنية التي كانت الأقرب والأصلب والأقوى ديبلوماسيا وإغاثيا ولوجستيا ودفاعًا من على المنابر الأممية وعبر وسائل الإعلام الأمريكية والغربية، حيث تشكلت حالة رأي عام لدى مواطني هذه الدول (الداعمة للثكنة العسكرية الإسرائيلية) صنعت مساندة للقضية الفلسطينية هي الأعلى في نسب التأييد للقضية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.
كل هذا يحتاج إلى قدرة على إقامة العلاقات والتوازنات التي تلبي توفير القدرة على التعامل مع الوضع الراهن ومشاريعه، لكن يطل علينا أعضاء وكوادر وأنصار هذا التنظيم بمقال في صحيفة الرأي اليوم بعنوان “كيف يتحالف خصوم الإسلام السياسي في عمان والرياض وأبو ظبي معا”، يتبعه خطاب جماهيري مطالبًا بتسليح الجماهير في محاكاة عنوانها “اليمين الديني الأردني يواجه اليمين الديني الصهيوني”، محاكاة تعكس جهلًا وعشوائية انفعالية في رد الفعل بعيدًا عن حسابات الواقع السياسي واستراتيجية النهج الديبلوماسي الأردني.
تزامن رفع وتيرة الخطاب مع تصريحات من الخارج تشكك بالدور الأردني، الأمر الذي يخلق حالة شرخ في الشارع الأردني وفتق في جدار الثقة ما بين الشارع والمؤسسة الوطنية، نخشى أن تتحول إلى حالة مرضية تصيب أساس اللاوعي للمواطن الأردني تدفعه نحو خطاب التخوين والاتهام، وإشعال نار الاضطراب في الرأي العام والانقسام الواقع تحت تأثير العاطفة الدينية تجاه الأحداث، وهنا يضعف تماسك الجبهة الداخلية الشعبية والسياسية.
إذا أردت أن تتفوق على عدوك عليك أن تتعلم منه وتحيط بعلومه وأخباره وأحواله وسلوكه السياسي والسوسيولوجي الاجتماعي، واختراق نقاط الإجماع لديه وتعظيم نقاط الخلاف عنده ودراسة حاجاته الأساسية والثانوية.
نحن لا نملك ولا أي مركز دراسات للآخر إلا قليل، لكن في ما يخصنا حدث ولا حرج، نعرف التفاصيل وننطق الأحكام وتُنشر النتائج لتظهر أننا نجهل أنفسنا: من نحن؟ ماذا نريد؟ وأين نريد أن نكون؟ وماذا علينا أن نفعل لنكون ما نريد؟
حوارنا مصاب بالمحرمات والخجل، والدليل الجدلية وحالة إطلاق الأوصاف والتهم العشوائية التي نعاني منها، والتي جعلتنا نعاني من ضعف في الثقة بالنفس وعدم القدرة على تقصي مصادر المعلومة والانصياع لأول خبر أو كلمة تصدر بحق شخص ونبني عليها الأحكام والاستنتاج.
خطان متعاكسان في الاتجاه لكن بنفس الأهداف ضد كل طرف، والكل يعلم أن نتائج هذا اليمين الديني المتطرف الصهيوني ستكون سببًا في نهاية كارثية على مجتمعه، وهذا ما يبرر علو أصوات معارضيه والعمل على إسقاطه، وخاصة أنهم يعلمون أن إسقاطه وسقوطه هو مسألة وقت، يعتمد على رفع الغطاء عنه من القوى الداعمة له بعد انتهاء مهمته ووظيفته.
فتح حوار وطني ودعوة القوى السياسية له، قابله أنصار التنظيم بالمقال أعلاه بالتزامن مع الدعوة للتسليح، فهذه إشارة إلى رغبة في العسكرة أو دمج العمل السياسي والعسكري في ظل سياق خطاب سياسي، لا يجد تفسيرًا سوى مزيد من الضغط على الدولة، باستخدام الخطاب الديني وتأجيج الشعور العاطفي.
في ظل الإصرار قد تحدث مراجعة، تولد قناعة لدى المواطن الأردني الذي أصابه الملل والانفصال نتيجة مناورات تحريم المهرجانات تارة ومن صخب أفراح احتفاليات فعالياتهم تارة أخرى، وارتباك الخطابات وصياغتها والتخلي عن مسؤولية ما يتبنونه ليلاً إن خالف مصلحتهم نهارًا، قناعة بأن الأمور صارت واضحة، يعززها عدم قدرة قيادات الحركة على التنسيق مع جهات التصريح والعمل السياسي الرسمي الحزبي وما بين أفرادها أو/و أنصارها. لذا قد يأتي الطرح من الشارع بأن غاية الحكم هي المصلحة العامة، التي قد تذهب لخيارات تقييد حركة هذا التنظيم من ممارسة العمل السياسي والاكتفاء بالعمل الدعوي والخيري، وخاصة بوجود حزب جبهة العمل الإسلامي الممثل له وواجهته السياسية، وهذا ينطبق على باقي الأحزاب التي تدين في نهجها بالتبعية لتنظيمات خارجية.
برغم الساحة المفتوحة والمساحة الممنوحة والقدرة على إبداء قدرة في صياغة خطاب لبعث رسالة إلى الثكنة العسكرية الصهيونية بأن قوام جبهة القوى السياسية متماسك وموجه ضدها، إلا أن أثر ما يحدث هو العكس بشكل مباشر أو غير مباشر، وعن دراية أو غير دراية، سامحًا، لا قدر الله، بإحداث خرق لسفينة الدولة ولجدار الوطن، الذي لن نسمح به ليظل سندًا لأبنائه وسدًا ضد أعدائه، ليبقى عزيزًا كريمًا آمنًا مطمئنًا مستقرًا.