نخبة بوست – شذى العودات

حادثتا انتحار في يوم واحد على جسر عبدون أعادتا مجددًا فتح ملف الانتحار في الأردن، وطرحتا أسئلة حول دوافعه وأسبابه، والأهم من ذلك طرقه، وأسباب اختيار جسر عبدون تحديدًا لهذه الغاية؛ ماذا تحمل هذه الحالات من رسائل؟ وكيف يمكن إيجاد حلول لتحويل جسر عبدون إلى معلم جمالي يميز عمان بدلًا من موقع مرتبط بحوادث الانتحار؟

اليوم؛ هذه التساؤلات بدأت تثير اهتمام الرأي العام، خاصة مع التذبذب في معدلات الانتحار؛ فبحسب الإحصاءات؛ قد سجل 160 حالة انتحار خلال العام الماضي، بزيادة قدرها 15 حالة مقارنة بعام 2022، وذلك وفقًا لبيانات المركز الوطني للطب الشرعي.

جسر عبدون؛ من معلم جماليّ إلى درب الانتحار الأسرع ..
ارتفاع ملحوظ في حالات الانتحار بالأردن بين 2014 و2023.

وتُظهر الدراسات السوسيولوجية أن الأمراض النفسية تمثل حوالي 25% من مسببات الانتحار في الأردن، إلى جانب أسباب أخرى تتعلق بتعاطي المخدرات والضغوط الاقتصادية والاجتماعية، مما أسهم في تفاقم هذه الظاهرة

وللوقوف على أسباب ودوافع هذه الظاهرة، توجهنا للدكتور عبد الرحمن مزهر، الذي أشار إلى أن  جسر عبدون يعتبر موقع بارز للانتحار؛ بسبب ارتفاعه وتوفير ضمانات لنجاح العملية.

مزهر: الأمراض النفسية وراء 25% من حالات الانتحار؛ وفي نظر المنتحر حل دائم لمشكلة مؤقتة

وفي هذا الصدد، قال استشاري الطب النفسي والإدمان الدكتور عبد الرحمن مزهر، في تصريح خاص لـنخبة بوست، بأن الأمراض النفسية تعدّ مسؤولة عن نحو 25% من حالات الانتحار؛ فيما تتفاوت بقية الأسباب بين تعاطي المخدرات وانتشارها، والأوضاع الأسرية والاجتماعية والثقافية، وكذلك الظروف الاقتصادية حيث يتضح أن نسب الانتحار في الدول النامية تفوق بكثير نسبها في الدول المتقدمة.

تشير التقديرات إلى أن الأمراض النفسية تشكل عاملًا رئيسيًا يؤدي إلى الانتحار، حيث تساهم في حوالي 25% من الحالات.

وأشار إلى إن الانتحار يُعدّ مشكلة عالمية منتشرة في جميع أنحاء العالم، ولدى البعض اعتقاد خاطئ بأن نسب الانتحار الأعلى توجد في الدول الإسكندنافية؛ غير أن الحقيقة العلمية تشير إلى أن نسب الانتحار تكون مرتفعة أكثر في الدول النامية.

الانتحار يُعتبر في نظر المنتحر حلاً دائماً لمشكلة مؤقتة، حيث يعتقد المنتحر أن المشكلة التي يعاني منها لا حل لها سوى بإنهاء حياته

وأوضح مزهر أن طرق الانتحار تختلف من بلد إلى آخر وتختلف كذلك حسب الجنس، مشيراً إلى أن الوسائل المتاحة تلعب دوراً في اختيار طريقة الانتحار.

تعبيرية – إختلاف أساليب الانتحار و التحديات النفسية قد تدفع البعض إلى حافة الهاوية؛ مما يستدعي مزيداً من الدعم والرعاية.

ففي المجتمعات التي تتوفر فيها أسلحة نارية، قد يلجأ البعض لاستخدامها، في حين يكثر تناول المبيدات والسموم في المناطق الزراعية

وبيّن أن الرجال يميلون إلى استخدام طرق عنيفة مثل إطلاق النار أو الشنق، بينما تلجأ النساء غالباً إلى تناول الأدوية.

إذا تم تعزيز الجسر بإجراءات بسيطة مثل إقامة سياج أخضر جميل، يمكن أن نحد من هذه الظاهرة؛ وقد أثبتت هذه الطريقة نجاحاً في دول أخرى قللت بها حالات الانتحار في أماكن معينة

وفي نفس السياق، حذّر مزهر من أن بعض الأماكن الأخرى، مثل مسار الباص السريع، قد تصبح مواقع للانتحار، مشيراً إلى أهمية اتخاذ الاحتياطات اللازمة قبل أن تتحول إلى مناطق خطرة.

وأكد مزهر أن الإعلام يلعب دوراً كبيراً في التوعية بهذه القضية، فقد يكون له تأثير إيجابي في التوعية وتقديم المساعدة لمن يفكرون بالانتحار، أو قد يؤدي استخدامه الخاطئ إلى نتائج عكسية.

مسار الباص السريع

وضرب مثالاً بظاهرة “فيلتر“، وهي قصة كتبها كاتب ألماني شهير عن تفاصيل انتحار بطل الرواية، مما أدى إلى انتشار حالات انتحار في نفس الموقع.

في المقابل، أشار إلى “ظاهرة بابا جينو”، حيث ساعد أشخاص في حالات انتحار من خلال الدعم العاطفي، مؤكداً أن الحديث عن الانتحار بالشكل الصحيح يمكن أن يساعد من يفكرون بالانتحار على طلب المساعدة.

وفي ختام حديثه، شدد مزهر على أهمية التركيز على جسر عبدون، قائلاً: “يجب أن نفكر في حل بسيط وفعال، مثل إقامة سياج أخضر، فاللون الأخضر معروف في علم نفس الألوان بتأثيره الإيجابي على الصحة النفسية، وقد يساعد هذا الإجراء في تقليل حوادث الانتحار، على الأقل في هذا الموقع العام الذي يعتبر مكاناً للتجمعات والصور، مما يجعل رؤية مثل هذه الحوادث مؤذية لعدد كبير من الناس“.

الانتحار في الأردن..  تزايد مقلق ودعوات لتحصين جسر عبدون بسياج أخضر

إنّ تزايد حالات الانتحار في الأردن، وخاصة في مواقع مثل جسر عبدون، ليس مجرد إحصائية صامتة؛ بل هو جرس إنذار يستدعي تضافر الجهود بين المجتمع والدولة لمعالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة؛ فتوفير الدعم النفسي، وتحسين البيئة العامة، والتعامل الإعلامي المسؤول مع هذه القضية، ليست فقط إجراءات وقائية بل واجب وطني لحماية حياة المواطنين والحفاظ على الصحة النفسية للمجتمع.

وأعاد جسر عبدون الجدل حول قضايا الانتحار ودوافعه، ؛ ما يجعل هذا الجسر محطًا للأنظار ليس فقط موقعه الجغرافي وتصميمه المعماري، بل أيضًا كونه بات يُستخدم كوسيلة بارزة لمن يرغبون في إيصال رسالة معينة إلى المجتمع أو بهدف الشهرة؛ فالجسر يمثل نقطة جذب للمنتحرين.

صورة لجسر عبدون

وتُفسّر هذه الظاهرة من منظور فلسفي واجتماعي في مجال علم الانتحار؛ حيث يُعتقد أن الأشخاص الذين يختارون الجسر لأداء فعلهم يتطلعون لإيصال رسالة معينة، وكأنهم يبحثون عن “الفضح” أو الإعلان عن معاناتهم بطريقة جريئة.

 ومن هذا المنطلق، يرى خبراء أن الأشخاص الذين يختارون هذا الموقع بالتحديد قد يشعرون برغبة في ترك تأثير علني أو إيصال رسالة للجميع، وكأنهم يصرخون بما يعانونه.

ومن الناحية النفسية، تشير الدراسات إلى أن المنتحرين يختارون طرقًا تتناسب مع ما يشعرون به؛ فمنهم من يسعى إلى عقاب ذاته بشدة كالمنتحر بالحرق؛ ومنهم من يفضل طرقًا أكثر هدوءًا خوفًا على مظهرهم بعد الموت كالمنتحرة بالأدوية؛ حيث تختلف الأساليب بين الجنسين، فتميل النساء إلى وسائل أكثر لطفًا مثل الأدوية، في حين أن الرجال يتجهون إلى طرق أكثر حدة ووضوحًا.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version