الرداد: رغم محاولات تحسين صورة “الجولاني” وتقديمه كزعيم لدولة سوريا جديدة تحترم الأديان والطوائف، إلا أن هناك شكوكاً دولية حول إمكانية حدوث تحولات جذرية في التنظيمات الإسلامية
داودية: هناك احتمالية لأن يكون للإخوان المسلمين السوريين نصيب في إدارة سوريا إذا جرت انتخابات “حرة”، بشرط أن تسلم هذه الانتخابات من تدخلات القوى الإقليمية المؤثرة
الحباشنة: من الممكن أن يكون للإسلام السياسي وتنظيماته، سواء كانت جماعة الإخوان المسلمين أو فصائل الجولاني، دور كبير في إدارة الحكم والسلطة في سوريا المستقبلية
نخبة بوست – رولا أبو رمان، شذى العودات
منذ أحداث حماة الدامية في عام 1982، التي شهدت واحدة من أعنف المواجهات في تاريخ سوريا الحديث، دخلت البلاد في دوامة من الصراعات السياسية والاجتماعية التي تركت آثاراً عميقة على بنيتها المجتمعية.
في ذلك العام، شن النظام السوري بقيادة حافظ الأسد حملة عسكرية شرسة ضد تمرد جماعة الإخوان المسلمين في مدينة حماة، ما أدى إلى مقتل عشرات الآلاف وتدمير أجزاء كبيرة من المدينة. كانت تلك المجازر رسالة واضحة من النظام، تؤكد استعداده لاستخدام أقصى درجات العنف لإحكام قبضته على السلطة؛ خلفت تلك الأحداث ندوباً سياسية واجتماعية استمرت لعقود، وأسست لسياسات القمع التي أصبحت نهجاً ثابتاً للنظام في التعامل مع المعارضة.
شن النظام السوري بقيادة حافظ الأسد حملة عسكرية شرسة ضد تمرد جماعة الإخوان المسلمين في مدينة حماة، مما أدى إلى مقتل عشرات الآلاف وتدمير أجزاء كبيرة من المدينة

وبعد ثلاثة عقود تقريباً من تلك المجازر، جاءت موجة الربيع العربي عام 2011 لتعيد إشعال نيران المعارضة في سوريا، في مشهد يتجاوز مجرد الاحتجاج على السياسات الاقتصادية أو المطالبة بالإصلاح السياسي.
إذ بدأت الاحتجاجات من درعا لتنتشر في أنحاء البلاد، وتحولت سريعاً من مطالب سلمية إلى مواجهة شاملة بين النظام وفصائل معارضة متعددة التوجهات، وتصاعد الصراع بعد قمع النظام الوحشي للاحتجاجات، ليصبح ساحة مواجهة بين قوى إقليمية ودولية تسعى لتحقيق مصالحها، ما أدى إلى تعقيد الوضع بشكل غير مسبوق؛ فتحولت سوريا إلى ساحة حرب متعددة الأطراف، أسفرت عن مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين داخل وخارج البلاد.
جاءت موجة الربيع العربي عام 2011 لتعيد إشعال نيران المعارضة في سوريا، في مشهد يتجاوز مجرد الاحتجاج على السياسات الاقتصادية أو المطالبة بالإصلاح السياسي
اليوم؛ وبعد الإطاحة بالنظام السوري بقيادة بشار الأسد، يتزايد التساؤل حول هوية النظام المقبل؛ فهل ستكون سوريا تحت قيادة الإسلاميين أم أن التنوع الديني والقومي سيبقى هو السمة الأبرز في بناء الدولة الجديدة؟
فالفصائل المسلحة المعارضة، التي تلعب دوراً رئيسياً في المشهد الحالي، تُظهر طموحات تتجاوز الجانب العسكري، مع محاولات لتقديم قياداتها كواجهات سياسية مقبولة دولياً؛ ومع ذلك، تبقى المخاوف قائمة من أن تتحول هذه الطموحات إلى صراعات داخلية تعمق من الأزمة بدلاً من حلها.
وهنا يطرح السؤال الرئيسي: هل يمكن للإسلام السياسي أن يصبح القوة المهيمنة؟ أم أن المعادلات الإقليمية والدولية ستفرض نموذجاً مختلفاً يضمن التعددية والاستقرار؟
الرداد: نظام سوريا المقبل سيظل تحت مراقبة دولية؛ و”الإسلاموية” لن تقود البلاد
وفي هذا الصدد، أوضح خبير الأمن الاستراتيجي عمر الرداد، أن مسألة شكل ومضمون النظام السوري المقبل تشكل إحدى القضايا الرئيسية التي تشغل الأوساط الدولية والإقليمية في الوقت الراهن.
وأكد الرداد ، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، أن هذا السؤال يكتسب أهميته حالياً نظراً للدور البارز الذي تلعبه هيئة تحرير الشام والفصائل المسلحة المعارضة في المشهد السوري، وهو ما أسهم في الإطاحة ببشار الأسد من رئاسة الدولة.
هيئة تحرير الشام والفصائل التابعة لها، وعلى رأسها زعيمها أحمد الجولاني، تربطها علاقات مرجعية مع تنظيمَي القاعدة وداعش
وأكمل أنه ورغم محاولات تحسين صورة الجولاني من خلال تقديمه كزعيم لدولة سوريا جديدة تحترم الأديان والطوائف، إلا أن هناك شكوكاً دولية حول إمكانية حدوث تحولات جذرية في التنظيمات الإسلامية.
الإسلاموية بقيادة الجولاني أو غيره ستظل جزءاً من المشهد السوري، لكنها لن تقود البلاد، نظراً لأن سوريا بمكوناتها الدينية والقومية المتنوعة لا يمكن أن تستقر دون هذا التنوع
وأضاف أن المرحلة الانتقالية ستخضع لرقابة ومتابعة دقيقة من قبل الأطراف الدولية والإقليمية، خصوصاً فيما يتعلق بالإسلاموية وكيفية تعاملها مع الوضع السوري.
واختتم الرداد تصريحه بأن نجاح أو فشل تجربة الإسلاموية في سوريا سيكون له تأثيرات كبيرة على المنطقة، لكن من المؤكد أن الدول المحيطة بسوريا، إلى جانب القوى الإقليمية والدولية الكبرى، لن تسمح بإقامة نظام إسلاموي في سوريا ذو خلفية أيديولوجية إرهابية؛ مشيراً إلى الموقف الإسرائيلي الرافض لتولي الإسلاموية الحكم في سوريا.
الحباشنة: ما يجري في سوريا يعد بمثابة عودة إلى الإسلام السياسي
من جانبه، أشار الكاتب والصحفي فارس الحباشنة ، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، إلى أن ما يجري في سوريا يعد بمثابة عودة إلى الإسلام السياسي، ولا تقتصر هذه العودة على الساحة السوريا فحسب، بل إن العالم العربي بأسره يتساءل اليوم عن المستقبل بعد سوريا.
وأضاف الحباشنة أنه من الممكن أن يكون للإسلام السياسي وتنظيماته، سواء كانت جماعة الإخوان المسلمين أو فصائل الجولاني، دور كبير في إدارة الحكم والسلطة في سوريا المستقبلية.
جماعة الإخوان المسلمين تظل شديدة التطلع إلى السلطة، حيث تمكنت من التوغل في حلب وحمص ودمشق بدعم من الدبابات التركية، وبحماية أمنية وعسكرية تركية؛ ولن تضيع جماعة الإخوان فرصة تاريخية للسيطرة على السلطة في سوريا
وحذر من أن ذلك قد يجر سوريا إلى مستنقع من الصراعات الكبرى، مشيراً إلى أنه إذا لم تتمكن الدول الراعية لمسار أستانة من ضبط العملية السياسية وضمان الاستقرار الأمني، فإن التحديات ستظل قائمة.
كما تساءل عن قدرة الفصائل والتنظيمات الإسلامية الجهادية على تجاوز خلافاتها وصراعاتها وإدارة عملية انتقال سلمي للسلطة.
التحدي السوري كبير والمشهد لا يزال معقدًا؛ وفي ظل المخاوف من عودة الإسلام السياسي وما قد ينجم عن ذلك من فوضى مضاعفة، فإن تداعيات هذه الأحداث ستطال دولًا أخرى مثل الأردن ومصر
واختتم الحباشنة بأن الدول تنظر بقلق لما يحدث و احتمالية عودة الإسلام السياسي و الفوضى الوليدة في سوريا وهناك مخاوف من احتمالية انتقال العدوى إلى دول إقليمية.
داودية: هناك نصيب للإخوان في إدارة سوريا إذا جرت انتخابات “حرة“
وفي نفس السياق؛ جاء في مقال بقلم العين محمد داودية عن احتمالية أن يكون للإخوان المسلمين السوريين نصيب في إدارة سوريا إذا جرت انتخابات حرة مثل تلك التي تُجرى في الأردن، بشرط أن تسلم هذه الانتخابات من تدخلات القوى الإقليمية المؤثرة في سوريا.
الاتصالات مع الإخوان السوريين قد بدأت بالفعل في تركيا وأوروبا وقطر وغيرها
وأوضح داودية أن الأردن كان دائمًا ملجأً آمنًا وشريفًا لكل من لاذ واحتمى به، مستذكرًا دور الأردن في استقبال الإخوان المسلمين المصريين الذين لجأوا إليه عام 1954، وفي مقدمتهم كامل ومحمود الشريف.
كما أشار إلى رفض الملك الحسين تسليم الإخوان المسلمين السوريين الذين فروا إلى الأردن خلال مجزرة حماة الرهيبة التي نفذها حافظ ورفعت الأسد في الثمانينيات، وهي فترة شهدت صدامًا مسلحًا بين الإخوان المسلمين السوريين والنظام السوري بدعم من الرئيس العراقي صدام حسين.
أسماء قيادات الإخوان المسلمين السوريين الذين لجأوا إلى الأردن في تلك الفترة، مثل عدنان سعد الدين وسعيد حوى وعبد الله الطنطاوي وعلي صدر الدين البيانوني وآخرين،فبعضهم كان يتنقل بين بغداد وعمّان والرياض.
كما استذكر رفض الملك الحسين طلب حافظ الأسد بتسليمهم، الأمر الذي دفع الأسد إلى حشد الجيش السوري على الحدود الأردنية عام 1980، بالإضافة إلى إرسال مجموعة إرهابية لاغتيال رئيس الوزراء مضر بدران، وهي المحاولة التي أحبطتها السلطات الأردنية.
وأشاد داودية بالحكمة التي تميز بها الملك الحسين في بناء نظام سياسي واجتماعي متزن بعيد عن العنف، مبرزًا إشراكه لقيادات بارزة من الإخوان المسلمين الأردنيين في الحكم، مثل محمد إسحق الفرحان وعبد اللطيف عربيات وعبد الله العكايلة وآخرين. وأكد أن الملك عبد الله الثاني استمر في نهج توفير الفرص للإخوان المسلمين في الأردن، وهو ما لاقى تفاعلًا وتقديرًا منهم.
واختتم داودية مقاله بالتأكيد على أصالة المواقف الأردنية تجاه الإخوان السوريين، مشيرًا إلى أن هذه المواقف تعبر عن قيم إنسانية نبيلة، وأن القلب يدعو والعين تترقب.
سوريا ما بعد الأسد.. هل تنجح في تجاوز إرث الصراعات؟
بعد سقوط نظام بشار الأسد، تجد سوريا نفسها أمام مرحلة انتقالية حاسمة مليئة بالتحديات؛ فالأطراف المحلية والإقليمية تتصارع على فرض رؤيتها، بينما الشعب السوري ينتظر حلاً يضمن له الاستقرار ووحدة البلاد.
وفي ظل تصاعد المخاوف من هيمنة الإسلاميين أو الفصائل المسلحة، تبقى سوريا تحت المجهر الدولي لضمان تحقيق نظام سياسي يعكس تنوعها؛ ومع هذه التعقيدات، يبرز سؤال مصيري: هل ستنجح سوريا في تجاوز إرثها من الصراعات والدمار لتبني دولة تحترم تنوعها وتضمن استقرارها؟ أم أنها ستظل رهينة التجاذبات الإقليمية والدولية إلى أجل غير مسمى؟