نخبة بوست – تقى النجار (المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية)

مع تصاعد الأحداث في الساحة السورية على خلفية تمدد الفصائل المسلحة، وسيطرتها على العاصمة “دمشق”، تزايدت المخاوف من استغلال تنظيم “داعش” تلك الأحداث من أجل تصعيد نشاطه، لكن ثمة تهديدات أخرى مرتقبة متمثلة في احتمالية  قيامه بإحياء استراتيجية “هدم الأسوار” والتي تهدف إلى تحرير عناصره من السجون، لا سيما مع وجود سوابق تاريخية حملت تداعيات كارثية، حيث نجح تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” خلال عام 2013 في تهريب نحو 500 عنصر من عناصره من سجني “التاجي” و”أبو غريب” شمالي وغربي العاصمة “بغداد”، وقد شكل هؤلاء بعد ذلك النواة الرئيسية لتنظيم “داعش”، كذلك استهدف الأخير سجن “غويران” الواقع في محافظة “الحسكة” في مطلع عام 2022. ومن هنا يبرز سؤال غاية في الأهمية وهو: ماذا لو تم اقتحام السجون الخاصة بعناصر “داعش” في سوريا؟

السجون والمخيمات الخاصة بتنظيم “داعش” في سوريا

تضم مدن “الإدارة الذاتية” الواقعة شمال شرقي سوريا 9 سجون، تتواجد بشكل أساسي في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة، وتسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية”، وتحتوي على الآلاف من عناصر تنظيم “داعش”؛ إذ تضم الحسكة وحدها نحو 7 سجون، وهم سجن “غويران” الذي يقع في حي “غويران” ويعد أكبر سجن يضم عناصر التنظيم في العالم، حيث يحتوي على نحو5000 عنصر داعشي.

كذلك سجن “الصناعة” الذي يقع في الحي ذاته ويعود اسمه نسبة إلى مدرسة “الثانوية الصناعية” و”المعهد الفني” اللذين حولتهما “قوات سوريا الديمقراطية” إلى سجن لعناصر التنظيم، بعد سقوط الباغوز أخر معاقله في مارس 2019، ويضم نحو ألف عنصر داعشي.

كذا سجن “كامبا البلغار” الذي يوجد في مدينة “الشدادي”، ويضم نحو 5 آلاف داعشي، وسجن “الشدادية” ويقع في المدينة ذاتها، وبه مئات من الدواعش. هذا بالإضافة إلى سجن “المالكية” الذي يقع في مدينة “المالكية”، ويطلق عليه “دارك” بما يعنى الكنيسة الصغيرة بالكردية، ويضم مئات الدواعش. كما تضم المحافظة أيضًا سجن “رميلان” الذي يقع في ريف القامشلي وبه مئات الدواعش، وسجن “نافكر” بمدينة “القامشلي” ويضم أعداد من الدواعش.

 أما محافظة “دير الزور” فيوجد بها سجن “الكسرة” وبه 500 داعشي. في حين أن محافظة “الرقة” تحتوي على السجن المركزي الذي يضم أعداد من الدواعش. وثمة تقديرات تشير إلى أن أعداد عناصر التنظيم في السجون السورية تتراوح بين 12 ألف إلى 15 ألف عنصرًا.

هذا بالإضافة إلى عائلات تنظيم “داعش” المتواجدة في المخيمات الواقعة في شمال شرق سوريا؛ ومن أبرزها مخيم “الهول” والذي يقع في مدينة “الهول” بمحافظة “الحسكة” بالقرب من الحدود السورية العراقية، ويبلغ عدد المقيميين فيه نحو 43 ألفًا، كذلك مخيم “الروج” الذي يقع في مدينة “المالكية”، ويضم أكثر من 2600 فردًا.

تداعيات محتملة

في ضوء ما تقدم حول كثافة أعداد عناصر تنظيم “داعش” المتواجدة في السجون والمخيمات السورية، بجانب احتمالية اقتحام تلك السجون من قبل التنظيم، تبرز جملة من التداعيات المحتملة والتي يمكن استعراضها على النحو التالي:

1-انتعاش عملياتي في المعاقل التقليدية:  إذ كشف مصدر أمني عراقي، في 2 ديسمبر الجاري، أن “ما يسمى “والي العراق” في تنظيم داعش تلقى تعليمات من القيادة المركزية للتنظيم بتنشيط الخلايا النائمة، وتنفيذ هجمات في محافظتي ديالى وكركوك.” كذلك أكد “مظلوم عبدي“(قائد قوات سوريا الديمقراطية) في 6 ديسمبر الجاري، أن “التطورات الأخيرة أدت إلى زيادة ملحوظة في تحركات تنظيم داعش في مناطق البادية السورية وريف دير الزور والرقة”.

من المرجح حال اقتحام السجون الخاصة بعناصر “داعش” في سوريا أن ينعكس ذلك على الانتعاش العملياتي للتنظيم سواء في العراق أو سوريا، لا سيما في ضوء الفراغ الأمني الذي تشهده الدولة السورية، والذي قد تمتد ارتداداته إلى الدولة العراقية.

2- تعزيز نشاط المكاتب الإدارية: في أعقاب خسارة تنظيم “داعش” خلافته المزعومة، أقام “مكاتب إدارية” للولايات التابعة له بغرض الحفاظ على استمراريته، وهي كيانات إدارية تعمل كجسر بين القيادة المركزية لتنظيم “داعش” ومختلف ولاياته. وقد استطاعت بعض هذه المكاتب الاحتفاظ بنشاطها وإن كان بدرجات متفاوتة، مثل: مكتب “الصديق” الذي يغطي كل من أفغانستان وباكستان والهند وبقية جنوب آسيا وآسيا الوسطي، ومكتب “الكرار” والذي يغطي الصومال وموزمبيق والكونغو الديمقراطية، ومكتب “الفرقان” والذي يتولى شئون حوض بحيرة تشاد والساحل، ومكتب “بلاد الرافدين” الذي يشرف على العراق وسوريا.

 في حين تراجع نشاط بعضها، مثل: مكتب “الأنفال” وهو مسئول عن ليبيا وأجزاء من شمال أفريقيا، مكتب “أم القري” يغطي اليمن وشبة الجزيرة العربية. ومن المرجح أن يؤدى اقتحام السجون الخاصة بعناصر “داعش” إلى إحداث تعزيز لنشاط المكاتب الإدارية العاملة بالفعل، وإعادة إحياء لنشاط المكاتب الإدارية التي تشهد تراجع، الأمر الذي تمتد تداعياته إلى تهديد الامن الإقليمي.

3-الصراع مع الفصائل المسلحة: ينعكس اقتحام السجون الخاصة بعناصر “داعش” على تعزيز قدرات التنظيم البشرية في ضوء إطلاق سراح عدد كبير من قياداته، وبالتالي سيسعى إلى تحقيق الهيمنة مرة أخرى، ما يجعله يتصادم بنفوذ الميليشيات الأخرى من الفصائل المسلحة، ومن ثم الدخول في صراعات مع تلك الميليشيات، من أجل تقويض نفوذها من ناحية، واثبات وجوده من ناحية أخرى.  ما يُعيد إلى الأذهان صراعه مع “جبهة النصرة” (النسخة الأولى من هيئة تحرير الشام) عام 2013، والذي استمر بينه وبين كافة النسخ الأكثر تطورًا من الأولى حتى عام 2023.

ويجادل البعض بأن الصراعات بين التنظيمات الإرهابية تعد مشهدًا إيجابيًا لمكافحة الإرهاب، على خلفية إنهاك قدراتهم، في حين ترى اتجاهات أخرى أن تلك الصراعات قد تساهم في زيادة التهديدات الإرهابية في ضوء محاولتهم التفوق على بعضهما البعض بهجمات واسعة، بينما ترى اتجاهات ثالثة أن الصراعات بين التنظيمات الإرهابية تؤدي إلى حدوث انقسامات داخلية ما ينصرف إلى تشتت جهود المكافحة.

4- تهديدات العائدين من داعش: من المحتمل في حال اقتحام السجون الخاصة بعناصر “داعش” أن يتنامى خطر “العائدون من داعش” بصورة أكثر ضراوة من أي موجة من موجات العائدين السابقة؛ إذ شهد المجتمع الدولي أربع موجات من العائدين؛ الموجة الأولى “العائدون من أفغانستان”، والموجة الثانية “العائدون من الشيشان”، والموجة الثالثة “العائدون من البوسنة والهرسك “، والموجة الرابعة “العائدون من العراق”.

وعلى الرغم من التحديدات التي صاحبت الموجات السابقة؛ إلا أن الموجة القادمة لن تكون محملة بتطرف عقائدي فقط بل محملة أيضًا برغبة من الثأر من المجتمعات التي رفضتهم مرتين؛ المرة الأولى حين لفظت أفكارهم المتطرفة ما دفعهم إلى السفر والانضمام إلى “داعش”، والمرة الثانية حين رفضت عودتهم بعد هزيمة التنظيم.

وبالتالي هناك احتمالية لتصاعد التهديدات الأمنية  المرتبطة بهم حال عودتهم لبلدانهم الأصلية أو انتقالهم إلى بلد آخر، سواء عبر تنفيذ عمليات إرهابية، أو نشر أيديولوجيتهم المتطرفة، وتجدر الإشارة إلى ما خلصت إليه إحدى الدراسات التي أجراها “توماس هيجهامر” في عام 2013 حول المتطرفين الغربيين الذين شاركوا كمقاتلين في تنظيمات إرهابية بين عامي 1990 و2010 حيث وجدت أن  “واحدًا من  بين كل تسعة مقاتلين أجانب عاد لشن هجوم في الغرب”.

مجمل القول، تتجه الساحة السورية نحو مزيد من التهديدات الأمنية التي ستفاقم من حالة عدم الاستقرار الإقليمي في المنطقة، ومن المحتمل أن يتصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية لا سيما تنظيم “داعش” مستغلًا الفراغ الأمني الذي تشهده سوريا، لتعزيز نفوذه وإعادة أحياء نشاطه، وذلك عبر تحرير عناصره من السجون السورية لإعادة بناء هياكله التنظيمية، بما يُشير إلى وجود تهديد مرتقب أن لم يكن قادم.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version