* الرداد: مذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت تكشف جرائم إسرائيل لكنها تواجه عراقيل التنفيذ
* أبو طير: مذكرة الجنائية الدولية إدانة حاسمة لإسرائيل لكن الالتفاف عليها “وارد”
* الحوارات: مذكرة الجنائية الدولية تفضح جرائم إسرائيل وتضع العالم أمام اختبار العدالة
نخبة بوست – شذى العودات
في خطوة غير مسبوقة، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، متهمةً إياهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال العمليات العسكرية في قطاع غزة؛ تشمل التهم الموجهة استخدام التجويع كأداة حرب وشن هجمات ممنهجة ضد المدنيين .
يهذا القرار يعتبر سابقة في ملاحقة قادة إسرائيليين على هذا المستوى، مما يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لمدى التزامه بمبادئ العدالة الدولية. ورغم أهمية هذه الخطوة، تبرز تساؤلات حول إمكانية تنفيذ هذه المذكرات، خاصةً أن إسرائيل ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، وترفض الاعتراف بولايتها القضائية؛ كما أن دولًا مثل الولايات المتحدة أعلنت عدم اعترافها بقرارات المحكمة في هذا السياق.
إلا أن مواقف بعض الدول، كفرنسا، التي أكدت تمتع نتنياهو بالحصانة، تعكس تعقيد المشهد القانوني والسياسي المحيط بهذه القضية.
إذ تواجه المحكمة الجنائية الدولية تحديات كبيرة تتعلق بقدرتها على فرض قراراتها، لا سيما أن إسرائيل ليست عضوًا في المحكمة، كما أن الولايات المتحدة، الحليف الأبرز لإسرائيل، ترفض الاعتراف بسلطتها.
وفي ظل هذه المعطيات، تصبح إمكانية تنفيذ المذكرة موضع شك كبير، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة تتراوح بين الالتفاف على القرار أو استغلاله كوسيلة ضغط دولية في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
سابقة تاريخية ..
تُعتبر المحكمة الجنائية الدولية الهيئة القضائية الدولية المسؤولة عن محاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية.
وعلى مر العقود، أصدرت المحكمة مذكرات اعتقال بحق عدد من القادة والرؤساء؛ من أبرز هذه الحالات:
- عمر البشير: في عام 2009، أصدرت المحكمة مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني السابق عمر البشير بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور. ورغم صدور المذكرة، تمكن البشير من السفر إلى عدة دول دون أن يتم اعتقاله، مما أثار تساؤلات حول فعالية المحكمة وقدرتها على تنفيذ قراراتها.
- معمر القذافي: في عام 2011، أصدرت المحكمة مذكرة اعتقال بحق الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال الانتفاضة الليبية؛ لم تُنفذ المذكرة نظرًا لمقتل القذافي في نفس العام.
- فلاديمير بوتين: في مارس 2023، أصدرت المحكمة مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتهم تتعلق بترحيل أطفال أوكرانيين خلال النزاع في أوكرانيا؛ لم تُنفذ المذكرة حتى الآن، نظرًا لتعقيدات سياسية ودبلوماسية.
تُظهر هذه الحالات أن إصدار مذكرات الاعتقال من المحكمة الجنائية الدولية لا يضمن بالضرورة تنفيذها، خاصةً عندما يتعلق الأمر بقادة دول يتمتعون بحصانة سياسية ودعم داخلي ودولي؛ تعتمد فعالية هذه المذكرات بشكل كبير على تعاون الدول الأعضاء في المحكمة والضغوط الدولية الممارسة لتنفيذها.
في حالة نتنياهو وغالانت، ورغم أهمية المذكرات من الناحية الرمزية والقانونية، فإن تنفيذها يواجه تحديات كبيرة، خاصةً في ظل رفض إسرائيل والولايات المتحدة الاعتراف بسلطة المحكمة، مما يجعل احتمالية تنفيذ هذه المذكرات محدودة في الوقت الحالي.
الرداد: مذكرة اعتقال المحكمة الجنائية تكشف الجرائم الإسرائيلية؛ وتنفيذها “مشكوك فيه”
وفي هذا الصدد، أكد المحلل السياسي والعسكري، الدكتور عمر الرداد، في تصريح خاص لـ”نخبة بوست”، أن مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق قادة إسرائيليين، مثل بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، تكتسب أهميتها في الجوانب الرمزية والأخلاقية.
وأشار الرداد إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تفتقر إلى أدوات تنفيذية تُتيح لها فرض قراراتها، مضيفًا أن العديد من مذكرات الاعتقال السابقة التي أصدرتها المحكمة ضد قادة في مناطق صراعات دولية لم يتم تنفيذها؛ مؤكداً على أن هناك قناعة متزايدة بأن قرارات المحكمة تخضع لتسييس واضح.
وفيما يخص موقف المجتمع الدولي، أوضح الرداد أن الولايات المتحدة، سواء خلال إدارة جو بايدن أو سلفه دونالد ترامب، أعلنت عدم اعترافها بقرارات المحكمة، كما أبدت دول أخرى موقفًا مشابهًا، مؤكدة أنها لن تتخذ أي إجراءات ضد نتنياهو أو غالانت إذا قررا زيارة أراضيها.
ورغم ذلك، اعتبر الرداد أن هذه المذكرة تمثل محطة مهمة في مسار انكشاف إسرائيل أمام المجتمع الدولي، حيث إنها المرة الأولى التي تصدر فيها مذكرة اعتقال بحق قادة إسرائيليين، سواء كانوا سياسيين أو عسكريين.
أبو طير: مذكرة الجنائية الدولية خطوة حاسمة؛ لكن الالتفاف عليها “وارد”
من جهته؛ قال الكاتب والمحلل السياسي، ماهر أبو طير في تصريح خاص لـ”نخبة بوست”، أن مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت تُعدّ واحدة من أبرز الإدانات الفعلية على المستوى الدولي لجرائم الحرب المرتكبة في غزة.
وأشار أبو طير إلى أن إسرائيل سارعت إلى تقديم استئناف على قرار المحكمة، مطالبة بتعليق أوامر الاعتقال إلى حين البت في نتيجة الاستئناف؛ معتبراً أن هذه الخطوة تُظهر وجود ضغوط تمارس على المحكمة للتراجع عن قرارها، ولو بشكل مؤقت.
ورغم ذلك، أكد أبو طير أن الإدانة السياسية لإسرائيل تبقى الثابتة في هذا السياق؛ موضحاً أنه من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة محاولات مكثفة لتفكيك المحكمة الجنائية الدولية أو تقويض مصداقيتها بوسائل مختلفة، إلا أن الأهم يكمن في قدرة المجتمع الدولي على الالتزام بالقرارات الدولية.
الحوارات: مذكرة المحكمة الجنائية الدولية تكشف الجرائم الإسرائيلية وتفضح زيف ديمقراطيتها
وفي نفس السياق، أكد المحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات، في تصريح خاص لـ”نخبة بوست”،أن إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت يُعدّ اعترافًا صريحًا بالحقائق على الأرض، وبما ارتكبه هؤلاء القادة من جرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين.
وأشار الحوارات إلى أن هذا القرار يُسقط الادعاءات الإسرائيلية المتكررة بأن جيشها هو “الأكثر أخلاقية” في العالم، وبأنها “الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط”.
واعتبر أن مذكرة الاعتقال تعني أن القانون الدولي قد يغفو أحيانًا، لكنه لا ينسى الجرائم الكبرى؛ موضحاً بأن المحكمة الجنائية الدولية تمتلك براهين وأدلة قاطعة تؤكد الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين، ما يجعل من الصعب التنصل من مسؤولية تلك الجرائم إلى الأبد.
وأشار الحوارات إلى أن المذكرة تُقيّد حركة نتنياهو وغالانت دوليًا، خاصة أن نتنياهو بات مطلوبًا في 124 دولة، ما سيؤثر على قدرته على التحرك الدبلوماسي والضغط على صناع القرار الدوليين.
ولفت إلى أن هذا القرار يُضعف الزخم الدبلوماسي لدولة الاحتلال، لأن التأثير الدبلوماسي يعتمد على حرية التحرك والمشاركة الفعالة في الإطارات الدولية.
وأضاف إلى أن هذا القرار سيؤدي إلى تراجع كبير في التحرك الدبلوماسي باتجاه إسرائيل من قِبل العديد من الدول.
وأكد الحوارات أن هذه المذكرة تعطي مصداقية للروايات الفلسطينية التي كانت تؤكد أنهم يتعرضون للإبادة بسبب رفضهم للاحتلال، في حين كان العالم يتهمهم بالإرهاب.
وبيّن بأن هذا التطور قد يجعل الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، أكثر حذرًا في تقديم الدعم المستقبلي لإسرائيل، لا سيما فيما يتعلق بالأسلحة، خشية التورط في الجرائم المنسوبة إلى نتنياهو وغالانت.
واختتم الحوارات بأن هذه المذكرة تمثل لحظة فارقة في كشف حقيقة إسرائيل أمام المجتمع الدولي، مؤكدةً أن الحقائق على الأرض لا يمكن التنصل منها، وأن العالم بات أمام اختبار حقيقي لالتزامه بتطبيق القوانين الدولية ومحاسبة مرتكبي الجرائم.
هل تُغير مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت قواعد اللعبة؟
تُعد مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت علامة فارقة في محاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي على الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني؛ ورغم أن تنفيذ هذه المذكرات يواجه عقبات كبيرة ترتبط بالسياسة الدولية والتوازنات الجيوسياسية، إلا أن صدورها يوجه رسالة قوية بأن الجرائم ضد الإنسانية لن تمر دون مساءلة، مهما طال الزمن.
في المقابل، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن هذه المذكرات من تجاوز القيود السياسية والضغوط الدولية لتُحدث تغييرًا حقيقيًا على الأرض، أم أنها ستظل مجرد خطوة رمزية في طريق طويل نحو العدالة؟