نخبة بوست – كتب: المحامي معاذ المومني ( المستشار القانوني في معهد القانون والمجتمع)

دون مقدمات، ودون المساس بأهمية المشاريع الكبرى التي عُبّر عنها بالأمس في بيان الحكومة لنيل ثقة نواب الأمة، والتي يأتي على رأسها التحديث السياسي والاقتصادي والإدارة العامة، ومواقف الدولة الأردنية الوطنية والدولية في نصرة قضاياها القومية، والمشاريع الأخرى ذات الطابع الخدمي كمشاريع البنى التحتية، والناقل الوطني، وسكة الحديد، والطاقة، والتعدين، وإنتاج الهيدروجين الأخضر، والسياحة كمحرك رئيسي للاقتصاد، وغيرها من هذه المشاريع الكبرى.

تعجبت من عدم قيام بعض المنصات الإعلامية بالاهتمام بقضايا حقوق الإنسان في البيان الحكومي الذي قدّمه رئيس الوزراء بالأمس، والذي أكد من خلاله على أهمية قيم ومبادئ حقوق الإنسان باعتبارها أحد المشاريع الكبرى التي تتبناها الدولة الأردنية، من خلال التأكيد على أنَّ الحريات العامة محصنة بالحق الدستوري وعلى قاعدة الممارسة الوطنية المسؤولة، وسقفها القانون دون التجاوز أو التعدي على الحقوق العامة والخاصة، بالإضافة إلى سيادة القانون باعتباره أحد أهم الأدوات لتعزيز العدالة الاجتماعية، والتي من خلالها نحمي الحريات العامة وحقوق الإنسان.

تعجبت من عدم قيام بعض المنصات الإعلامية بالاهتمام بقضايا حقوق الإنسان في البيان الحكومي الذي قدّمه رئيس الوزراء ، والذي أكد من خلاله على أهمية قيم ومبادئ حقوق الإنسان باعتبارها أحد المشاريع الكبرى التي تتبناها الدولة الأردنية

المومني
الخبير القانوني معاذ المومني

نعم، ونقولها بكل إيمان استقر في ضميرنا ووجداننا الوطني، إن عنوان حقوق الإنسان في الدولة الأردنية لا بد من التعاطي معه باعتباره مشروعًا واحتياجًا وطنيًا كبيرًا لا يقل أهمية عن باقي المشاريع الوطنية الكبرى.

عنوان حقوق الإنسان في الدولة الأردنية لا بد من التعاطي معه باعتباره مشروعًا واحتياجًا وطنيًا كبيرًا لا يقل أهمية عن باقي المشاريع الوطنية الكبرى

المومني

تأكيد البيان الحكومي على أهمية وقيم حقوق الإنسان باعتبارها ركيزة أساسية لمشروع الدولة الأردنية، بالضرورة يعكس الالتزام الوطني بتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وصون كرامة الإنسان، ومن شأنه أن يعزز مكانة الأردن كدولة تسعى إلى الارتقاء بحقوق مواطنيها وفق معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان، والتي باتت اتفاقياته وبنوده على المحك، بعد ما نشاهد بشكل يومي من ازدواجية في المعايير وانتهاكات جسيمة وجرائم ترتكب بحق الشعب الفلسطيني.

تأكيد البيان الحكومي على أهمية وقيم حقوق الإنسان باعتبارها ركيزة أساسية لمشروع الدولة الأردنية، بالضرورة يعكس الالتزام الوطني بتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وصون كرامة الإنسان

المومني

لذلك، فإن هذه الرؤية الحقوقية الطموحة وهذا المشروع كأحد متطلبات تحقيق ما ورد في البيان الحكومي، يتطلب القيام بخطوات وإجراءات من قبل الحكومة، وبالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني على حد سواء، لنكون قادرين على المضي قدمًا في إنفاذ المشروع الوطني لحقوق الإنسان.

رئيس الوزراء د. حعفر حسان خلال تقديم بيان الحكومة للنواب أمس

وعليه، فإن تطوير التشريعات والقوانين الوطنية ومراجعتها لضمان توافقها ومواءمتها مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الحكومة الأردنية هو أحد الركائز والمتطلبات الأساسية للبدء في تنفيذ أعمال هذا المشروع، وبما يتوافق مع المعيار الوطني الدستوري.

وهذا يتطلب استدعاء اللجنة التي شُكّلت سابقًا لدراسة مواءمة الاتفاقيات الدولية مع القوانين الوطنية الأردنية -على سبيل المثال لا الحصر- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة، واتفاقية حقوق الطفل، وغيرها من الاتفاقيات الدولية.

ومثل هذه الممارسة لا بد من النظر إليها باعتبارها أيضًا إنفاذًا لتوصيات الأردن في الاستعراض الدوري الشامل من الأول حتى الرابع، والذي خضع له الأردن مبكرًا في بداية هذا العام. بالإضافة إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وجميع أشكال المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، والتي ناقشت لجنتها تقرير الأردن مؤخرًا في الشهر الماضي، والتقارير الدولية القادمة التي ستناقشها اللجان المختصة في مجلس حقوق الإنسان، كاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية حقوق الطفل كاستحقاق قريب على الدولة الأردنية. هذا بالطبع دون إجحاف بضرورة أن تقوم الحكومة بتقديم تقريرها إلى لجنة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، المتأخر منذ أكثر من عقدين من الزمن.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تعزيز مبدأ سيادة القانون كأحد متطلبات بناء منظومة صلبة لحقوق الإنسان يستدعي فتح حوار وطني حول بعض التشريعات والقوانين الوطنية، وقياس الأثر التشريعي لبعضها، ومدى اقترابه من المساس بالمنظومة الحقوقية من عدمه. كما يتطلب ذلك، وكما ذكر البيان الوزاري، ضرورة الشراكة مع المجلس القضائي من أجل تحديث وتطوير منظومة العدالة، لا سيما إعادة النظر بالعقوبات المجتمعية، وبناء قدرات السيدات والسادة القضاة وأجهزة إنفاذ القانون على قيم ومبادئ حقوق الإنسان. وهذه أيضًا إحدى أهم التوصيات التي قبلتها الحكومة في الاستعراض الدوري الشامل الرابع لحقوق الإنسان هذا العام.

أخيرًا، فإن المضي قدمًا باتجاه إنفاذ المشروع الوطني لحقوق الإنسان لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن شراكة حقيقية مع مؤسسات المجتمع المدني الأردنية، لما لها من خبرة ودور حيوي في الرصد والتوثيق وتعزيز الوعي المجتمعي، وتقديم توصيات تنعكس على التشريعات والسياسات والممارسات.

المضي قدمًا باتجاه إنفاذ المشروع الوطني لحقوق الإنسان لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن شراكة حقيقية مع مؤسسات المجتمع المدني الأردنية، لما لها من خبرة ودور حيوي في الرصد والتوثيق وتعزيز الوعي المجتمعي

المومني

وهذه دعوة أيضًا إلى السيدات والسادة النواب والكتل والائتلافات النيابية لمناقشة هذا المشروع الوارد في البيان الحكومي باعتباره واجبًا وضرورة وطنية، وباعتبار ورود هذا المشروع في البيان الحكومي يعكس إرادة سياسية لا بد من التقاطها ومتابعة تنفيذها من كافة الأطراف الفاعلة في معادلة حقوق الإنسان، لتحقيق التطوير والتحديث المنشود، ومواجهة التحديات الحقوقية والتنموية، والمضي قدمًا بتنفيذ أهداف التنمية وتحقيق النهضة، وبناء مجتمع عادل يقوم على احترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version