* المصري: مخطط ضم الضفة الغربية ليس جديدًا ؛ وإسرائيل لن تستطيع محو الوجود الفلسطيني من الخارطة

* البستنجي:  قرار ضم الضفة الغربية يعتمد على سياسة الدولة العميقة في أمريكا؛ وليس مرتبطًا بشخصية بايدن أو ترامب

* الحوارات: الإدارة الأمريكية الجديدة لا تعتبر الضفة والقطاع أراضي محتلة، بل تراها جزءًا من إسرائيل، ما يتيح فرصة تاريخية أمام الاحتلال لتحقيق هذا المخطط

نخبة بوست – أماني الخماش

وسط مشهد سياسي مضطرب وحروب ساخنة متعددة الجبهات، خرج علينا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش بتصريح “صادم” مفاده أن عام 2025 سيكون “عام السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية”، مؤكدا أن السبيل الوحيد للتخلص من أي تهديد أمني فلسطيني يكمن في فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة.

وبطريقة “عنجهية” ؛ أصدر سموتريش توجيهاته إلى شعبة الاستيطان في وزارة الدفاع والإدارة المدنية بضرورة الشروع في إعداد خطة شاملة للبنية التحتية، تمهيدًا لتطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.

“نخبة بوست” ارتأت من خلال هذا التقرير تسليط الضوء عن كثب على هذا الموضوع؛ ولمزيد من التوضيح حول تصريحات سموتريش المثيرة للجدل، لا بد من الحديث أولا عن اتفاقية أوسلو 2 والتي قسمت أراضي الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق:

  • منطقة “أ، وتمثل 21% من أراضي الضفة، وتخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية إداريًا وأمنيًا.
  • منطقة “ب، وتشكل 18% من أراضي الضفة، حيث تخضع إداريًا للسلطة الفلسطينية، لكنها تخضع أمنيًا لسيطرة إسرائيل.
  • منطقة “ج”، التي تبلغ مساحتها 61% من أراضي الضفة، وتخضع بالكامل للسيطرة الإسرائيلية أمنيًا وإداريًا.
المناطق “أ” و “ب” و “ج” ، حسب إتفاقية أوسلو

هل يفعلها ترامب مجدداً ؟

لم يكن تصريح سموتريش في هذا السياق الأول من نوعه، إذ دأبت الأوساط السياسية الإسرائيلية منذ سنوات على الحديث عن ضرورة فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وهو ما يعتبره البعض إطالة لأمد الصراع ونسفًا لأي إمكانية لتنفيذ “حل الدولتين”.

خارطة “صفقة القرن”

ويرى خبراء عرب وأوروبيون أن قدوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة قد يزيد من تعقيد المشهد، خصوصًا أنه صرح خلال حملته الانتخابية بضرورة العمل على توسيع مساحة “الدولة الإسرائيلية.

كما حرص ترامب منذ بدء تشكيل فريق حكومته على تعيين وزراء من فئة “الصقور”، الذين يتبنون مواقف داعمة بقوة لإسرائيل، ورافضة لقيام دولة فلسطينية، ما يعكس توجهًا أكثر تشددًا في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية.

المصري: مخطط ضم الضفة الغربية ليس جديدًا

وفي هذا الصدد؛ قال هاني المصري مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية “مسارات” في تصريح خاص لـ “نخبة بوست” إن مخطط ضم الضفة الغربية ليس جديدًا، بل طُرح منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي ترى في انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتشكيلة فريقه الحكومي دعمًا قويًا لتطبيق برنامجها المتعلق بضم الضفة الغربية.

وأشار المصري إلى أن الإسرائيليين يعتقدون أن بإمكانهم تنفيذ هذا المخطط، لكن وجود أكثر من 5 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة يرفضون هذه المحاولات يزيد من تعقيد المشهد أكثر مما يتوقعه كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وترامب.

المنطقة “ج” باللون الأزرق، القدس الشرقية باللون الأحمر

وفيما يتعلق بإمكانية نجاح هذه المساعي الإسرائيلية، أوضح المصري أن تحقيق المخطط مرتبط بقدرة الشعب الفلسطيني على الصمود والتصدي، إلى جانب إعادة ترتيب البيت الفلسطيني عبر برنامج وطني موحد وشراكة حقيقية؛ وقال”هذا ليس قدرًا محتوما، لكن الخطر حقيقي ولا ينبغي الاستخفاف به أو المبالغة فيه”.

المصري: تطبيق قرار ضم الضفة الغربية يعرض أمن الأردن ومصر وسوريا ولبنان للخطر، والدور العربي يقف الآن أمام مفترق طرق؛ فإما أن تتكرر ردود الفعل التي حدثت عند نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، أو أن يظهر موقف عربي جديد يتصدى للمخططات الأمريكية والصهيونية

وأشار المصري إلى أن المعطيات الإقليمية والدولية تغيرت، خاصة مع التحولات في الموقف السعودي، حيث تعمل السعودية على تطوير علاقاتها مع إيران، وجاء هذا التطور كرد فعل على تجاهل ترامب لحادثة قصف شركة أرامكو السعودية في عام 2022.

وأوضح المصري أن نتنياهو يسعى لجعل إسرائيل دولة مهيمنة في الشرق الأوسط، إلا أن مكانة إسرائيل تراجعت بعد السابع من أكتوبر، حيث لم تستطع حسم حربها على غزة ولبنان رغم مرور عام.

حرب 7 أكتوبر – غزة

وأضاف أن إسرائيل لم تخض حروبًا طويلة، إذ كانت أطول حرب لها مع غزة واستمرت 51 يومًا، ومع حزب الله 33 يومًا، مما يُظهر أنها تعتمد على آلة القتل لكنها تفتقر إلى القدرة على تحقيق أهدافها المعلنة.

ورغم نجاح إسرائيل في تغيير الخريطة الجغرافية والديموغرافية لغزة، أكد المصري أن هذا لن يمنحها الردع لفترة طويلة.

وأوضح أن إسرائيل لا تزال بحاجة ماسة للدعم الأمريكي والغربي لحماية نفسها من التهديدات الإيرانية، خصوصًا مع تزايد خسائرها البشرية والاقتصادية والسياحية.

أما بشأن مآلات تطبيق قرار الضم، فرأى المصري أن السيناريو قد يكون مشابهًا لما حدث في لبنان، حيث تمكنت إسرائيل من احتلال الجنوب لمدة 18 عامًا قبل أن تُجبر على الانسحاب تحت ضربات المقاومة.

إسرائيل لن تستطيع محو الوجود الفلسطيني من الخارطة، وأي خطوة في هذا الاتجاه ستثير ردود فعل أردنية وعربية غاضبة

وأضاف أن ضم الضفة الغربية يمثل تهديدًا مباشرًا لأمن الأردن واستقراره، مشيرًا إلى أن الخطوة التي قد تلي الضم ستكون تهجير أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى الأردن، وهو ما سيشكل خطرًا استراتيجيًا على المنطقة بأكملها.

 البستنجي: ضم الضفة الغربية من الغايات الأساسية للكيان

بدوره؛ قال قال الكاتب والمحلل السياسي ضرار البستنجي لـ “نخبة بوست” إن فكرة السيطرة على الضفة الغربية لطالما كانت هدفًا استراتيجيًا للكيان الإسرائيلي، حيث تُعد هذه الخطوة “درة تاج المشروع الصهيوني” وغاية أساسية ضمن أهدافه.

 وأوضح أن هذا التوجه ظهر جليًا منذ اليوم الأول لـ “طوفان الأقصى”، عندما بدأت التصريحات الإسرائيلية بالترويج لقرار فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة.

البستنجي : الاحتلال يسعى لاستغلال الدعم الأمريكي والغربي المطلق لتحقيق أهدافه، وعلى رأسها القضاء على قوى المقاومة في المنطقة والسيطرة الكاملة على الضفة الغربية، باعتبارها جوهر المشروع الصهيوني

وأكد أن إسرائيل تتجه نحو اتخاذ قرار ضم الضفة الغربية، سواءً تم الإعلان عنه رسميًا أم لا، مشددًا على أن إقراره رسميًا سيمنح المؤسسات الإسرائيلية الشرعية اللازمة لتنفيذه بشكل واسع.

وأضاف أن هناك تيارًا داخل الكيان الإسرائيلي وعلى مستوى المنطقة والعالم يعتقد أن فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية يتيح فرصة لإعادة إطلاق المشروع الإسرائيلي بنسخة أكثر دموية واتساعًا، خاصة في ضوء الدعم غير المحدود الذي قدمه ترامب لإسرائيل خلال فترة رئاسته السابقة.

البستنجي:  قرار ضم الضفة الغربية يعتمد على سياسة الدولة العميقة في أمريكا، وليس مرتبطًا بشخصية بايدن أو ترامب

وأوضح أن إسرائيل تخوض حاليًا حربًا على جبهتين رئيسيتين، هما غزة وجنوب لبنان، وتواجه مقاومة شرسة وصمودًا قويًا؛ ومع ذلك، يشعر الاحتلال بأنه حقق جزءًا كبيرًا من أهدافه، ما يدفعه للاعتقاد بقدرته على التوسع والانتقال إلى ساحات أخرى، مؤكدا أن الضفة الغربية لن تكون الساحة الأخيرة التي يسعى الاحتلال للانتقال إليها.

رجال إنقاذ يبحثون بين الأنقاض عن ناجين بعد قصف إسرائيلي على قرية دير قانون جنوبي لبنان. 10 تشرين الثاني 2024

وعن تداعيات قرار الضم، أشار البستنجي إلى أن الاحتلال بدأ منذ الثامن من أكتوبر من العام الماضي، بالتزامن مع العدوان الدموي على غزة، بتكثيف سياساته العدائية في الضفة الغربية، حيث شملت هذه السياسات تنفيذ عمليات اغتيال، وملاحقة النشطاء، واستخدام التكنولوجيا والطائرات الحربية والمسيرة لاستهداف المقاومين.

وأضاف أن الاحتلال يعمل على تغيير الواقع الجغرافي والديموغرافي للضفة، من خلال استهداف البنى التحتية في المخيمات والمناطق التي يتواجد فيها المقاومون، مشيرًا إلى أن هدفه النهائي هو تهجير أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة.

وأوضح أن إسرائيل تتبع سياسة التوازي والتوالي في عدوانها، حيث ركزت في البداية على غزة بدرجة أكبر مقارنة بلبنان، لكن الوضع تغير اليوم مع زيادة التركيز على لبنان وبدرجة أقل غزة والضفة.

البستنجي: عندما يشعر الاحتلال بأنه أنجز أهدافًا حقيقية في لبنان، سينتقل حينها للضفة، والاستهدافات التي تقع في دول عربية تنبئ بوجود ساحة تالية للحرب

وفيما يتعلق بتبعات هذا القرار، أكد البستنجي أن تداعياته ستكون خطيرة، مشيرًا إلى أن الأردن كان من أول الدول التي حذرت من مخاطر بسط السيادة الإسرائيلية على الضفة منذ اليوم الأول للحرب، سواء عبر الخطاب الرسمي أو من خلال تحركات الشارع الأردني.

مسيرات الأردن رفعت شعارات داعمة للمقاومة ومشروعها (رويترز) – 5-1-2024

وأشار إلى أن الأردن يدرك أنه ضمن قوائم الاستهداف الإسرائيلي، ولذلك عمل على دعم أهل الضفة الغربية وتعزيز صمودهم عبر إرسال المستشفيات الميدانية والمواد الغذائية مع بداية الحرب على غزة، في خطوة تعكس إدراكه أن الضفة الغربية ستكون المرحلة التالية للمخططات الإسرائيلية.

حوارات: مخاوف من انتقال سيناريو غزة إلى الضفة

وضمن المحور ذاته؛  أوضح الكاتب والمحلل السياسي الدكتور منذر حوارات أن إسرائيل تمتلك القدرة الكافية لفرض سيادتها على الضفة الغربية، من خلال إصدار قوانين داخلية تشرّع احتلالها للأراضي الفلسطينية، والتنصل من القرارات الدولية، مثل القرارين 242 و338، اللذين يعتبران إسرائيل دولة محتلة ويدعوان إلى حل النزاع على أساس دولي.

حوارات : شروع إسرائيل نحو ضم الضفة الغربية يعد تجاوزًا لجميع الاتفاقيات الدولية، بما فيها اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر على دولة الاحتلال إجراء تغييرات جوهرية على الأراضي المحتلة

وأشار إلى أن إسرائيل تجد نفسها الآن في ظرف ملائم لفرض سيادتها على الضفة الغربية، خاصة مع وجود إدارة أمريكية جديدة تضم خمس شخصيات مؤيدة للفكر الاستيطاني وداعمة لإقامة مشروع “إسرائيل الكبرى”، الذي يسعى للتوسع على حساب أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة.

الإدارة الأمريكية الجديدة لا تعتبر الضفة والقطاع أراضي محتلة، بل تراها جزءًا من إسرائيل، ما يتيح فرصة تاريخية أمام الاحتلال لتحقيق هذه الخطوة، في ظل غياب ضغط دولي حقيقي

وفيما يتعلق بمآلات هذا القرار، بيّن حوارات أن عملية الضم ستؤدي إلى تدمير ممنهج قد يتسبب في اضطرابات كبيرة، مع مخاوف من انتقال سيناريو غزة إلى الضفة الغربية.

فلسطيني يسير بجوار أنقاض بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من المنطقة المحيطة بمستشفى كمال عدوان شمالي قطاع غزة. 26 أكتوبر 2024. (رويترز)

واختتم بقوله “هذه فرصة تاريخية أمام إسرائيل لتنفيذ قرارها بضم الضفة، متجاوزة حقوق الشعب الفلسطيني؛ وفي المقابل، يجب أن تواجه هذه الخطوة بردع إقليمي ودولي، مع ضرورة تحرك سريع قبل تسليم إدارة ترامب السلطة في الولايات المتحدة”.

الفلسطينيون .. بين الصمود والتهجير

مشروع فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية ليس “وليد اللحظة”، بل يمثل جزءًا من مخططات الاحتلال لإقامة “إسرائيل الكبرى”، وهي رؤية يسعى الاحتلال لتحقيقها منذ عام 1948؛ وقد وفر المشهد السياسي الحالي الظروف والأدوات المواتية للبدء بتنفيذ هذا المشروع.

لكن؛ تظل قدرة إسرائيل على تحقيق مخططاتها في الضفة الغربية مرتبطة بمدى صمود أهالي الضفة في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية، التي تحظى بدعم دولي واسع؛ هذا الدعم يمثل عاملاً حاسمًا في سعي الاحتلال لترجمة رؤيته بتحويل الضفة الغربية إلى ما يُسمى بـ “يهودا والسامرة” على أرض الواقع.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version