* الكلالدة : الديمقراطية قد تنتج عنها مشاكل، لكن الحل يكمن في زيادتها لا تقليلها

* أبو رمان: الديمقراطية في مواجهة أزمة عالمية؛ وتطويرها هو السبيل للنجاة

نخبة بوست – شذى العودات

جاءت الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 كواحدة من أكثر المحطات السياسية تأثيراً في العالم، ليس فقط لكونها تُمثل نموذجاً ديمقراطياً يُحتذى به؛ بل لأنها تعكس واقعاً جديداً قد يفرض تساؤلات مهمة حول مستقبل الديمقراطية كنظام.

إذ أسفرت النتائج عن فوز دونالد ترامب، الرئيس السابق، مما أثار جدلاً واسعاً حول فاعلية “ديمقراطية الصناديق” وسط تحديات كبرى كالمال السياسي، ووسائل الإعلام، والأمن السيبراني؛ فهل ما زالت صناديق الاقتراع هي الأداة الأمثل لتحقيق إرادة الشعوب؟ أم أن الديمقراطية اليوم بحاجة إلى نهج جديد يواكب التحديات الحديثة ويضمن مشاركة شاملة وفعالة لوسائل الإعلام؛ لاسيما في ظل قدرة البعض على تسخير وسائل التواصل الاجتماعي ..

مفهوم الديمقراطية.. بين النظرية والتطبيق

الديمقراطية؛ في تعريفها التقليدي، هي نظام حكم يقوم على اختيار الشعب لممثليه بحرية وشفافية عبر صناديق الاقتراع، وتعتمد على مبادئ المساواة، وحرية التعبير، والتداول السلمي للسلطة.

الديمقراطية في الميزان؛ هل ما زالت صناديق الاقتراع تمثّل إرادة الشعوب؟!
صورة تمثل أولى الديمقراطيات في اثينا، حيث كان التصويت محدداً لطبقات بعينها

غير أن التحديات المعاصرة وضعت هذا المفهوم على المحك، إذ بات السؤال حول مدى قدرة الديمقراطيات الحديثة على تحقيق العدالة وتمثيل جميع فئات المجتمع يشغل الباحثين والمتابعين للشأن السياسي.

الانتخابات الأمريكية 2024 تقدم مثالاً حياً على هذه التحديات، حيث تتداخل فيها عوامل عديدة تؤثر في قرارات الناخبين ونتائج الانتخابات

الانتخابات الأمريكية؛ هل هي مؤشر عالمي على صحة الديمقراطية؟

تُعدّ الانتخابات الرئاسية الأمريكية واحدة من المؤشرات البارزة على حالة الديمقراطية، إذ تمتد تداعياتها، بما في ذلك نتائجها، إلى التأثير على السياسة العالمية ومسار العلاقات الدولية.

ومع ذلك، برزت فيها العديد من التحديات التي جعلت البعض يشكك في نزاهة العملية الديمقراطية، وأثارت تساؤلات حول مدى التزام النظام الانتخابي بمبادئ الديمقراطية، خاصة مع تزايد تأثير المال السياسي، وتأثير الإعلام المتحيز، والتحديات التي يفرضها التصويت الإلكتروني.

صورة تجمع الرئيس المنتخب للولايات المتحدة في عام 2024، دونالد ترامب، والرئيس السابق جو بايدن، وذلك خلال مناظرتهما في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2020، التي انتهت بفوز جو بايدن

ومع ظهور هذه التحديات المتعددة، يُطرح السؤال حول مدى فعالية “ديمقراطية الصناديق” التقليدية في تمثيل إرادة الشعوب، إذ يدعو الخبراء إلى التفكير في وسائل جديدة تعزز من مصداقية العملية الديمقراطية وتحقق مشاركة أوسع لتلبية متطلبات الديمقراطيات المعاصرة؛ فمن المقترحات المطروحة هي زيادة الشفافية في تمويل الحملات الانتخابية عبر فرض قيود صارمة على التبرعات ومراقبة مصادر التمويل للحد من تأثير المال السياسي على المرشحين “وبما فيها الإستخدام الأسود للمال في الانتخابات” ، بالإضافة إلى وضع ضوابط للإعلام والقدرة على تسخير وسائل التواصل الاجتماعي لتضمن حيادية التغطية الإعلامية وتحمي الديمقراطية من تأثيرات المعلومات الموجهة والدعاية الإلكترونية.

كذلك، يُوصى بتطوير تقنيات التصويت الإلكتروني لحماية بيانات الناخبين وزيادة أمان الأنظمة الانتخابية، بما يسهم في تعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات الانتخابية ويحقق عدالة وشفافية أكبر في العملية الديمقراطية.

 وفي هذا التقرير نستعرض آراء الخبراء في دراسة تناولتها “نخبة بوست”:

الكلالدة: الديمقراطية في الغرب تختلف؛ والانتخابات الأمريكية مثالٌ لـ “تباين القيم

وفي هذا الصدد، قال عضو مجلس الأعيان والرئيس الأسبق للهيئة المستقلة للانتخاب الدكتور خالد الكلالدة، في تصريح خاص لـ “نخبة بوست”، إن الديمقراطية، من وجهة نظره، كانت الوسيلة الأمثل للوصول إلى التوافق المجتمعي في أي بلد يمتلك هوية وطنية قوية، بغض النظر عن اختلاف الإثنيات والألوان والأديان والمواقع.

واعتبر الكلالدة أن المجتمعات تطورت عبر الزمن للوصول إلى تفاهمات انعكست في قوانين وأنظمة مشتركة احتكمت إليها جميع الأطراف لبناء مجتمع متناغم ومستقر، مشيرًا إلى أنه إذا اختلت إحدى الكلمات في هذا السياق، فإن المعنى يضيع ويحدث خلط.

صورة تعبيرية عن تجمعات بشرية تتشابك في مسيرتها نحو التطور المجتمعي، بحثاً عن أنظمة وقوانين تضمن العدل والاستقرار

كما عبر الكلالدة عن رؤيته لتقسيم المجتمعات، حيث رأى أن المجتمعات لم تتقسم عموديًا بين فئات وطبقات منفصلة، بل أفقيًا، بمعنى وجود فئات متعددة تختلف في أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، من بينها فئة غنية ومتنفذة، وطبقة وسطى من المتعلمين وأصحاب المهن ورجال الأعمال، بالإضافة إلى طبقة ذات دخل محدود أو مردود أقل.

لكل طبقة مصالحها، التي قد تتعارض مع مصالح طبقات أخرى، ومن هنا جاءت ضرورة اللجوء إلى صناديق الاقتراع كوسيلة لتحديد من يتولى القيادة، وصناديق الاقتراع وضعت الجميع على قدم المساواة، سواء كانوا أغنياء أو فقراء

د. خالد الكلالدة

وشدد الكلالدة على أن الديمقراطية كانت بحاجة إلى أشخاص واعين يدركون معناها وأهمية المشاركة فيها، موضحًا أن غياب الوعي لدى الفرد بمصلحته في الديمقراطية قد يجعله غير مهتم بالانتخابات أو غير متقبل للنتائج.

ومع ذلك، رأى أن الديمقراطية بقيت الطريقة الأمثل التي توصل إليها البشر لإدارة المجتمعات حتى الآن، وأن تعزيزها وزيادة الشفافية كانا السبيل الأمثل لحل مشاكلها.

وناقش الكلالدة أيضًا النظام الديمقراطي في الغرب، متخذًا الانتخابات الأمريكية مثالًا، حيث أشار إلى أن القضايا الشخصية، مثل تصرفات المرشحين الفردية، قد اختلفت في تأثيرها وقيمتها في الغرب عن المجتمعات الأخرى.

وأوضح أن هناك تباينًا في معايير القيم بين المجتمعات الغربية والمجتمعات العربية، حيث يتم تقبل أمور معينة في الغرب قد لا تُقبل في المجتمعات العربية، مثل المسائل المتعلقة بالحريات الشخصية.

حملات بعض المرشحين في الغرب ركزت على العدالة الاجتماعية وتوفير السكن والتأمين الصحي ودعم الطبقات المتوسطة، بينما تركزت رؤى معارضة على القيم الاقتصادية المحافظة، مثل إعادة بناء الاقتصاد الأمريكي وحماية سوق العمل المحلي

د. خالد الكلالدة

وأشار إلى أن القوانين والأنظمة يجب أن تكون عاكسة لمصالح جميع الفئات في المجتمع، مؤكدًا أن لكل شخص حق اختيار من يمثل وجهة نظره ويعبر عن مصلحته عبر صناديق الاقتراع.

الديمقراطية لم تكن تضمن حلولًا مثالية وقد تنتج عنها مشاكل، لكن الحل يكمن في زيادة الديمقراطية لا في تقليلها

د. خالد الكلالدة

واختتم الكلالدة حديثه بالتأكيد على أهمية سيادة القانون لتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص بين جميع أفراد المجتمع، موضحًا أن المواطنين متساوون بغض النظر عن خلفياتهم واختلافاتهم الثقافية والاجتماعية، لافتا إلى أن الاحتكام للقانون كان السبيل الوحيد لضمان الاستقرار وتلبية احتياجات المواطنين، مؤكدًا أن حرية الاحتجاج وحق التظاهر والتعبير عن الرأي كانت وسائل أساسية لأي مجتمع ديمقراطي يضمن حقوق جميع مواطنيه.

أبو رمان: أزمة الديمقراطية تتفاقم عالميًا؛ وصعود “الشعبوية” يطرح أسئلة جديدة

من جانبه، أكد أستاذ العلوم السياسية الدكتور محمد أبو رمان ، في تصريح خاص لـ “نخبة بوست”، أن الأسئلة المطروحة حول الديمقراطية هي أسئلة بحثية عميقة تثير نقاشًا بين علماء السياسة.

لا يوجد نموذج ديمقراطي ثابت، بل هناك أنظمة ديمقراطية متعددة تعتمد على مقاييس مختلفة

د. محمد أبو رمان

وأشار إلى وجود مؤشرات عالمية تستخدم لقياس الديمقراطية، مثل مؤشر “فريدم هاوس” ومؤشر آخر لأحد الأكاديميين النرويجيين، وهي مؤشرات تطبق على نطاق عالمي وتدرس في الجامعات الغربية.

مؤشر الحرية العالمي لعام 2024

وأضاف أن الديمقراطية تتأسس على مجموعة من القيم والمبادئ، مثل حقوق الإنسان، حرية التعبير، وتداول السلطة عبر مؤسسات منتخبة، مبينًا أن هذه العناصر تعدّ مؤشرات لقياس مدى نجاح الديمقراطية في أي مجتمع.

وأوضح أبو رمان أن نجاح الديمقراطية يرتبط أيضًا بوجود دولة قوية ومؤسسات سياسية راسخة، وأنه لا توجد تجربة ديمقراطية متطابقة بالكامل مع أخرى، فكل نظام ديمقراطي يتفرد بتفاصيله.

وبيّن أن النقاشات العلمية اليوم حول الديمقراطية تتمحور حول ما يُسمى بأزمة الديمقراطية، حيث يلاحظ وجود شعور عام بتراجع الديمقراطية، ليس فقط في الدول النامية، بل أيضًا في الدول المتقدمة، لا سيما أوروبا وأمريكا الشمالية.

بعض المفكرين، مثل هابرماس، بدأوا بتقديم أفكار جديدة مثل “الديمقراطية التداولية” كوسيلة لتطوير المفاهيم الديمقراطية؛ هذه النقاشات تعكس الحاجة إلى تطوير الديمقراطية بطرق تتناسب مع التغيرات الاجتماعية والسياسية

د. محمد أبو رمان

وأكد أن صعود الحركات الشعبوية حول العالم، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة؛ أسهم في توجيه النقاش نحو تأثير الهوية على الديمقراطية، مذكرًا بآراء المفكرين مثل صامويل هانتنغتون الذي تناول موضوع الهوية من منظور التحديات الديمغرافية التي تواجه الديمقراطية، وفوكوياما الذي عاد بعد صعود ترامب ليكتب عن الهوية كعامل مؤثر في استقرار الديمقراطية.

وأضاف أبو رمان أن هناك مفكرين مثل جون رولز، صاحب كتاب “نظرية العدالة”، يرون أن مفهوم المساواة السياسية يجب أن يترافق مع مفهوم العدالة الاجتماعية ودور الدولة في تحقيقه.

هذه النقاشات تتم ضمن إطار الديمقراطية ذاته، وليس بهدف التخلي عنها أو البحث عن بدائل لأنظمة توتارية أو أوتوقراطية

د. محمد أبو رمان

وقال إن الأدبيات الغربية لا تطرح تساؤلات حول استبدال الديمقراطية ببديل آخر، بل تركز على تطويرها وتعزيز مبادئ تداول السلطة وإيجاد توازن بين السلطة والحرية.

واختتم أبو رمان حديثه بالقول إن الديمقراطية ليست نظامًا ثابتًا، بل هي تطور تاريخي يعكس تراكب المفاهيم والمبادئ التي وصل إليها الفكر السياسي الغربي عبر القرون.

تعدد مفاهيم التحول الديمقراطي وتداخل الأيديولوجيات السياسية في سعي الدول نحو التغيير والإصلاح

وذكر أن الديمقراطية تطورت من خلال تحولات بنيوية، مثل الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية ووثيقة الحقوق العظمى في بريطانيا، مؤكدًا أن الديمقراطية ليست وليدة اللحظة، وإنما هي في تطور مستمر كجزء من الحركة البشرية، ونوه إلى أن ما يواجه الديمقراطية اليوم هو أزمة في العديد من النظم الديمقراطية في العالم، ما يستدعي البحث عن حلول تعزز من قوتها واستمراريتها.

الانتخابات الأمريكية 2024 .. فرصة لإعادة النظر في “ديمقراطية الصناديق”

في ظل هذه الدراسة؛ فتحت الانتخابات الأمريكية 2024 المجال للتفكير في تحديات جديدة تواجه الديمقراطيات الحديثة، وتعيد طرح السؤال عن مدى فعالية ديمقراطية صناديق الاقتراع في تمثيل إرادة الشعوب.

من الانتخابات للرئاسة الأمريكية لعام 2020

ورغم أن النظام الانتخابي القائم يظل ركيزة أساسية في ممارسة الحقوق الديمقراطية؛ إلا أن التغيرات العالمية والتقدم التكنولوجي يفرضان على الديمقراطيات أن تواكب هذه التطورات وتبحث عن أساليب تعزز من نزاهة وشفافية العملية الانتخابية وتجعلها أكثر شمولية وعدالة.

فالمجتمعات تطورت عبر الزمن للوصول إلى تفاهمات انعكست في قوانين وأنظمة مشتركة احتكمت إليها جميع الأطراف لبناء مجتمع متناغم ومستقر؛ وبالتالي في حالة اختلت إحدى الكلمات في هذا السياق، فإن المعنى يضيع ويحدث خلط.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version