* عطوان: اتفاق التهدئة “مؤامرة” أضاعت الإنجازات والانتصارات التي حققها حزب الله؛ وهذه “هدية على طبق من ذهب” لاسرائيل
* السبايلة: الصراع توقف نظريًا لكنه مستمر عمليًا، وإسرائيل حولت لبنان إلى ساحة مفتوحة للعمليات مع تقليص حدة الحرب التقليدية
* أبو زيد: الاحتلال فشل في تحقيق “النصر” أو إعادة سكان الشمال، وتكبد الخسائر في جنوب لبنان
نخبة بوست – محرر الشؤون السياسية
بعد 14 شهرًا من القتال، بدأ فجر اليوم تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني والذي من المتوقع أن يستمر في مرحلته الأولية لمدة 60 يومًا وسط تساؤلات حول مدى قدرته على الصمود.
الاتفاق الذي طال انتظاره؛ حظي بدعم من القادة الإسرائيليين، فيما أبدى قادة حزب الله تأييدًا مبدئيًا للاتفاق الذي تم بوساطة أمريكية.
ورغم أن هذه المواقف الأولية تبعث الآمال بوقف الأعمال العدائية، فإنها تُعيد طرح التساؤلات المعقدة في منطقة أنهكتها الحروب والنزاعات التي راح ضحيتها أبرياء؛ فهل سينجح الاتفاق في إنهاء القتال الذي استمر لأكثر من عام على الحدود، وأودى بحياة أكثر من 4000 شخص غالبيتهم من المدنيين اللبنانيين وأجبر أكثر من 1.2 مليون لبناني و50 ألف إسرائيلي على النزوح من منازلهم؟
إذ يرى مراقبون أن هذا الاتفاق قد يساهم في تهدئة التوترات بشكل مؤقت، لكنه قد لا يكون كافيًا لإنهاء الحرب الأكثر دموية التي اندلعت في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
في معادلة الربح والخسارة .. من المنتصر ؟
ولعل النقاش الدائر على الساحتين العربية والدولية اليوم يكمن بجدلية المنتصر والخاسر في هذه المعركة؛ حيث تأتي الهدنة في لبنان اليوم بعد أشهر من القصف المتبادل عبر الحدود، وسط حديث إسرائيلي عن “تحقيق انتصارات كبرى”، من ضمنها اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وعدد من كبار قادته، بالإضافة إلى تدمير واسع للبنية التحتية للحزب.
وفي المقابل، شهدت العديد من مراكز النزوح اللبنانية مظاهر فرح، كما ارتفعت أصوات الرصاص احتفالًا في الضاحية الجنوبية لبيروت؛ ورغم هذه الأجواء، خيّم شعور بالمرارة على كثير من اللبنانيين، خاصة مع مشاهد الدمار الهائل الذي لحق بمناطق واسعة من البلاد.
لكن الغصة الأكبر كانت من نصيب النازحين الذين لن يتمكنوا من العودة سريعًا إلى قراهم المدمرة في الجنوب؛ فقد حذر الجيش الإسرائيلي النازحين من العودة إلى المناطق التي أُجبروا على إخلائها، مع بدء سريان الهدنة.
عطوان: اتفاق التهدئة “مؤامرة” أضاعت الإنجازات والانتصارات التي حققها حزب الله
من جانبه انتقد الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني عبد الباري عطوان بشدة اتفاق “الهدنة” بين اسرائيل وحزب الله واصفا قرار وقف اطلاق النار في لبنان دون وقف اطلاق النار في قطاع غزة بأنه خطوة “غير متوقعة”.
وبحسب عطوان فإن حزب الله قدم لإسرائيل فرصة للنجاة من واحدة من أكبر هزائمها في تاريخها، بعد أن تمكن الحزب من تحقيق انتصار تاريخي على دولة الاحتلال في الآونة الأخيرة.
ووصف عطوان – في مقطع مصور بث عبر اليوتيوب أمس – هذه التهدئة بأنها مؤامرة أضاعت الإنجازات والانتصارات التي حققها حزب الله، مشيرًا إلى أن التريث كان ضروريًا، خاصة وأن إسرائيل أدركت هزيمتها بسرعة، فسارعت إلى المطالبة بوقف إطلاق النار.
وأوضح عطوان أن هذا التوقف منح الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “هدية على طبق من ذهب”، حيث حماهما من المساءلة بشأن الاتهامات الموجهة إليهما بارتكاب جرائم حرب، كما أن وقف إطلاق النار لا يخدم مصالح المحكمة الجنائية الدولية في ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين.
وتساءل عطوان عن كيفية توقيع الاتفاق دون الكشف عن تفاصيله أو إطلاع الرأي العام اللبناني عليه، أو حتى توضيح الأسباب التي دفعت إلى اتخاذ هذا القرار؛ مشيرا إلى أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لعبت دورًا كبيرًا في الضغط على نتنياهو لوقف الحرب، لتجنب كشف المزيد من الحقائق أمام الرأي العام؛ كما تساءل عن سبب قبول فرض هذه الشروط بهذه الطريقة.
السبايلة: الصراع توقف نظريًا، لكنه مستمر عمليًا
بدوره؛ قال الخبير الاستراتيجي د. عامر السبايلة في تصريح خاص لـ “نخبة بوست” إن قرار وقف إطلاق النار بين اسرائيل وحزب الله اللبناني لا يعني بالضرورة إغلاق الجبهة، موضحًا أن هذا الاتفاق يشبه إلى حد كبير ما قامت به إسرائيل في غزة، حيث خفضت مستوى الحرب لكنها أبقت الساحة مفتوحة.
وأشار إلى أن خفض مستوى التصعيد في جبهة معينة يعني أن إسرائيل قد تنقل تركيزها تدريجيًا إلى جبهات أخرى، مثل سوريا والعراق، مع استمرار العمليات الاستخبارية أو العسكرية ذات الطابع الاستخباري في لبنان.
وأوضح السبايلة أن إسرائيل حولت لبنان إلى ساحة مفتوحة للعمليات مع تقليص حدة الحرب التقليدية، ما يعني أن الصراع توقف نظريًا، لكنه مستمر عمليًا، ويمتد إلى مناطق جغرافية أخرى.
ولفت إلى تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن التركيز على إيران في هذه المرحلة، وهو ما يشير إلى أن إسرائيل قد تتجه نحو العراق بعد احتواء الوضع في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا.
ومن منظور واشنطن، يرى السبايلة أن الإطار الحالي يمثل محاولة لاحتواء الجبهات وضمان أمن إسرائيل من خلال الوسائل الدبلوماسية؛ وبالتالي، تعتقد الولايات المتحدة أنها نجحت في تأمين إسرائيل وإيقاف الحرب مؤقتًا عبر هذا المسار.
وفي هذا السياق، توقع السبايلة أن تسعى واشنطن للتحرك نحو جبهات أخرى، أبرزها غزة، مع ممارسة ضغوط على العراق لاعتماد نهج مماثل.
أبو زيد: الاحتلال فشل بتحقيق “النصر” وتعرض للخسائر في جنوب لبنان
وفي تعليقه على الهدنة الاسرائيلية – اللبنانية؛ قال الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد في تصريح خاص لـ “نخبة بوست” إن اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والاحتلال جاء ضمن التوقعات، حيث أُرغم الاحتلال على التفاوض بعد الخسائر التي تعرض لها في جنوب لبنان وفشله في تحقيق أهداف عمليته العسكرية بإعادة سكان الشمال بالقوة.
وأضاف أبو زيد أن تطبيق الاتفاق جاء في إطاره العام ضمن القرار الدولي 1701، الذي كان الاحتلال يرفضه، لأنه يدرك أن هذا القرار يعني الانسحاب من 13 نقطة حدودية يحتلها داخل لبنان منذ عام 2000، بالإضافة إلى الانسحاب من قرى الغجر والتفاوض على مزارع شبعا. وهذا يشير إلى أن الاحتلال أُجبر على القبول بالتفاوض وفق شروط حزب الله، وليس وفق مقاييسه.
وأكد أبو زيد أن معادلة فصل المقاومة في غزة عن حزب الله، التي يتحدث عنها الاحتلال كـ “إنجاز”، لم تكن ضمن أهدافه العسكرية وليست دقيقة في الأساس، لأن معادلة المقاومة كانت تقوم على وحدة الساحات واستقلالية الجبهات، كلٌّ وفق مصالحه. كما أن حركة حماس نفسها باركت وقف إطلاق النار في لبنان واعتبرته انتصارًا لحزب الله، مما يؤكد أن المقاومة في غزة التزمت بمسار استقلالية الجبهات.
وأشار أبو زيد إلى أن تأكيد المقاومة في غزة على مواصلة القتال يدل على أن الاحتلال لم ينجح في تبريد جبهة غزة. بل أصبح في وضع يحتاج فيه إلى مبادرة دبلوماسية أخرى تخرجه من مأزق الخسائر هناك، في ظل فشل خطة الجنرالات وعدم امتلاكه ترف الوقت أو الخيارات العسكرية. كما أن البحث عن بدائل عملياتية لن ينجح إلا عبر مسار دبلوماسي يتيح له، على الأقل، تحقيق أحد أبرز أهداف عمليته العسكرية في غزة، وهو إطلاق سراح الأسرى.
تفاؤل حذر ..
مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وعودة النازحين فجراً إلى منازلهم في الضاحية الجنوبية لبيروت، البقاع، وقُرى الجنوب، لا يزال القلق يُخيّم على الشارع اللبناني.
إذ يتخوّف البعض من انهيار الهدنة خلال المهلة الزمنية المحددة بشهرين، والتي نص عليها الاتفاق بهدف انسحاب حزب الله والقوات الإسرائيلية من الجنوب اللبناني.
ورغم التفاؤل الحذر، تظل بعض النقاط غير واضحة، خاصة فيما يتعلق بحق إسرائيل في ضرب حزب الله مباشرة دون الحصول على إذن، في حال اعتقادها بحدوث انتهاك للاتفاق، وذلك على الرغم من تأكيد الحكومة الإسرائيلية على هذا الأمر.
كما تبقى الأنظار متجهة نحو قطاع غزة، الذي يعاني ويلات الحرب منذ أكثر من عام، وسط آمال بأن يُفضي الوضع الحالي إلى اتفاق يلوح في الأفق بين حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وحكومة بنيامين نتنياهو.
يأتي ذلك في وقت توقفت فيه جبهة الجنوب اللبناني عن إطلاق النار، والتي كانت تشكّل دعماً لغزة، ما يفتح المجال أمام جهود دبلوماسية محتملة لإنهاء الأزمة.