نخبة بوست – بقلم: باتر محمد علي وردم

انتهت قبل أيام في باكو عاصمة أذربيجان أحداث المؤتمر العالمي التاسع والعشرون حول تغير المناخ، وهي سلسلة من مؤتمرات المناخ الدولية التي تنظمها الأمم المتحدة لدعم المضي قدما في مفاوضات دولية معقدة لحماية كوكب الأرض وسكانه من التداعيات السلبية لتغير المناخ، وضمان تنفيذ الإجراءات والمشاريع التي من شأنها تخفيف نسبة انبعاثات غازات الدفيئة وزيادة قدرة المجتمعات وعناصر البيئة على التكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ.

كل هذه المؤتمرات باستثناء مؤتمر كيوتو في 1997 وباريس في 2015 انتهت إما بالفشل أو بالعجز عن تحقيق تقدم ملموس

وردم يكتب: الأردن بعد مؤتمر المناخ؛ الفرص والتحديات المناخية
الكاتب باتر وردم

وكان المؤتمر الأخير في أذربيجان واحدا من أكثرها فشلا نتيجة غياب الإدارة الناجحة للمؤتمر في دولة لا تأخذ موضوع تغير المناخ بجدية، وفي ظل غياب القيادة السياسية العالمية وظهور شبح دونالد ترامب على أجواء المؤتمر مع الثقة شبه الحتمية بأن الرئيس الأميركي المنتخب سيقرر مرة أخرى الإنسحاب من الإلتزامات الدولية تجاه تغير المناخ وبخاصة التمويل والانتقال العادل والتحول نحو مصادر الطاقة البديلة والخضراء.

المؤتمر الأخير في أذربيجان واحدا من أكثرها فشلا نتيجة غياب الإدارة الناجحة للمؤتمر في دولة لا تأخذ موضوع تغير المناخ بجدية

شارك الأردن بوفد متعدد الخبرات والمهام في المؤتمر، وتمكن من طرح وجهات النظر الأردنية في المفاوضات الرئيسية بشكل رسمي، كما تمكن المشاركون الأردنيون وخاصة من الشباب من المشاركة بشكل فعال في الجلسات الفنية والعلمية التي أقيمت في أجواء المؤتمر وهي أنشطة تساهم في التشبيك وبناء القدرات والتواصل مع المؤسسات الدولية الفاعلة ولكن لا تأثير مباشر لها على مجرى المفاوضات.

وفي هذا السياق لا بد من التأكيد بأن مؤتمر المناخ السنوي، بالرغم من طبيعته الاستعراضية والاهتمام السياسي والإعلامي الذي يتمتع به فإنه لا يشكل المحور الأساسي في العمل المناخي بل أن هذا التحدي يتم مواجهته لمدة 365 يوما في السنة وفي كل الأبعاد البيئية والاقتصادية والسياسية والتنموية المرافقة له وخاصة على الصعيد الوطني.

مؤتمر المناخ السنوي، بالرغم من طبيعته الاستعراضية والاهتمام السياسي والإعلامي الذي يتمتع به فإنه لا يشكل المحور الأساسي في العمل المناخي

تغير المناخ قضية أمن وطني للأردن

لا يزال التغير المناخي قضية تناقش في الأوساط العلمية والاجتماعية أكثر مما تناقش في الأوساط السياسية في الأردن، فهي ليست في مكان متقدم على الأجندات الحكومية والحزبية والبرلمانية. ولكن رؤية الأردن الاستراتيجية للأمن الوطني تتعلق بشكل واضح بالموارد الطبيعية مثل المياه والطاقة والغذاء والتي تتأثر كلها بالوضع الحالي والمستقبلي لتغير المناخ.

ومن المؤكد أن القيادة السياسية في الأردن تدرك مخاطر تغير المناخ على الأمن الوطني وهذا ما أثبتته كلمة سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله في مؤتمر أذربيجان حيث أكد سموه على “الحاجة إلى نهج شمولي لمعالجة تحدي المناخ بشكل عادل، يتضمن النظر في العلاقة بين المناخ والسلام والأمن”. وشدد على أن “عدم الاستقرار وغياب العدالة، يجعل أزمة المناخ تشكل ضغطًا مضاعفًا على الدول، وبدورها تكون سببًا في انعدام الامن والسلام”.

أظهر العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية ولبنان، إضافة إلى تأثيرات الحروب الإقليمية والعالمية مدى تأثر الأردن بسلاسل الإمداد الغذائي والطاقي العالمي إضافة إلى عدم التوصل إلى اتفاقيات مائية مع دول الجوار

أظهر العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية ولبنان، إضافة إلى تأثيرات الحروب الإقليمية والعالمية مدى تأثر الأردن بسلاسل الإمداد الغذائي والطاقي العالمي إضافة إلى عدم التوصل إلى اتفاقيات مائية مع دول الجوار نتيجة الصراعات السياسية وغياب عوامل الثقة وكذلك الحروب الداخلية في بعض الدول والتي جعلت من إدارة الموارد المائية فيها أمرا صعبا جدا وخارجا أحيانا عن سيطرة الدولة المركزية وهذا يعني صعوبة التوصل إلى اتفاقيات إقليمية.

حاجة الأردن إلى تعزيز أمن الطاقة والمياه من مصادر موثوقة أصبح عبئا جيو سياسيا كبيرا سيتضاعف نتيجة تغير المناخ. ينجح الأردن بشكل كبير في توفير مخزون كاف من القمح والحبوب الاساسية بشكل استباقي ومن خلال مصادر متنوعة، كما أن الإنتاج الكهربائي الداخلي أصبح مستقرا جدا ويغطي الاحتياجات المحلية وزادت نسبة الموارد المتجددة عن 27% من الكهرباء المنتجة داخليا ولكن التحدي يبقى في استيراد النفط والغاز الطبيعي من مصادر آمنة وبأسعار مناسبة وبدون الخضوع للابتزاز السياسي. المعضلة الأكبر في الأردن هي الموارد المائية الشحيحة مما يجعل تنفيذ مشروع الناقل الوطني أولوية رئيسية للأردن لاستمرار الإمداد المائي بما يخدم النمو السكاني والاقتصادي.


كل الدراسات العلمية التي تم إجراؤها في الأردن من خلال باحثين وطنيين أو عالميين أو مؤسسات دولية باستخدام أحدث البيانات والنماذج المناخية تشير إلى أن تأثيرات تغير المناخ من نقص في الهطول المطري وزيادة معدل درجات الحرارة والأيام الحارة إضافة إلى تزايد معدل حدوث الحالات الجوية الحادة مثل الفيضانات أصبحت جميعا واقعا ملموسا في الأردن ومعرضا للزيادة في المستقبل.

مع أن هذه المخاطر تبقى تعاني من حالة من عدم اليقين العلمي الذي يؤثر على معظم النماذج المناخية نتيجة عدم اكتمال البيانات الأولية ولكن الصورة العامة للتغيرات المناخية واضحة وتم ربطها مع بعض السياسات القطاعية مثل المياه والزراعة والتخطيط الحضري

ولكن ربط هذه المعطيات معا من خلال مقاربة مناخية استراتيجية تتعلق بالأمن القومي لا يزال غائبا حتى الآن وهذا ما يتطلب دورا رئيسيا للسياسات الاقتصادية العامة وخاصة رؤية التحديث الاقتصادي وكذلك دور المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات والذي يجب أن يعتبر تغير المناخ خطرا أمنيا حقيقيا على المستويات الاقتصادي والسياسي والبيئي ويضع الخطط الملائمة على المستوى الوطني للتعامل معه.

يمكن للأردن بالرغم من الموارد الطبيعية المحدودة أن يشكل نموذجا واقعيا للإرتقاء في العمل السياسي والتنموي تجاه مواجهة تحديات المناخ من خلال مؤسسات رسمية متمكنة ومدنية نشطة وفاعلة وقطاع خاص يمتلك مرونة استراتيجية في التصدي لهذه التحديات واغتنام الفرص الكامنة، وهذا توجه وطني لا يعتمد بالضرورة على مدى تقدم أو تأخر المفاوضات العالمية.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version