نخبة بوست – حسين الصرايرة (معهد السياسة والمجتمع)
تتسارع وتيرة التغير المناخي وما تخلفه من أزمات بيئية واجتماعية واقتصادية، وفي ظل ذلك، بات من الضروري أن يتخذ العالم موقفًا موحدًا يعزز الأمن والسلم من خلال استجابة عالمية فعّالة، ويصبح إصدار قرار أممي حول “المناخ والأمن والسلم” حاجة ملحة على مستوى الأمم المتحدة؛ فالترابط الوثيق بين تغير المناخ والأزمات الأمنية والاجتماعية يضع البشرية أمام ضرورة إيجاد إطار عالمي ملزم يحدد أبعاد التهديد المناخي وينظم سبل التعاون الدولي لمواجهته.
تشير تقارير الأمم المتحدة، لا سيما تقرير التقييم السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ [1](IPCC) الصادر في أغسطس/آب عام 2021، إلى أن التغير المناخي يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والأمنية بشكل غير مسبوق. ومع أن المناخ قد لا يكون السبب المباشر في نشوب النزاعات، إلا أنه يلعب دورًا مهمًا كمضاعف للمخاطر، ويزيد من شدة الأزمات في المناطق الهشة التي تعاني أصلاً من تحديات اجتماعية واقتصادية وأمنية، في الوقت الذي رأت دراسات بأن الكوارث البيئية من فيضانات وجفاف وارتفاع مستوى البحر تساهم في زيادة النزوح الداخلي والهجرة القسرية، مما يؤدي إلى ضغوط على البنى التحتية والخدمات الأساسية ويزيد من احتمالات الاحتكاك والنزاع بين المجتمعات[2].
ومع تعاظم تأثيرات التغير المناخي على الأبعاد الاجتماعية والسياسية في جميع أنحاء العالم، يأتي تبني قرار أممي بشأن المناخ والأمن والسلم أمراً ملحًّا. فالقرارات الأممية ليست فقط أدوات للتنظيم، بل توفر أيضًا إطارًا قانونيًا ورمزًا للإرادة الدولية تجاه القضايا المشتركة. كما أن قرارًا كهذا يمكن أن يسهم في وضع آليات واضحة لتقييم المخاطر المناخية على الأمن وتحديد الحلول المناسبة.
في الإطار نفسه، يلعب الأردن دورًا بارزًا في الدعوة إلى تكثيف الجهود الدولية لمواجهة تغير المناخ، خاصة فيما يتعلق بقضايا الأمن والسلم، ويظهر ذلك في الخطاب الأخير لولي العهد الأردني الأمير الحسين، في العاصمة الأذرية باكو[3]، ومن قبله مبادرة “مترابطة المناخ – اللاجئين”[4] التي كان قد أطلقها الملك عبدالله الثاني، في خطوة تسعى إلى التركيز على هذه القضية من زوايا متعددة دون حصرها بالأثر البيئي. ما يطرح أسئلة عديدة حول استراتيجية الدور الأردني في إمساك زمام المبادرة لتبني مشروع قرار أممي كهذا يسعى من خلاله إلى حل معضلات دولية، يعد الأردن من الأكثر تأثرًا بها.
يناقش هذا المقال الأسباب الموجبة وراء ضرورة أن تتبنى الأمم المتحدة قرارًا حول المناخ والأمن والسلم، والفرص الأردنية في لعب دور دبلوماسي عالمي للمضي في هذا المشروع خاصة وأن الأردن من أكثر الأطراف المعنية دوليًّا في هذا الملف الشائك. لا سيما مع تذبذب اقتناع إدارات الاقتصادات العالمية الكبرى في أهمية اعتبار المناخ أزمة حقيقية، ورجوع الكثير من السياسيين عن التزاماتهم تجاه الكوكب.
قرار أممي كضرورة
تظهر أهمية تبني قرار حول المناخ والأمن والسلم في كونه يمكن أن يُلزم الدول الأعضاء باتخاذ خطوات محددة للتعامل مع المخاطر المناخية التي تهدد السلم والاستقرار. على سبيل المثال، يمكن أن يتضمن القرار آليات لتحسين الإدارة البيئية وتعزيز القدرات والإدارات المحلية على التكيف مع المناخ المتغير، والبحث العميق في آثار التنمية العادلة والمستدامة، وخططها التي يجب ألا تودي إلى نزوح أو لجوء بسبب تغير النظم البيئية، مما يساهم في تخفيف التوترات وتحقيق استقرار أكبر في المناطق المتأثرة.
إلى جانب ذلك، تمتلك الأمم المتحدة أدوات وآليات متعددة للتعامل مع الأزمات، إلا أن التحدي المناخي يحتاج إلى إطار قانوني أكثر تخصصًا يحدد التزامات الدول نحو الحد من المخاطر المناخية المتعلقة بالأمن. وقد بدأت الأمم المتحدة بالفعل في خطوات نحو هذا الاتجاه، من خلال إنشاء “آلية الأمن المناخي”[5] التي تساعد في دمج المخاطر المناخية ضمن خطط السلم والأمن العالمية. إذ تقدم آلية الأمن المناخي الدعمَ للبعثات الميدانية ومنسقي الأمم المتحدة المقيمين والمنظمات الإقليمية من أجل إجراء تقييمات لمخاطر الأمن المناخي ووضع استراتيجيات لإدارة المخاطر. وأنشأت الآلية أيضا جماعة الممارسات المهنية المعنية بالأمن المناخي التابعة للأمم المتحدة باعتبارها منتدى غير رسمي لتبادل المعلومات والمشاركة في توليد المعارف. وهذه المجموعة – التي تضم حوالي 25 كيانا من كيانات الأمم المتحدة – تجتمع مرة كل بضعة أسابيع وأبوابها مفتوحة أمام جميع موظفي الأمم المتحدة المهتمين بهذا الموضوع.
من هذا المنطلق، يمكن أن يتضمن القرار الأممي حول المناخ والأمن والسلم توسيع دور “آلية الأمن المناخي” وزيادة دعمها لجهود بناء السلام المراعية للمناخ في مختلف أنحاء العالم، إلى جانب تعزيز الشراكات بين الأمم المتحدة والدول الأعضاء والمنظمات غير الحكومية لتحفيز الحلول المحلية ودعم صمود المجتمعات. ويسهم بهذا الشأن في تعزيز الجهود الدولية لحماية الأفراد المتأثرين بالنزوح المناخي، وتحقيق التوازن في تحمل المسؤوليات بين الدول، مما يعزز الأمن العالمي ويمهد الطريق لاستجابة إنسانية شاملة وأكثر فعالية تجاه الأزمات المناخية.
كما يعد وجود قرار أممي بشأن المناخ يركز على جانبي الأمن والسلم وسيلة مهمة في بناء منظومة دولية أكثر استعدادًا لمواجهة التحديات المناخية المرتبطة بالأمن، ويساعد في تخصيص الموارد اللازمة لتعزيز الجهود الوقائية ودعم المجتمعات الهشة. ومع ذلك، تبقى هناك تحديات كبيرة تواجه هذه الجهود، أهمها التفاوت في الإمكانيات الاقتصادية بين الدول واختلاف المصالح القومية الاقتصادية التي قد تجعل من الصعب تحقيق توافق كامل حول الالتزامات المطلوبة. ولكن يبقى الهدف النهائي هو تعزيز السلم العالمي وتقليل المخاطر الناجمة عن الأزمات البيئية. فيمثل بذلك إصدار هذا القرار خطوة أساسية نحو وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه أزمة تهدد الجميع. فالتغير المناخي لم يعد قضية بيئية بحتة، بل أصبح شأنًا أمنيًّا وسياسيًّا يؤثر على استقرار المجتمعات والأمم. وبالكاد فإن مثل هذا القرار سيجعل من التغير المناخي بندًا أساسيًا في أجندة السلام الدولية، ويتيح للدول آليات واضحة للتعامل مع هذه الأزمة بشكل جماعي ومنسق.
في ضوء تقرير التقييم السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، آنف الذكر، والذي يشير إلى أن العالم يواجه مخاطر غير مسبوقة بسبب تغير المناخ، أكد الأمين العام للأمم المتحدة[6] حينها أن هذه النتائج تمثل “جرس إنذار للبشرية”. ومع أن تغير المناخ نادرًا ما يكون السبب المباشر للنزاعات، إلا أنه يشكل عاملاً مضاعفًا يزيد من نقاط الضعف والمظالم القائمة، مما يعقد استجابة المجتمع الدولي ويجعل تغير المناخ مسألة ذات تأثيرات عميقة على المجالات الاجتماعية والسياسية، وهو الأمر الذي دفع بإدارة الشؤون السياسية والسلام في الأمم المتحدة إلى إدماج مخاطر المناخ في سياق الأمن والسلام العالميين ضمن خطتها الاستراتيجية للفترة 2020-2022[7]، سبقها إنشاء الأمم المتحدة “آلية الأمن المناخي” عام 2018، وهي شراكة بين إدارة الشؤون السياسية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة تهدف إلى دعم البعثات الميدانية والمنسقين المقيمين والمنظمات الإقليمية، وتمكينهم من تقييم مخاطر المناخ ووضع استراتيجيات لإدارتها.
وبالتالي ومما سبق، فإن إصدار قرار أممي بشأن المناخ والأمن والسلم يعد خطوة جوهرية لمواجهة تصاعد أزمة اللجوء البيئي أو المناخي. فالتهجير البيئي يُعد من بين أشد القضايا إلحاحًا، إذ يتسبب التغير المناخي في تفاقم الكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات والجفاف وارتفاع منسوب البحار، مما يجبر ملايين الأشخاص على النزوح من أماكنهم بحثًا عن مناطق آمنة ومستقرة. وبدون إطار قانوني أممي يحمي حقوق هؤلاء اللاجئين، تظل الدول في مواجهة تحديات صعبة تجاه استقبال وتوفير الحماية اللازمة لهم، خاصةً أن الوضع الحالي لا يضمن لهم وضعًا قانونيًا كلاجئين تحت مظلة الاتفاقيات الدولية كاتفاقية اللاجئين لعام 1951، حيث تقتصر على أولئك الذين يفرون بسبب الاضطهاد السياسي أو الحرب. فقرار متخصص أممي كهذا يمكن أن يمهد الطريق لإيجاد وضع قانوني جديد يحمي حقوق اللاجئين المناخيين، ويعزز التعاون الدولي لاستيعاب هذه الفئات المتضررة وتقديم الدعم اللازم لهم.
الأردن والفرصة المناخية
في ظل إصرار أردني على إبراز قضايا حقوق الإنسان في إقليم ملتهب ومتصارع وسط المشاريع الجيو سياسية وربطها بالنزاعات والظروف المتغيرة بصورة متسارعة، كاللاجئين والتغير المناخي، فإنه بات كجهد رئيسي على الأدوات الدبلوماسية الأردنية أن تدافع عن اللاجئين الحاليين وتدفع نحو عدم حدوث موجات متوقعة من اللجوء، فيقف الأردن مع وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، إلى جانب مطالبات المملكة الواضحة والصريحة بالإعادة الطوعية للاجئين السوريين. فالأردن اليوم يقف أمام موجة جديدة وفريدة النمط من اللجوء والنزوح والهجرة التي لم تفرضها فقط الصراعات المسلحة بل التغيرات المناخية الحادة أيضًا والتي جعلت من خطط التنمية أمام تحد حقيقي فيما إذا كانت هذه التنمية مستدامة وقابلة للمراجعة بعد خمس سنوات في 2030، أم أن أهداف التنمية المستدامة الــ17 ستبقى مجرد ألوان على ورق.
من جانبه يلعب الأردن، دورًا بارزًا في الدعوة إلى تكثيف الجهود الدولية لمواجهة تغير المناخ. ويعتبر الأمير الحسين من بين الأصوات الشابة في الساحة العالمية التي تدافع عن قضايا الشباب والأمن، التي لا تنفصل بصورة أساسية عن المناخ، حيث قاد تحركًا دوليًا عام 2015 نتج عنه تبني قرار مجلس الأمن رقم 2250 بشأن “الشباب والأمن والسلم”. وفي تصريحاته الأخيرة ضمن “كوب 29” المنعقد في باكو، أذربيجان، أشار بوضوح إلى ضرورة وجود توافق عالمي حول الربط بين المناخ والأمن والسلم، وهو ما يؤكد رؤية الأردن الطموحة لقيادة جهود دولية جديدة تسعى إلى إقرار قرار أممي شامل حول هذه القضية، وأن يكون الأردن محفزًا لهذه المبادرة الطموحة في مجلس الأمن.
وكما يطرح المكلومون من تدهور الأوضاع الإنسانية في الشرق الأوسط، في غزة ولبنان واليمن والسودان وغيرها، تلك التي جعلت أرقام ضحاياها هي الشاهد الوحيد على غياب الدور الدولي والقانون الإنساني في إيقاف هذه الحرب، فليس شرطًا أن تكون واضحة الخصوم، بل أن تكون الدوافع موجودة والركن الجرمي المادي حاضرًا في مئات الآلاف من الأرواح التي خسرناها أو تنتظر دورها مع وقف التنفيذ.
وبناء عليه يمكن لقرار أممي حول المناخ والأمن والسلم أن يلزم الدول بتبني سياسات تساهم في تحقيق الاستقرار والتكيف المناخي، سواء في الدول المتأثرة بالنزوح البيئي أو في البلدان المستقبلة. هذا يشمل توفير الدعم التقني والمالي للمجتمعات المهددة، وتقوية البنية التحتية في الدول المضيفة لتحمل ضغوط النزوح. كما قد يشمل توجيه الدول لإنشاء برامج وطنية وإقليمية تساعد على إعادة توطين النازحين في أراضيهم الأصلية، خاصة في الدول الجزرية أو المناطق الزراعية المهددة بالتصحر والجفاف الشديد. فيمهد إصدار قرار أممي يُمكن المجتمع الدولي من التعاون بطرق ملموسة لإنشاء آليات مشتركة للتعامل مع النزوح المناخي، مثل إنشاء صندوق تمويل خاص للمساعدات الإنسانية للأشخاص المتضررين من التغير المناخي، وتطوير برامج للإغاثة الطارئة، والبنية التحتية المطلوبة لإعادة توطين النازحين. التعاون الدولي سيكون حيويًا لضمان استدامة الموارد وتقديم الإغاثة الفعالة للمجتمعات التي تتحمل وطأة الأزمات المناخية. ويمثل هكذا قرار خطوة نحو تعديل التشريعات الدولية بحيث تشمل حقوق اللاجئين المناخيين، سواء من خلال توسيع نطاق الحماية التي توفرها الاتفاقيات القائمة أو صياغة إطار جديد يُراعي المتغيرات المناخية. هذا من شأنه أن يوفر ضمانات قانونية للأشخاص المتأثرين ويخفف من ضغوط الهجرة غير النظامية، مما يساهم في الحفاظ على الأمن والسلم في الدول التي تتأثر بالتدفقات البشرية الناتجة عن الكوارث المناخية.
إلى جانب ما سبق، كان الأردن قد اكتسب مكانة دولية من خلال دوره الريادي في دعم القضايا الدولية عبر مجلس الأمن، وخاصة من خلال القرار 2250، الذي ركز على تمكين الشباب واعتبارهم عنصراً فاعلاً في تحقيق الأمن والسلم الدوليين. وتميز هذا القرار، الذي اقترحه ولي العهد الأمير الحسين، بأنه الأول من نوعه في تاريخ الأمم المتحدة، حيث ركز على تمكين فئة الشباب وجعلهم جزءًا أساسيًّا من الجهود الدولية لحفظ السلم والأمن. وقد اعتمد هذا القرار بالإجماع ليصبح سابقة يمكن الاستفادة منها في توجيه الجهود نحو قضايا أخرى مثل المناخ. وهو قرار بات اليوم في إطار مراجعة ملحة بعد مرور 10 سنوات على إقراره.
بموجب ميثاق الأمم المتحدة، يمتلك مجلس الأمن صلاحية التدخل في القضايا التي تهدد السلم والأمن الدوليين، وهو ما يمنح المجلس الحق في اتخاذ قرارات ملزمة للدول الأعضاء في حالة وجود تهديدات جدية. وقد سبق لمجلس الأمن أن تعامل مع قضايا غير تقليدية، مثل الإرهاب وانتشار الأسلحة النووية، واعتبرها تهديدات مباشرة للأمن الدولي، وفقاً للمادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة، في الوقت الذي يُعتبر تغير المناخ تهديدًا شرعيًّا للأمن الدولي؛ وبالتالي، يمكن إصدار قرار لمواجهة تداعياته.
كما أن هناك سوابقًا لإصدار قرارات تركز على قضايا بعينها، مثل القرارات المتعلقة بالكوارث الصحية مثل جائحة “إيبولا” التي اعتبرتها الأمم المتحدة تهديداً للأمن الدولي في عام 2014، حيث أُصدر قرار أممي للحد من انتشار الوباء وتعزيز التعاون الدولي للتصدي له وعلى هذا النحو، ويعتبر تغير المناخ قضية مشابهة تحتاج إلى تدخل دولي منظم، حيث يمكن للأردن أن يلعب دوراً قيادياً في صياغة قرار ملزم يساعد الدول على تنفيذ التدابير اللازمة للتصدي للأزمات المناخية.
المناخ والإنسان، حقيقة قادمة
يؤثر تغير المناخ بشكل مباشر على الوضع الإنساني حول العالم، حيث يؤدي إلى زيادة عدد اللاجئين والمهاجرين البيئيين بسبب الكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات والجفاف. وتوضح تقارير الأمم المتحدة أن التغيرات المناخية قد تؤدي إلى نزوح ما يقرب من 200 مليون شخص بحلول عام 2050، نتيجة فقدان الأراضي الصالحة للسكن والزراعة حسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين[8]، وبهذا، يصبح من الضروري أن يتم تبني سياسات دولية ملزمة للتعامل مع هذه الأزمات بما يضمن تحقيق الأمن والسلم.
إضافة إلى ذلك، يؤدي تغير المناخ إلى تصاعد التوترات السياسية، خاصة في المناطق التي تعاني من شح الموارد، مما يزيد من فرص النزاعات المسلحة. كما أن التأثيرات الاقتصادية السلبية لتغير المناخ، مثل ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقص المياه، تؤدي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية، مما يعزز من احتمالات النزاعات الداخلية والخارجية وفق تقرير مهم للبنك الدولي عام [9]2022. لذا، فإن قرارًا أمميًّا حول “المناخ والأمن والسلم” قد يكون خطوة حاسمة في تحفيز الدول على تبني سياسات بيئية تعزز الأمن والاستقرار.
لكن وبالرغم من الحاجة الماسة لقرار حول المناخ والأمن، قد تواجه المبادرة الأردنية تحديات متعددة، أبرزها المصالح الاقتصادية للدول الكبرى. فبعض الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، مثل روسيا والصين والولايات المتحدة، قد تكون لديهم تحفظات على إصدار قرار من هذا النوع، حيث تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على الوقود الأحفوري. لذلك، قد يجد الأردن صعوبة في إقناع هذه الدول بدعم القرار، مما يستلزم حشد تأييد دولي واسع من خلال التنسيق مع الدول المتضررة من تغير المناخ، وتشكيل تحالفات قوية داخل مجلس الأمن. إلا أن هذا القرار -وبالرغم من ذلك- يشكل خطوة أممية استراتيجية عابرة للحكومات والإدارات التي ما زالت تشكك في أن التغير المناخي حقيقة يجب العمل على جاهزية متوازيي المنعة والتكيف للتقليل من تداعياتها التي يصعب احتسابها أو تقدير سلوكها.
هنا، يمتلك الأردن فرصة تاريخية لتغيير مسار السياسات الدولية نحو ربط المناخ بالأمن والسلم، وفي ظل التحديات البيئية العالمية التي تواجهنا، فإن مبادرة من هذا النوع ستشكل نقلة نوعية في جهود المجتمع الدولي للتصدي لتغير المناخ وتعزيز الاستقرار والأمن الدوليين. بالاعتماد على التجارب السابقة في مجلس الأمن، وتبني استراتيجيات دبلوماسية فاعلة، يمكن للأردن أن يمهد الطريق نحو إصدار قرار يُعنى بالأمن المناخي كجزء أساسي من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.