نخبة بوست – كتب: سالم فاهد اللوزي

قبل يومين حضرت حفل إشهار رواية الصديق رمضان الرواشدة، واستمعت جيداً لمقدمي وناقدي هذه الرواية. وربما أسرتني الحصناوية بنت “الشعور” الدكتورة هند أبو الشعر في مداخلتها، فأنا احترم وأقدر “هند” لأنها كنز أردني، وكلماتها تدخل القلب دون استئذان، وهنا لا أنتقص من المتحدثين، فقد كانوا رائعين.

في نهاية المطاف، تحدث صديقي صاحب “حكي القرايا” بتمعن عن روايته، وكان حديثه يخرج من القلب، وهنا اندمج السياسي والأديب، فوصلتني الحروف كما السهام من ولد بنت “الخشيبي” صاحبة الإهداء.

وفي تلك القاعة، أعادني كلمات وصوت “رمضان” للوراء كثيراً لدرجة أنني عدت بالفعل إلى “منصور الأعمى” ورحلتي للشوبك التي قصدتها ذات يوم لأقيم فيها باحثاً عن أثر صديقي الفيلسوف “عِرار” مصطفى وهبي التل، وبحثت عن قوم “حرب الدحيات” وعن أثر لـ”شوما”، وسكنت عند الكرام عشيرة “الزويري”. وبدلاً من أن أقيم أسبوعين، أقمت شهرين في “الشوبك” المحمية بإذن رب البرية على رأي الثائر مصطفى وهبي التل.

فكنت في القاعة و”رمضان” يتحدث عن روايته الشعبية، جسد حاضر وروح رحلت إلى “الشوبك”، وكان بودي أن أقول يا “رمضان” لقد بدأت أنا عندما انتهت فصول روايتك. أنت أنهيت عند الثورة، وأنا بدأت بعدها أبحث عن “رباعيات الخيام” وأطرق بيوت الشوبك باباً باباً. وخلال سردياتهم، كانت روايتك اليوم حكايا ترويها بيوت “الجاية” ومحفورة على جدران القلعة، لقد سمعت روايتك يا “رمضان” قبل أن تخطها بعقود، إنها الحقيقة المجبولة بداخلنا توارثتها الأجيال.

فلماذا عدت بي للوراء؟ فمن لا يقطن الشوبك لن يفهم معنى ألم مخارج حروفك. أنا قطنتها يا “رمضان”، وشربت من عيونها، وتذوقت الشاي في “الهيشة”، وبحثت عن ماء “مليقطه” وشربت من عين “حنينة”.

وروى لي أهلها حكايات الشوبك حتى “بئر خداد” باح لي بأسراره. وهبطت لوادي النبي “موسى” وتسامرت مع أصدقائي هناك من الحسنات، وأكلت “الجريش” و”الرشوف”، وعدت للشوبك ووثقت عنها مائة صفحة عن تاريخها، وسجلت ثلاثة “كاسيتات” عن رواة في ذلك الزمن، ومائة وعشرين بيت شعر لـ”عِرار” لم تنشر بعد، وعندما عدت لبيتي قرأت الرواية، فوجدت نفسي أبحث عن الشوبك وأوراقي وكأني غادرتها للتو!

فأنا لستُ ناقداً يا “رمضان”، لكنني اكتشفت “رمضان” آخر تربطني به أوجاع وآلام يئن منها الوطن، ولذات محرمة نشتاق إليها، فهذا تاريخنا، وهذا يجب أن يوثق، وأنا مقصر وأنت أجرأ مني.

وأنا أشكرك من قلبي على هذه المقطوعة المميزة، وأني أنصح الجميع بقراءة رواية “حكي القرايا.”

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version