* من المرجح أن ترمب2 سيكون مختلفاً عن ترمب1 وسوف يرغب أن يترك أثراً طويلاً إن لم يكن دائماً في العالم
* لن تتغير الجغرافيا في أي اتجاه، لكن معناها ومحتواها سوف يكونان مختلفين اختلافا كبيراً
* في الأردن وفلسطين نواجه تهديداً لحلمنا القدري في التحرر ودولة فلسطينية مستقلة، يكفينا من وجهة نظر “مأمور التسوية العالمي” سلام وتوقف الحرب
* العقيدة الحاكمة للمواقف الأمريكية في الإقليم لم تتغير كثيرا، ولم تكن لصالح العدالة الدولية وحقوق ومطالب وتطلعات الأمم في أفريقيا وغرب آسيا
* بمقدور إيران أن تنجو حتى بمفاعلها النووي مقابل تغيير سياساتها؛ التخلي عن الجماعات التابعة لها، وأن تتحول منظومة الممانعة إلى حليفة للولايات المتحدة الأمريكية
* قد تتخلى إيران عن الجماعات والميليشيات، لكنها تريد حماية علاقاتها ومصالحها في أفغانستان والخليج والعراق ودون أن تتخلى عن مشروعها النووي
* أول ما يجب إدراكه أن مصالح العرب لم تعد موحدة، حتى مصالح الفلسطينيين لم تعد موحدة، وأصعب من ذلك؛ فإننا حين النظر إلى الخريطة من وجهة نظر الشركاء والأشقاء المجاورين؛ لسنا في مرآتهم!
نخبة بوست – كتب: إبراهيم غرايبة
والنَّاسُ مَن يَلقَ خيراً قائلونَ له
ما يَشتَهي ولأُمِّ المعدم الهَبَلُ
يقال إن الرئيس الأمريكي يدير السياسية الخارجية الأمريكية ضمن هامش محدود ضمن سياق اتجاهات الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة والسياسات شبه الدائمة للمؤسسات الأمريكية الرئيسية الثلاث؛ وزارة الخارجية ووزارة الدفاع ووكالة المخابرات المركزية (CIA)، وفي جميع الأحوال فإن المصالح والسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط لم تتغير كثيرا بتغير الرؤساء، وإن ما يؤثر فيها أكثر هو التطورات الإقليمية والعالمية والتعامل معها وإدارتها، لكن العقيدة الحاكمة للمواقف الأمريكية في الإقليم لم تتغير كثيرا، ولم تكن لصالح العدالة الدولية وحقوق ومطالب وتطلعات الأمم في أفريقيا وغرب آسيا.
لم يكن الإقليم على مدى التاريخ الأمريكي ومن قبله الأوروبي سوى آبار نفط وضع الرب فيها بترول الغرب، وساحة خلفية تزوده بالموارد الخام بلا ثمن يذكر أو كلفة عادلة، أو شراكة معقولة مع أمم الإقليم بل لم يكونوا في نظر الغرب سوى “سكان” لم يتح لهم ولم يمكنوا من مقومات الأمم والمكونات الحقيقية والأساسية للدول، وبقيت إسرائيل حديقة أمامية للغرب؛ يلتزم ببقائها واستمرارها وحمايتها بكل ما أوتي من قوة، وقد أوتي من القوة ما لم تحصل عليه أمة في التاريخ.
وبالتالي فإن التغيير الممكن والتأثير المتوقع في اتجاهات ومستقبل إقليم شرق وجنوب المتوسط ليس سوى التغير الممكن في معادلة القوة والضعف لأطراف المباراة ومكونات المشهد القائم والمستقبلي، أو انتظار “جودو” القادم الذي يؤمل أن يكسر الهيمنة الغربية والانحياز اللامعقول، لكن أحدا لا يستطيع الجزم أن جودو (روسيا و/ أو الصين و/أو الهند) سوف ينشئ تأثيرا إيجابيا أو توازنا معقولا ومفيدا أو أن يكون أفضل من هذا الكاوبوي اللعين؛ والذي يملك جاذبية حضارية وثقافية لم يحزها الاتحاد السوفيتي من قبل ولا يبدو أن الصين والهند وروسيا ستملك في المدى المنظور الجاذبية التي أوتيها الغرب، بدليل مؤشرات واتجاهات الهجرة واستهلاك المحتوى الثقافي والفني والفكري.
سوف تظل التجربة السابقة لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب هي المرجعية الحاكمة للتقدير والتحليل، وإن كان مرجحا أن ترمب2 سيكون مختلفا عن ترمب1 فهو سوف يسلك بعقل من لا يتطلع إلى إعادة انتخابه ومن يرغب أن يترك أثرا طويلا إن لم يكن دائما في العالم؛ وهو الحلم الذي شغل كل رئيس للولايات المتحدة الأمريكية في نهايات دورته الثانية.
ريغان كان يحلم بعالم جديد، ونجح في تغيير الاتحاد السوفيتي وهزيمة الشيوعية، لقد كان في مرآته الذاتية “المنتظر” الذي هزم “يأجوج ومأجوج!، هكذا وصف نفسه بصراحة! وكلينتون سيطر عليه حلم حلّ نهائي للنزاع في الشرق الأوسط، وبوش الإبن كان يحلم باستعادة قواعد الجغرافيا السياسية للعالم إلى ما كانت عليه قبل الثورة الإيرانية والغزو السوفيتي لأفغانستان، لقد كان كما يقول بصراحة يتلقى نداء من الرب!
ربما يكون حلم ترمب هو حلم كلينتون، لكنه يفكر ويسلك بما يمكن وصفه “سلام القوة” وذلك عكس ما كان يفكر فيه بيل كلينتون “قوة السلام” وإن كان الهدف النهائي واحدا. وربما يكون هذا هو الفرق الجوهري بين كلينتون وسائر الرؤساء الآخرين للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ببساطة يوضحها كلينتون إنه لا يحرك الأمم أكثر من دوافع الحرية والسلام، وأما ترمب وبوش وريغان فهو السلام المفروض بالقوة والهيمنة والغطرسة أيضا، حتى عندما يكون ناعما في سلوكه وسياسته؛ فإنها إيجابية المالك القاهر!
ستكون “صفقة القرن” أو “سلام إبراهيم” هي أكثر ما يستحضر في التحليل والتفكير لسياسات ترمب واتجاهاته، وهي ببساطة السلام المفروض بالقوة والمكافأة الاقتصادية، أي سيكون في مقدور “السكان” أن ينعموا بمستوى معيشي أفضل أو تقديم وعد اقتصادي مقابل ترسيخ وتمكين الاحتلال وتحويله إلى أمر واقع كما هو بدون تغيير يذكر، ويكفيكم السلام وحياة أفضل! وسوف يجذب المشروع أو يجلب عنوة الدول المجاورة والمحيطة.
في مقدور إيران أن تنجو حتى بمفاعلها النووي مقابل تغيير سياساتها؛ التخلي عن الجماعات التابعة لها (حماس وحزب الله والحشد الشعبي والحوثيين) أو بعبارة أن تتحول منظومة الدول الممانعة (اليوم) إيران والعراق وسوريا واليمن إلى حليفة للولايات المتحدة الأمريكية. ذلك حلم امبراطوري ؛ أن ترث الولايات المتحدة الإمبراطورية البريطانية والامبراطورية الفرنسية معا، وهو حلم وإن واجه تحديات كبيرة أضعفته إن لم تقضي عليه في خمسينات وستينات القرن العشرين، لكن جذوته باقية مشتعلة. إن حلم الدول بالتوسع والهيمنة يظل دائما قاعدة تصلح للتحليل والتفكير في المستقبل وفي فهم الأحداث والقضايا.
لم تكن الحرب الأخيرة في اليمن مفهومة أو مبررة، وقد يكون توقعا بديهيا أن تتوقف الحرب، وأن تتوقف أيضا كل تحديات سيادة الدول والقانون في العراق وسوريا، لكن الحالة في إيران وفلسطين أكثر صعوبة وتعقيدا، ذلك أن إيران دخلت في تحالفات وشراكات مع الصين وروسيا لن يكون سهلا وربما ليس مفيدا لإيران التخلي عنها، إيران تريد السلام مع الولايات المتحدة دون تغيير استراتيجي لعلاقاتها الدولية ومصالحها في الجوار، ربما تتخلى عن الجماعات والميليشيات، لكنها تريد حماية علاقاتها ومصالحها في أفغانستان والخليج والعراق، وبالطبع دون أن تتخلى عن مشروعها النووي، والولايات المتحدة تريد من إيران الابتعاد عن الصين وروسيا، وربما تتقبل أو توافق على دور إيراني إقليمي متصل بجوارها الجغرافي من غير ميليشيات مستقلة ولا تحدٍّ لسيادة الدول وقوانينها، أو بعبارة أكثر إحكاما من غير خروج على قواعد اللعب والتأثير: وهي الدبلوماسية والتجارة والتجسس الخفي غير المعترف به و المعاهدات والاتفاقيات السياسية والأمنية،..
سوف تتحرر دول الجزيرة العربية والخليج من الضغوط الأمريكية والعالمية المتصلة بالحريات والحقوق والديمقراطية، ولم يكن الغرب ابتداء جادّا بهذه المسائل وإن كان (ربنا الله) يرحب ويحتفي بها، وفي المقابل سوف تشتري سلاحا أمريكيا كثيرا (لا لزوم له) وتشتري أيضا سلاما اقتصاديا مع إسرائيل.
لكننا (الأردن وفلسطين) نواجه تهديدا وجودنا لحلمنا القدري في التحرر ودولة فلسطينية مستقلة، يكفينا من وجهة نظر “مأمور التسوية العالمي” أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل” سلام وتوقف الحرب، وهي حرب في نسختها الأخيرة في غزة ولبنان لم تكن مبررة ولا مفهومة ولا داعي ولا سبب لها، كانت أقرب إلى مصادفة بغيضة أو حادث قدري غير متوقع ولا مخطط لها ولا مصلحة فيه لفلسطين ولا لبنان ولا إسرائيل. كانت حلقة مفاجئة في صراع يفترض أنه انتهى لبنانيا عام 2000 وغزّيا عام 2006. ولم يحدث ما يغير هذا السيناريو والذي وإن كان هشا فإنه كان على نحو واقعي متقبلا ومستقرا.
لن تتغير الجغرافيا في أي اتجاه، لكن معناها ومحتواها سوف يكون مختلفا اختلافا كبيرا. الجميع ينظر إلى الخريطة، لكن أحدا لا يراها كما يراها الآخر، فمن وجهة نظر الرئيس الأمريكي يبدو العالم كله كأنه ساحة واحدة هي ساحته، ومن وجهة نظرنا نحسب أننا مركز الخريطة وما عدانا هامش أو جوار أو فضاء قريب بعيد!
عند التفكير في مستقبل ومآلات الأحداث والقضايا يجب النظر إلى مصالح واهتمامات الأطراف، وأول ما يجب إدراكه أن مصالح العرب لم تعد موحدة. حتى مصالح الفلسطينيين لم تعد موحدة، وأصعب من ذلك إن لم يكن أسوأ؛ فإننا حين النظر إلى الخريطة من وجهة نظر الشركاء والأشقاء المجاورين لسنا في مرآتهم أو وجهة نظرنا كما نحن في وجهة نظرنا! هذا أمر ليس غريبا أو غير متوقع، لكن المفاجئ فيه أن الفجوة بين النظرتين؛ نظرتنا إلى ذاتنا ونظرة العالم لنا فجوة كبيرة وبعيدة.
إننا نمضي اليوم إلى مصيرنا وقدرنا وحيدين منفردين من غير تنسيق أو مشاركة أو تضامن، ويكفينا في هذه المرحلة أن نتجنب الخوف والقلق من بعضنا البعض. ليس من وعد يمكن أن نطمئن إليه اليوم. الحال أنها الحقيقة التي تشكلت عالميا ومحليا في عام 1989 وإقليميا في عام 1990 لكنها اليوم تواجهنا من غير مواربة ومن غير قدرة على الاختباء منها أو تأجيل النظر والتفكير فيها.
بالطبع لدينا الكثير الإيجابي لنفعله، لكننا نحتاج أيضا إلى كثير من الخيال والإرادة والصدق مع الذات وحسن النية.