* ليست المشكلة في لبنان هذه الحرب المستعرة؛ هذا اجتزاء كبير ولا يعبر عن واقع الحال المستعصي منذ عقود في جميع مفاصل الدولة اللبنانية
* توقف الحرب ضمن اتفاق ما يجري العمل عليه، لا يعني بالضرورة خروج لبنان من أزمته المزمنة
* الحرب ستنتهي ربما قريبا، لكن ماذا بعد؟ هل سيعود الداخل اللبناني لاجترار الحلول المؤقتة، ضمن ترتيبات قصيرة المدى، ولا تعبر عن توافق حقيقي وإنما توافق اضطراري تحت ضغوط خارجية وصرخات داخلية
* من هنا تظهر الحاجة الملحة لعقد طائف جديد، بمعنى ضرورة مراجعة واعية لاتفاق الطائف بعد عقود طويلة من تطبيقه، ولا يعني ذلك المساس بالركائز الأساسية للعقد السياسي الذي تآلفت عليه الأطراف اللبنانية
نخبة بوست – كتب: هزاع البراري ( الكاتب والمحلل السياسي)
ليست المشكلة في لبنان هذه الحرب المستعرة، هذا اجتزاء كبير ولا يعبر عن واقع الحال المستعصي منذ عقود في جميع مفاصل الدولة اللبنانية، بمعنى أن توقف الحرب ضمن اتفاق ما يجري العمل عليه، لا يعني بالضرورة خروج لبنان من أزمته المزمنة.
وقد رافق ذلك تراجع أصدقاء وأشقاء لبنان عن مواصلة مؤازرته ودعمه ماديا وسياسيا، بعد أن استولى فصيل واحد على قرارات الدولة السيادية، وتمكن من بناء تحالف مصلحي داخل لببان، مستفيدا من حالة الانتهازية السياسية التي تضع هؤلاء الحلفاء في سدة الحكم دون أن يدلل ذلك على قاعدة شعبية حقيقية، أو تعبر عن غالبية راضية مطمئنة، وهو ما أفرغ اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية وانقذ لبنان من دمار طال الأخضر واليابس من محتاوه الحقيقي.
الحرب ستنتهي ربما قريبا، لكن ماذا بعد؟ هل سيعود الداخل اللبناني لاجترار الحلول المؤقتة، ضمن ترتيبات قصيرة المدى، ولا تعبر عن توافق حقيقي وإنما توافق اضطراري تحت ضغوط خارجية وصرخات داخلية، توافق سطحي سريع العطب قد ينتج رئيس للدولة وحكومة جديدة، ثم ما نلبث أن نجد جليد النوايا يجمد كل شيء ويصيب مفاصل الحكومة والبرلمان بالشلل أو شبه الشلل، وهذا ليس من شأنه أن يطور حلا جذريا، ولا أن يخرج البلاد من حالة الاستعصاء العامة، طالما ظلت القوى ذاتها تمارس التصرفات ذاتها وضمن مرجعيات كل طرف الخارجية أو تحالفاته الداخلية، فتتوقف مدافع وطائرات الحرب، لكن يظل لبنان يطبخ على فوهة بركان نشط يهدد بالانفجار في أي لحظة.
نعم قد تكون الحرب فرصة للمراجعة والتقييم، والدخول في عملية سياسية وطنية عميقة، تتطلب الانسلاخ عن سلطة المحاور والأحلاف، وأن تتخلى كثر من الفصائل أو المكونات الطائفية والسياسية وعلى رأسها حزب الله عن دورها الوظيفي كأدوات في يد هذه الدول التي تمارس مصالحها بعيدا عن أرضها وشعبها، وتقاتل بغير سيوفها وجنودها، إذ عملت هذه الدول في سبيل تحقق مبتغاها على استبدال الدولة اللبنانية السيادية بقوى ترتبط بها لا بمصلحة لبنان، فهل يستفيد قادة لبنان من الدرس؟ لا خيار عن ذلك من أجل لبنان جديد حر وديمقراطي حقيقي، ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا من خلال تغليب مصلحة لبنان على أي مصلحة أخرى، فالحل بالضرورة أن ينتج عن حاجة داخلية ملحة يرافقها تحرك تاريخي لأقطاب الحكم ورجالات السياسة اللبنانيين، وكل هذا لن يحدث إذا تمسك كل طرف بما حازه من مكاسب سياسية ونفوذ داخلي، أو احتج كل طرف بأن أي حالة تخلي لصالح لبنان قد تزعزع زعامتهم الطائفية أو الحزبية.
ونحن نعي أن حالة الاستياء والاحباط طالت كل هذه القواعد الشعبية حتى برز قبل سنوات شعار ثوري داخلي ” كلن يعني كلن ” ليعبر عن سخط المواطن اللبناني بغض النظر عن طائفته أو لونه السياسي اتجاه الطبقة السياسية بكل مستوياتها ورغبته بتغييرها من أجل إحداث تغيير جذري في البلاد.
من هنا تظهر الحاجة الملحة لعقد طائف جديد، بمعنى ضرورة مراجعة واعية لاتفاق الطائف بعد عقود طويلة من تطبيقه، ولا يعني ذلك المساس بالركائز الأساسية للعقد السياسي الذي تآلفت عليه الأطراف اللبنانية، لكن لا بد من نسخة جديدة ومحدثة.
واعتقد أن دولة مثل المملكة العربية السعودية هي الأقدر على قيادة حراك لبناني عربي تحت مظلة جامعة الدول العربية، وتحديث اتفاق الطائف التاريخي، وربما من الأهمية بمكان أن يتم انتخاب رئيس الدولة من الناخب مباشرة ضمن الركائز السابقة، وأن تنال الحكومة ثقة مجلس النواب، حتى لا يكون مجلس النواب بصورته الحاليه هو أحد أهم أدوات التعطيل السياسي، بل يكون مفتاح الحل والحلحلة والضامن الحقيقي لحماية الدولة من التجاذبات الإقليمية والمصالح غير الوطنية.
هنا أيضا تبرز أهمية إعادة تأهيل الجيش اللبناني وتقويته وتسليحه وزيادة عدد أفراده وأن يكون هو حامل السلاح الوحيد، بالإضافة إلى تقوية قوى الأمن الداخلي والدرك والشرطة والمخابرات، وتكون هذه المؤسسات على كفاءة عالية، تضمن وحدة لبنان وسيادته الكاملة، وبسط هيبة الدولة في الداخل والخارج.