* قبالين: الذكاء الاصطناعي تمكن من تغيير موازين القوى في الحروب، من خلال تسريع العمليات العسكرية وزيادة بدقتها
نخبة بوست – محرر الشؤون السياسية
في ظل العمليات العسكرية والمعارك الدائرة مع الاحتلال الاسرائيلي منذ أكثر من عام في غزة ولبنان، أصبح الذكاء الاصطناعي عنصرًا محوريًا في تتبع واغتيال قادة حركات المقاومة، مما يعزز دور التكنولوجيا المتقدمة في تنفيذ ضربات دقيقة وغير مسبوقة.
هذا التطور يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى اعتماد الجيوش على هذه التكنولوجيا في الحروب المستقبلية، وهل يمثل ذلك تحولًا جذريًا في الأساليب والمفاهيم العسكرية؟
فالطريقة التي استُهدِف بها قائد حماس الشهيد يحيى السنوار، عبر تصويره بواسطة طائرة مسيّرة، تؤكد أن الحروب تتجه نحو الاعتماد الكامل على التكنولوجيا مع تقليص الدور البشري.
هذا التوجه يعكس تحولًا جذريًا في طبيعة الحروب، حيث سيصبح العامل البشري أقل تأثيرًا مع مرور الوقت، كما أن الحرب المستقبلية قد تشهد استبدال الجنود بالآلات المسيّرة التي يمكنها تنفيذ المهام العسكرية نيابة عن البشر.
التفوق التكنولوجي هو العامل الحاسم في أي مواجهة
تعتمد الحروب التقليدية على إنزال خسائر بشرية فادحة بالعدو والتي بدأت تفقد فعاليتها مع الزمن، وفي المقابل، سيكون التفوق التكنولوجي هو العامل الحاسم في أي مواجهة؛ فبفضل التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، أصبح بإمكان القوات العسكرية إرسال آلاف الآلات المزودة بقوة تدميرية هائلة دون تعريض الجنود للخطر.
إلى جانب ذلك، فإن الخسائر المالية الناتجة عن الحرب بالآلات قد تكون أكثر تأثيرًا مقارنة بالخسائر البشرية؛ ومع تفوق تكنولوجي لطرف على آخر، يمكن أن تتحول المعركة لصالحه بسهولة، وهو ما يجعل من الضروري أن تكون الأنظمة العسكرية مستعدة لهذا النوع الجديد من الحروب.
الأمن السيبراني يدخل ساحة المعاركة
بوجه عام؛ لا يقتصر التفوق التكنولوجي على استخدام الذكاء الاصطناعي في ساحة المعركة فحسب، بل يمتد ليشمل جوانب أخرى مثل الأمن السيبراني؛ مع التشديد على أهمية هذا الجانب في أي مواجهة مستقبلية، حيث إنّ الأنظمة الإلكترونية مثل الهواتف والكاميرات وأجهزة التلفاز قد تصبح أهدافًا سهلة للاختراق.
قد يعتبر البعض أن مراقبة عدد هائل من الأجهزة في وقت واحد أمرًا مستحيلًا، لكن مع التطورات الحديثة في الذكاء الاصطناعي، أصبح من الممكن مراقبة مئات الآلاف من الأشخاص في وقت واحد.
قبالين: الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً محورياً في الحروب الحديثة
وفي هذا السياق، أوضح خبير الأمن السيبراني المهندس مجدي قبالين، في تصريح خاص لـ “نخبة بوست”، أن الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً محورياً في الحروب الحديثة، حيث يُستخدم بطرق متقدمة، منها التحليل الذكي للبيانات الضخمة (Big Data Analytics) الذي يتيح إمكانية معالجة كميات هائلة من المعلومات بسرعة فائقة، مما يساعد القادة العسكريين على اتخاذ قرارات استراتيجية دقيقة؛ كما يسهم في تحديد مواقع العدو والتنبؤ بحركاته لتقدير حجم المخاطر المحتملة.
وأشار قبالين إلى أن الذكاء الاصطناعي يتيح للمركبات الذكية (Autonomous Vehicles) والطائرات بدون طيار (Drones) والروبوتات القتالية (Combat Robots) تنفيذ مهام معقدة دون الحاجة لتدخل بشري مباشر، قائلاً “يمكن استخدام المركبات الذكية في مهام مثل المراقبة والاستطلاع والهجمات الجوية دون تعريض حياة الجنود للخطر”.
وفيما يتعلق بالحروب السيبرانية (Cyber Warfare)بين قبالين أن الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً حيوياً في هذا المجال، حيث تُستخدم الأدوات المعتمدة عليه لحماية الأنظمة العسكرية من الهجمات الإلكترونية (Cyber Attacks) وتنفيذ هجمات إلكترونية مضادة (Counter Cyber Attacks).
وأضاف “نظام الدفاع الذاتي (Autonomous Defense Systems) قادر على كشف وصد أي هجوم بشكل تلقائي وبسرعة تفوق الاستجابة البشرية”.
وبحسب قبالين تمكن الذكاء الاصطناعي من تغيير موازين القوى في الحروب، من خلال تسريع العمليات العسكرية وزيادة دقتها؛ ومع وجود الخوارزميات الذكية (Smart Algorithms)، أصبح اتخاذ القرار أسرع وأسهل؛ فالقرار الذي كان يستغرق ساعات أو أيامًا لاتخاذه أصبح الآن لا يحتاج إلا لثوانٍ معدودة.
كما يقلل الذكاء الاصطناعي من المخاطر التي تهدد حياة الجنود من خلال تنفيذ المهام الخطيرة باستخدام الروبوتات والطائرات بدون طيار، مما يجعل العمليات العسكرية أكثر أماناً من حيث الحفاظ على القوى البشرية.
وأضاف قبالين أن المحاكاة الذكية (Simulations) وميزة الواقع المعزز (Augmented Reality) تمنح الجنود فرصة التدريب على سيناريوهات معقدة دون الحاجة للتواجد في الميدان.
وعن مخاطر استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب، لفت قبالين إلى أن هذا الاستخدام يزيد من تعقيد الحروب، حيث أن الدول التي تمتلك هذه التكنولوجيا تتمتع بتفوق عسكري هائل وقدرة على تنفيذ الهجمات بذكاء (Military AI Arms Race)، مما يعزز من فكرة السباق التكنولوجي العسكري بين الدول.
وأشار أيضًا إلى أن وقوع هذه التكنولوجيا في أيدي الجماعات الإرهابية سيضاعف من مخاطر الذكاء الاصطناعي، حيث ستقل حواجز دخول الحرب، وسيصبح بإمكان أي شخص لديه إمكانية الوصول إلى الذكاء الاصطناعي المتقدم تنفيذ هجمات مدمرة دون الحاجة إلى معرفة عميقة بهذه التقنيات.
الذكاء الاصطناعي فرصة وليس طفرة ..
الذكاء الاصطناعي ليس مجرد طفرة تكنولوجية، بل هو فرصة نادرة للدول والمجتمعات لتكون رائدة في المستقبل.
ومع وجود تطورات هائلة في مجال الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، فإن الدول التي تستثمر في هذا المجال ستكون الأوفر حظًّا في السيطرة على حروب المستقبل وتطوير اقتصاد المعرفة؛ وإذا أردنا مواجهة تحديات المستقبل، علينا أن نبدأ الآن بتدريب الأفراد وتطوير الأنظمة التي تواكب هذه التغييرات الهائلة، حتى نكون مستعدين للمرحلة القادمة.