* أبو نوار: التصعيد في المنطقة الحدودية ينبأ بقرب موعد الرد الإيراني؛ وأي فوضى قد تزعزع أمن المنطقة بأكملها

* الرداد: هناك جماعات لا تزال متمسكة بأهدافها في إثارة الفوضى وخلق حالة من عدم الاستقرار على الحدود الأردنية

* أبو زيد: الموقع الجيوستراتيجي للأردن وضعه في منطقة جغرافية ملتهبة، والحدود الشمالية تشهد انفلاتاً أمنياً من العمق السوري

نخبة بوست – أماني الخماش 

شهدت الحدود الشمالية للأردن والتي تمتد على طول 370 كيلومتراً، تصاعداً ملحوظاً في عمليات تهريب المخدرات والأسلحة من الأراضي السورية مؤخراً، مما يشكل تهديداً أمنياً كبيراً للدولة والمجتمع، وقد تزايدت خطورة هذه العمليات مع تكرار محاولات المهربين اجتياز الحدود الأردنية.

ماذا يحدث على الحدود الشمالية للأردن !؟
جندي أردني يستخدم المنظار لمراقبة الحدود بدقة، في إطار الجهود المستمرة لحماية الأمن الوطني ورصد التحركات على الحدود

وفي هذا السياق، عززت القوات المسلحة الأردنية دورياتها الأمنية في المنطقة، وبدأت بتطوير تقنيات المراقبة لاكتشاف الأسلحة والمواد المخدرة المهربة؛ كما عدّلت قواعد الاشتباك بهدف الحد من تكرار هذه العمليات ومنع دخول المخدرات إلى الأراضي الأردنية.

الأردن .. تحديات خطيرة ومساعٍ لاحتواء المشهد

بوجه عام؛ يفرض الموقع الجيوسياسي على المملكة الأردنية تحديات كبيرة، ويضعها في مواجهة مستمرة مع العديد من المخاطر المحيطة، نظراً لوقوع الأردن في قلب إقليم يشهد اضطرابات سياسية وأمنية. وتعتبر قضية تهريب المخدرات من أبرز التحديات التي تهدد استقرار المملكة وأمنها الداخلي.

خريطة الأردن وتبرز الموقع الجيوسياسي الاستراتيجي وسط دول الشرق الأوسط

وكان جلالة الملك عبدالله الثاني قد شدد في وقت سابق على ضرورة مكافحة هذا الخطر ووضعه على سلم الأولويات، موجهاً رسائل تؤكد وجوب حماية المملكة من أي تهديد يستهدفها، ومؤكداً أهمية اتخاذ إجراءات حازمة ضد كل من يهدد الأمن الوطني والإقليمي.

وعلى الصعيد الدبلوماسي، زار وزير الخارجية د. أيمن الصفدي العاصمة السورية دمشق، والتقى بنظيره السوري بسام صباغ، حيث ناقشا الملفات الثنائية، ومن ضمنها ملف مكافحة تهريب المخدرات والجهود المشتركة لضبط الحدود بين البلدين، في محاولة لمعالجة الأزمة السياسية والأمنية التي تؤثر على العلاقات بين الجانبين.

أبو نوار:  التصعيد في المنطقة الحدودية ينبأ بقرب موعد الرد الإيراني

وفي هذا السياق؛ قال الخبير العسكري اللواء المتقاعد مأمون أبو نوار في تصريح خاص لـ “نخبة بوست” إن التصعيد في المنطقة الحدودية ينبئ بقرب الرد الإيراني على الضربة الإسرائيلية التي نُفذت باستخدام صواريخ بالستية أُطلقت من طائرات إسرائيلية، وأسفرت عن تدمير 20 موقعاً إيرانياً.

وأشار إلى أن المقاومة العراقية والجماعات المسلحة الموالية لإيران تسيطر على الميدان، وأنه في حال تدهور الوضع الأمني، فإن هذه الجماعات قد تهاجم القوات الأمريكية في العراق، كما حدث سابقاً بعد اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، حيث قصفت الجماعات العراقية قاعدة عين الأسد الأمريكية في سوريا.

وأوضح أبو نوار أن “السيطرة الجوية في سوريا تخضع لقواعد اشتباك متفق عليها بين روسيا وأمريكا، تمنع كل طرف من التعرض لطائرات الطرف الآخر في الأجواء السورية.”

كما أشار إلى أن قرار الأردن والسعودية يلزم كلاً من إيران وإسرائيل بعدم انتهاك أجواء البلدين، ورغم التزام إيران بذلك في ضربتها الأخيرة، إلا أن هناك احتمالاً أن تستخدم الأجواء الأردنية في ردها المقبل على إسرائيل بتمرير الصواريخ أو الطائرات المسيرة.

بقايا صاروخ سقط في منطقة مأهولة، والأمن يوثق الحادثة لضمان السلامة

وفيما يتعلق بالتصعيد على الحدود، قال أبو نوار إن الأردن لا يمكنه كشف جميع الطائرات المهرّبة، لكنه يسقطها إذا أمكنه ذلك، وإن لم يستطع فإنها تتابع طريقها نحو إسرائيل.

وبيّن أن خاصية الإنذار المبكر لدى الأردن قصيرة، مما يستدعي دعماً دولياً، خصوصاً مع طول الحدود الأردنية السورية الذي يجعل الدفاع مكلفاً للغاية؛ وأكد أن أي دولة مهما بلغت قوتها لن تتمكن من السيطرة الكاملة على أجوائها.

أبو نوار: الأردن يُعتبر عمقاً استراتيجياً لدول الخليج، وأي فوضى قد تزعزع أمن المنطقة بأكملها، لا سيما دول الخليج التي قد تتأثر بالتوترات، مما يتطلب تعزيز التعاون للحفاظ على أمن المنطقة

الدول العربية تفتقر إلى نظام دفاعي مشترك، والمرحلة الحالية تتطلب تنسيقاً وتعاوناً عربياً لحماية المنطقة من تهريب المخدرات والأسلحة

وعن موقف الأردن من قضية تهريب المخدرات، أشار أبو نوار إلى أن الأردن يتبع سياسة الدبلوماسية الوقائية المدعومة بالقوة والاستجابة المرنة تجاه الأحداث في المنطقة التي تعاني من الفوضى.

واعتبر أن محاولات تهريب المخدرات تمثل اعتداءً على الأردن، الذي يملك خيار تغيير قواعد الاشتباك وضرب الجماعات في العمق السوري، في إطار الدفاع عن النفس، مؤكداً أن مسؤولية ضبط الحدود تقع على عاتق الحكومة السورية.

في ظل الفوضى السائدة في سوريا، يصبح من الصعب القضاء على الجماعات الإرهابية، ومن الطبيعي أن ينتقل التوتر إلى الحدود

وأشار أبو نوار إلى أن الأردن، رغم دعمه لسوريا، قد يلجأ إلى المحافل الدولية لإقامة منطقة عازلة وآمنة لمنع هذه العمليات، وربما يقوم بتغيير قواعد الاشتباك عبر مهاجمة الجماعات الإرهابية داخل الأراضي السورية بالتنسيق مع الحكومة السورية.

وأكد أن الأردن منع إسرائيل من استخدام أجوائه لضرب سوريا، وأن الطرق الإسرائيلية باتت معروفة للسوريين، لذا من الأفضل إسقاط الطائرات الإسرائيلية قبل وصولها إلى إيران، باعتبار سوريا جزءاً من المحور.

الرداد: الظروف الجوية تعزز من عمليات التهريب

من جهته، أوضح الخبير العسكري عمر الرداد أن الحدود الشمالية الشرقية للمملكة مع سوريا شهدت تصعيداً جديداً في عمليات تهريب المخدرات بعد فترة من الهدوء النسبي، والتي بدأت مع العدوان الإسرائيلي على لبنان، حيث انخفضت محاولات التهريب بشكل ملحوظ مقارنةً بالفترة التي سبقت اندلاع الحرب في لبنان.

الرداد: توقيت هذا التصعيد يرتبط بعاملين: الأول هو الظروف الجوية، حيث شهدت المنطقة هطول أمطار غزيرة وتشكل ضباب كثيف، وهي ظروف تستغلها المليشيات وشبكات التهريب كغطاء للاختباء والتحرك

أما العامل الثاني، فهو ما ورد في تسريبات تفيد بأن شبكات التهريب بدأت، منذ بدء الحرب على لبنان، بنقل كميات كبيرة من المخدرات من مناطق سورية ولبنانية إلى مناطق قريبة من الحدود السورية الأردنية، حيث تم تخزينها في مواقع مختلفة بانتظار تهريبها إلى الأردن في الوقت المناسب.

جنود أردنيون يتمركزون على الحدود في مركبات عسكرية مزودة بالأسلحة الثقيلة لضمان الأمن ومراقبة الحدود.

وأضاف الرداد: “المواجهة التي وقعت في الأيام الماضية بين قوات حرس الحدود الأردنية وشبكات التهريب تؤكد استمرار هذه المحاولات، واستهداف الأردن من قِبل مشغّلي هذه الشبكات، التي تتبع لمليشيات يبدو أنها تعاني من الضربات الموجهة إليها، ولم تعد قادرة على تمويل نشاطاتها.”

وأكد أن هذه الجماعات لا تزال متمسكة بأهدافها في إثارة الفوضى وخلق حالة من عدم الاستقرار على الحدود الأردنية، في إطار استهداف أكبر، يُعد تهريب المخدرات جزءاً منه، وليس كله

أبو زيد: يجب فصل المسار الدبلوماسي عن الأمني بين البلدين

من جهته، أوضح الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد أن الموقع الجيوستراتيجي للأردن وضعه في منطقة جغرافية ملتهبة، حيث تشهد الحدود الشمالية انفلاتاً أمنياً من العمق السوري، كما يعاني العراق من انفلات أمني نسبي ناتج عن سيطرة الميليشيات الشيعية ضمن الحكومة العراقية.

أبو زيد: التوتر الحاصل في المنطقة نتيجة العمليات العسكرية في الضفة وغزة، المتزامن مع تصاعد الخطاب الإعلامي المتطرف من حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية، ساهم في زيادة وتيرة هذه العمليات.

وأضاف بقوله “المعطيات تشير إلى أن الأردن أصبح متأثراً بما يجري في محيطه، خاصةً فيما يتعلق بعمليات الرد المتبادل بين إسرائيل وإيران باستخدام الطائرات المسيرة.”

وعن مجريات الأحداث في المنطقة الحدودية، أوضح أبو زيد أن الوضع ليس جديداً، لكنه يتصاعد مع تطوير الجماعات الإرهابية لأدواتها واستخدامها تكتيكات حديثة، بما في ذلك الاعتماد على الطائرات المسيرة في تهريب المخدرات.

الجيش الأردني يُفشل عملية تهريب مخدرات باستخدام طائرة مسيرة، تُظهر الصورة الطائرة محملة بكمية من المخدرات قبل ضبطها

وأشار أبو زيد إلى أن الميليشيات تقوم بهذه العمليات لتمويل نشاطاتها العسكرية، وأن المنطقة الشرقية تعد الأكثر توتراً لقربها من مناطق تمركز الميليشيات العراقية في سوريا، المدعومة من إيران والمرتبطة بالمرجعية الدينية في مدينة قم الإيرانية.

وأضاف أن هذه الجماعات تنتشر على امتداد خط يبدأ من منطقة البوكمال، المعبر الحدودي بين العراق وسوريا، باتجاه الصحراء الجنوبية الشرقية من سوريا، وصولاً إلى ريف حمص الجنوبي، مروراً بمطار المزة العسكري ومطار دمشق الدولي، وانتهاءً بمنطقتي بصرى الشام وصيدا جنوب سوريا.

وقال: “هذه المناطق تقع بالقرب من الحدود الأردنية، وبعضها لا يبعد سوى بضعة كيلومترات عن الحدود، مما يجعلها مناطق غير آمنة.

المسؤولية تقع على عاتق الدولة السورية لضبط الانفلات الأمني على الحدود

وعن أساليب التهريب، أوضح أبو زيد أن المهربين يعملون على تطوير أدواتهم بشكل مستمر، حيث يستخدمون الطائرات المسيرة لنقل كميات صغيرة من المخدرات من مهرب في سوريا إلى مهرب آخر في الأردن، لتتضاعف الكميات لاحقاً وتُباع في الأردن أو تُهرَّب إلى دول أخرى، لافتا إلى ضرورة فصل المسار الدبلوماسي عن المسار الأمني لضمان وقف عمليات التهريب.

وأضاف: “اتخذ الأردن إجراءات متعددة للحد من هذه العمليات، من خلال تطوير قواعد الاشتباك، والانتقال من التحذير والتنبيه إلى المواجهة المباشرة دون سابق إنذار، إضافة إلى استخدام أنظمة متطورة مثل أنظمة التقاط وتشويش الطائرات المسيرة، وأنظمة الطلقات الليزرية التي تستهدف الطائرات المسيرة لإسقاطها، رغم أن هذه الأنظمة تتأثر بالعوامل الجوية.”

تعزيز التعاون الأمني وضبط الحدود

بالمحصلة؛ يمكن القول إن ظاهرة تهريب المخدرات أصبحت من أخطر القضايا التي تهدد أمن الأردن واستقراره، وذلك بسبب الكميات الكبيرة التي يتم تهريبها وضبطها في المناطق الحدودية، وتكرار عمليات الاشتباك والمواجهات بين الجيش الأردني والمهربين.

وفي ضوء ذلك، تظل الاستراتيجية الأمثل للحد من عمليات التهريب والحد من خطرها المتزايد في المنطقة هي تعزيز التعاون الأمني بين البلدين، بهدف ضبط الحدود والقضاء على المجموعات المنفذة لهذه العمليات.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version