* سيعود الصراع بين حافة الأرض وقلب الأرض أو بين اليابسة والبحر؛ بين الانفتاح والإبهار والجاذبية الحضارية والثقافية وبين تحالف الإنسان والأرض

* كان انتصار الغرب عملياً هو انتصار الصناعة على الزراعة؛ واليوم تنتصر الشبكية على الصناعة، لكن الشبكية لم يعد يملكها أحد ملكية مطلقة أو حاسمة

* يتوقع أن تشكّل المواجهة مع الصين تحدياً للاقتصاد الأمريكي وللدول المجاورة والشريكة ولن تكون بلا تكاليف؛ وربما تكون الصين هي الأقل خسارة في هذه الحرب

* سوف تُفرض تعريفات جمركية مرتفعة خلافاً لقوانين منظمة التجارة العالمية على السلع والمنتجات الصينية، ولسان الحال ليذهب الصين والعالم والفقراء إلى الجحيم

* يملك ترامب من الاستعداد للمغامرة ما يجعله يحاول دون خوف من الفشل أو العواقب السياسية والاقتصادية والأخلاقية

* للصين أدواتها واستراتيجياتها في الرد وليست متلقياً سلبياً أو لا حول له ولا طول في مواجهة الحرب الأمريكية

نخبة بوست – كتب: إبراهيم غرايبة

تشكل الصين منذ عشرين سنة أو أكثر التحدي رقم 1 للولايات المتحدة الأمريكية، وقد تكون هذه الحقيقة أساسا للتقدير أن السياسة الخارجية الأمريكية سوف تشهد تحولات باتجاه مواجهة الصين؛ وما يقتضيه ذلك من بناء تحالفات جديدة وصيانة التحالفات التقليدية القائمة، وتهدئة الجبهات والحروب مثل الشرق الأوسط وأوكرانيا.

يتوقع أن تكون المواجهة مع الصين على هيئة حرب تجارية ومناوشات سياسية وإعلامية مزعجة للصين، مثل تايوان وقضايا الأقليات وحقوق الإنسان والحريات العامة والسياسية والدينية في الصين، لكنها حرب تشكل تحديا للاقتصاد الأمريكي والاقتصاد في الدول المجاورة والشريكة للولايات المتحدة الأمريكية، ولن تكون بلا تكاليف، وربما تكون حربا خاسرة للولايات المتحدة الأمريكية والعالم المرتبط بالصين ارتباطا وثيقا. وتدخل دولا كثيرة في مزيد من الفقر والخسائر، وربما تكون الصين هي الأقل خسارة في هذه الحرب.

الغرايبة يكتب: هل يجمد ترمب جميع الجبهات ويتفرغ للصين ؟


وبرغم الإقرار أن ترمب ليس شخصا متوقعا، وأنه سيكون في هذه الولاية الرئاسية اكثر استقلالية وجرأة في اختيار فريقة وسياساته وقراراته، وما تؤشر إليه سياساته وتصريحاته في أثناء رئاسته الأولى وحملته الانتخابية الثانية؛ فإن الاعتبارات الواقعية والراسخة سوف تظل ذات تأثير حاسم على السياسات والعلاقات الدولية.

الرؤساء لا يصنعون وحدهم السياسات، ولا تصلح المؤتمرات والتصريحات الإعلامية أساسا للتحليل والتقدير المستقبلي، بل إنها قد تكون مضللة وبعيدة عن الواقع والحقيقة

الاقتصاد هو أكثر ما يبدو وضوحا في اتجاهات وسياسات ترمب القادمة، يريد ترمب أن يقول للأمريكان أنه حسّن الاقتصاد والمعيشة مهما كان ثمن ذلك بالنسبة للآخرين بمن فيهم الأصدقاء والشركاء مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفي ذلك فإنه سوف يسعى في خفض اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية بخاصة والعالم بعامة على الصين في الحصول على السلع والمنتجات والخدمات، وتحويل الاستيراد من الصين قسرا أو طوعا إلى الأسواق الأمريكية والحليفة، ومثال موبايلات هاواوي والسيارات الكهربائية الصينية هو ما يستحضر تلقائيا وبداهة للإشارة إلى ما يمكن أن يحدث في العلاقات التجارية بين الصين والعالم. سوف تفرض تعريفات جمركية مرتفعة (خلافا لقوانين منظمة التجارة العالمية) على السلع والمنتجات الصينية، ولسان الحال ليذهب الصين والعالم والفقراء إلى الجحيم.

سيسعى ترامب إلى خفض اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية والعالم على الصين في الحصول على السلع والمنتجات والخدمات، وتحويل الاستيراد من الصين إلى الأسواق الأمريكية والحليفة

يتصور ترمب منظومتين اقتصاديتين منفصلتين عن بعضهما، فإذا اخترت إحداهما فسوف تخسر الأخرى، وقد يكون ذلك صعب الحدوث أو غير ممكن، لكن ترمب يملك من الاستعداد للمغامرة ما يجعله يحاول أن يفعل ذلك دون خوف من الفشل أو العواقب السياسية والاقتصادية والأخلاقية.

سوف يسير العالم إلى الانقسام السياسي والاستراتيجي الخطير بل والثقافي أيضا؛ كما كان الحال في عصر الحرب الباردة، وسوف تحلّ الصين محل الاتحاد السوفيتي كقوة نقيضة للغرب، وتنشأ وتتطور أيديولوجيات وفلسفات جديدة للعمل والحياة والسياسية تتصارع وتتجادل


وفي عبارة جغرافية سياسية سوف يعود الصراع بين حافة الأرض وقلب الأرض. أو بين اليابسة والبحر. بين الانفتاح والإبهار والجاذبية الحضارية والثقافية وبين تحالف الإنسان والأرض. بين قيادة الهيمنة وقيادة المشاركة، بين الحسم والترجيح، بين مقولة صراع الخير والشر أو الصراع الذي يلغي فيه أحد الأطراف الآخر، ومقولة صراع الخير والخير الأكثر، أو الصراع بين أطراف لا تستغني عن بعضها البعض. لكن التكنولوجيا الشبكية تغير آفاق ومسارات التفكير والصراع.

سيعمل الاقتصاد الأمريكي بالمنظور الترامبي ضد نفسه، لأنه سوف يحمّل المستهلك الأمريكي والعالمي أعباء وتكاليف جديدة وإضافية


سوف يعمل الاقتصاد الأمريكي بالمنظور الترمبي ضد نفسه، لأنه سوف يحمل المستهلك الأمريكي والعالمي أعباء وتكاليف جديدة وإضافية، فلا يبدو اقتصاد حتى اليوم قادرا على إنتاج السلعة نفسها بتكلفة أقل من الاقتصاد الصيني، وسوف تتضرر الشراكات والسلاسل الاقتصادية والتجارية، فالاقتصاد العالمي في المشهد الخلفي او الكواليس لا يعمل كما يبدو المنتج النهائي، لكن في شبكات وسلاسل من صنع ونقل الأجزاء والمدخلات المختلفة والمعقدة حول العالم ثم تتجمع لتكون منتجا نهائيا وعلى نحو لم يعد العالم قادرا فيه على الاستغناء او الانفصال عن بعضه البعض إلا بتكاليف كبيرة تعود بالضرر على الاقتصاد نفسه وبطبيعة الحال على الإنسان المنتج والمستهلك.

الاقتصاد العالمي في المشهد الخلفي لا يعمل كما يبدو المنتج النهائي، لكن في شبكات وسلاسل من نقل الأجزاء والمدخلات المختلفة والمعقدة حول العالم حيث تتجمع لتكون منتجاً نهائياً وعلى نحو لم يعد العالم قادرا فيه على الاستغناء او الانفصال عن بعضه البعض


وربما يكون مستبعدا ان تقدر أمريكا الترمبية على كبح الصادرات الصينية ولا إقناع شركائها بعدم الاستيراد من الصين، أو إعاقة الواردات الصينية من أنحاء العالم. الصين تحتاج إلى مدخلات للصناعة مثل الطاقة والمعادن؛ والدول المصدرة للطاقة والمعادن وإن كانت صديقة أو شريكة للولايات المتحدة الأمريكية فليس في مقدورها أن تضحي لأجل ترمب ولا أن تلحق بنفسها الضرر والخسارة. بل إن الدول المصدرة للطاقة والمعادن إلى الصين هي الأكثر قربا سياسيا من الولايات المتحدة؛ أستراليا والخليج وأمريكا اللاتينية.

الصين تحتاج إلى مدخلات للصناعة مثل الطاقة والمعادن؛ والدول المصدرة للطاقة والمعادن وإن كانت صديقة أو شريكة للولايات المتحدة فليس في مقدورها أن تضحّي لأجل ترامب ولا أن تلحق بنفسها الضرر والخسارة


وإذا كان ترمب يريد من حلفائه أن يدفعوا له مقابل خدماته الدفاعية فإن الحلفاء يتطلعون مقابل ذلك إلى مكاسب اقتصادية وأمنية، لكن كيف يخسرون اقتصاديا بسبب العداء أو القطيعة مع الصين ثم يدفعون تكاليف إضافية لترمب مقابل الخدمات الدفاعية والأمنية؟

وفي المقابل فإن للصين أدواتها واستراتيجياتها في الرد على الترمب وليست متلقيا سلبيا أو لا حول له ولا طول في مواجهة الحرب الأمريكية، فالصين قادرة أن تقدم لشركائها بدائل اقتصادية ودفاعية وأمنية، ويمكن أن تلحق ضررا كبيرا بالاقتصاد والسياسات الأمريكية أو تنشئ توازنا جديدا معها لا يجعل أحد الطرفين منتصرا أو خاسرا على نحو مطلق أو حتى ترجيح واضح.

قد تتغير خطوط واتجاهات التحالف، ليس فقط في المسرح الروسي أو الـ”بريكس” لكن أيضا المسرح الأوروبي والياباني ويمكن للصين أن تؤثر في السياسة الأمريكية وتحدث فيها انقساماً مزعجاً لترامب

وقد تتغير خطوط واتجاهات التحالف، ليس فقط في المسرح الروسي أو الـ “بريكس” لكن أيضا المسرح الأوروبي والياباني. ويمكن للصين أيضا أن تؤثر في السياسة الأمريكية وتحدث فيها انقساما مزعجا لترمب، كما يمكنها أن تنشئ موقفا عالميا متماسكا يواجه الولايات المتحدة الأمريكية.

الشبكية هي التقنية التي يصنعها الإنسان لكنها تتحداه وربما تتفوق عليه، أو في عبارة أكثر توكيداً؛ تعيد إنتاج الإنسان، التكنولوجيا التي يصنعها الإنسان ثم هي تصنع الإنسان


لا يمكن استعادة صراع قام على الصناعة في عالم يقوم على الشبكية. كان انتصار الغرب عمليا هو انتصار الصناعة على الزراعة، واليوم تنتصر الشبكية على الصناعة، لكن الشبكية لم يعد يملكها أحد ملكية مطلقة أو حاسمة. فالشبكية هي التقنية التي يصنعها الإنسان لكنها تتحداه وربما تتفوق عليه، أو في عبارة أكثر توكيدا تعيد إنتاج الإنسان. التكنولوجيا التي يصنعها الإنسان ثم هي (التكنولوجيا) تصنع الإنسان.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version