* الماضي : تركيا استطاعت تحقيق أهدافها الأساسية في إسقاط نظام الأسد؛ وهناك 3 قضايا أساسية كانت ترهق تركيا في ملف الأزمة السورية
* القطاطشة : لولا الدور التركي والتنسيق العسكري الذي تم بين تركيا وبقية الأطراف، لما سقط النظام السوري “الطاغوت والدكتاتوري”
منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011، لعبت تركيا دورًا محوريًا في مسار الأحداث، ولا تزال أنقرة بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تشارك الدول الفاعلة والأطراف ذات المصالح في الشأن السوري؛ حيث يسعى كل طرف لتحقيق أهدافه عبر التدخل العسكري، اللوجستي، أو من خلال خوض حروب بالوكالة عبر دعم الجماعات المسلحة.
وفي هذا السياق؛ تميز الدور التركي في الأزمة السورية عن غيره بدعمه المستمر للمعارضة السورية في مواجهة نظام الأسد؛ حيث قدمت تركيا أسلحة وتنسيقًا لوجستيًا كان من الصعب الحصول عليه بطرق أخرى.
جاء هذا التدخل بعد فشل محاولات تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، مما دفع تركيا للبحث عن بدائل استراتيجية؛ وتتمثل الأهداف التركية المعلنة وراء وجودها في سوريا في:
ومع سقوط الأسد وفراره وتحقيق الهدف الأسمى لتركيا، الذي من شأنه أن يسهم في تحقيق أهدافها الأخرى تباعًا، يتبادر السؤال: هل حققت تركيا أهدافها في سوريا؟
وهل يمكن اعتبار تركيا الطرف المنتصر في هذه الأزمة ؟ مقارنةً بالأطراف الأخرى التي كانت موجودة على الساحة السورية (إيران، روسيا، حزب الله، الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة، المنظمات الإرهابية والمليشيات التي خاضت حروبًا بالوكالة نيابة عن داعميها)؟ ضمن هذا التقرير نسلط الضوء عن كثب على هذه المحاور..
الماضي : تركيا استطاعت تحقيق أهدافها الأساسية في إسقاط نظام بشار الأسد
في هذا الصدد؛ قال أستاذ العلوم السياسية د. بدر الماضي في تصريح خاص لـ “نخبة بوست” إن تركيا استطاعت تحقيق أهدافها الأساسية في إسقاط نظام بشار الأسد؛ إلا أن الفرق في هذه القضية هو أن المصالح التركية لا تتمثل فقط في إسقاط النظام السابق، بل إن إسقاط الأسد يُعد مصلحة دولية وإقليمية، والأهم من ذلك أنه مصلحة داخلية سورية أيضًا.
وأشار الماضي إلى الدور التركي الكبير في إسقاط نظام بشار الأسد والتدخل في مجريات الأزمة السورية؛ وفقًا له، فإن هذا الأمر يُعد مقبولًا ومطلوبًا في علم السياسة من أجل حماية مصالح تركيا وأمنها القومي.
وأضاف الماضي أن المحاولات التركية قد بدأت منذ أكثر من عام من خلال لقاءات بين قادة الجيش ووزراء الدفاع ووزراء الخارجية لمحاولة التوصل إلى نقطة تفاهم بين الطرفين، إلا أن تعنت الرئيس السوري السابق ومن خلفه بعض التيارات داخل النظام وبرعاية إيرانية رفضوا كل هذه التسويات والتفاهمات التركية-السورية.
وتابع الماضي حديثه بأن النظام السوري كان يعتقد أنه قادر على ابتزاز تركيا من خلال الوحدات الكردية المنتشرة على الأطراف السورية، متوهمًا بقدرته على إعادة إنتاج نفسه في العالم العربي نظرًا لعلاقة تركيا غير الوثيقة مع باقي الدول العربية، مما قد يتيح له الضغط على تركيا.
ولفت الماضي إلى ثلاث قضايا أساسية كانت ترهق تركيا في ملف الأزمة السورية منذ عام 2011 وحتى هذه اللحظة، وهي:
- القضية الأولى: “اللاجئون”، حيث يوجد ما يناهز 4 ملايين سوري في تركيا. وهذا شكّل عامل ضغط ليس فقط على الصعيد الاقتصادي والبيئي والبنية التحتية، بل أيضًا ضغطًا سياسيًا كبيرًا جدًا. وأضاف الماضي أن قضية اللاجئين قد أقحمت الأطراف التركية الموالية والمعارضة في المناقشات السياسية الداخلية، وأصبحت مادة دسمة في البلاد.
- القضية الثانية: “إدلب”، التي كانت نتيجة للتسويات التي تمت برعاية روسيا والمجتمع الدولي. تعد إدلب الأقرب إلى تركيا، حيث تضم ملايين الأشخاص الذين لجأوا إليها، بالإضافة إلى المقاتلين الذين توجهوا إليها. من جهتها، سعت تركيا دائمًا إلى وضع خطة بديلة في حال فشل المفاوضات مع النظام السوري، من خلال دعمها المستمر للفصائل المعارضة السورية.
كما تمكنت تركيا من فرض نموذج للبنية التحتية في إدلب، حيث أسست المدارس والجامعات، وعملت على تطوير مشاريع الإسكان والبنية التحتية على مدار فترة طويلة.
- أما القضية الثالثة لتركيا في سوريا، فهي “الأكراد”، حيث أن لدى الأكراد طموحًا بالاستقلال وتشكيل دولة لهم على الحدود مع تركيا، بدعم أمريكي-إسرائيلي. وقد أظهرت الأحداث السابقة أن خشية تركيا تكمن في وجود كيان سياسي قد يشكل تهديدًا لاستقرارها، خصوصًا إذا تم الاعتراف بهذا الكيان الذي يمتد ليشمل مناطق من العراق وسوريا وتركيا، وربما حتى إيران.
القطاطشة: الدور التركي في اتفاقيات أستانا كان فاعلا
من جانبه؛ قال أستاذ العلوم السياسية د. محمد قطاطشة في حديثه لـ “نخبة بوست” إن تركيا، كونها دولة ذات حضور قوي في المنطقة ولها تاريخ إمبراطوري، تسعى لتحقيق مصالحها، لا سيما في قضية اللاجئين التي وصفها قطاطشة بأنها “معقدة”، حيث تعمل تركيا على معالجة هذه المشكلة بشكل يختلف عن الدول الأخرى.
كما يرى قطاطشة أن مبرر التدخل التركي في الأزمة السورية يعود إلى وجود حزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تدعمه بعض الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية بشكل غير مباشر، بالإضافة إلى ارتباطهم بقوات سوريا الديمقراطية (قسد).
واضاف بقوله ” تركيا ترى في هؤلاء الأكراد تهديدًا لمستقبلها، حيث يعتقدون أن لهم مشروعًا لإقامة دولة كردية. وجزء كبير من اللاجئين السوريين الذين انتقلوا إلى تركيا في عامي 2013 و2014 كانوا أطفالًا في ذلك الوقت، وسافروا عبر “الباصات الخضراء” إلى المناطق الحدودية التركية”.
وأشار إلى إنه لولا الدور التركي والتنسيق العسكري الذي تم بين تركيا وبقية الأطراف، لما سقط النظام السوري، الذي وصفه بـ “الطاغوت والدكتاتوري”، وأضاف أن هذا النظام استمر في استخدام العنف والإبادة ضد شعبه، حيث دمر المدن وقتل الأبرياء.
وتطرق القطاطشة إلى الدور التركي في تحرير المدن السورية التي خضعت لسيطرة “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقًا، والتي كانت فرعًا إقليميًا لتنظيم القاعدة قبل إعلان انفصاله عنه، وهي الهيئة مدرجة على قائمة الإرهاب الأمريكية منذ عام 2018)، دون مقاومة كبيرة، مثل درعا والقنيطرة وحماة وحمص.
وبيّن أن تركيا لعبت دورًا مهمًا وكانت جزءًا من اتفاقية أستانا، التي تم توقيعها بين إيران وروسيا. وأوضح أن تركيا شعرت بأن مصالحها مهددة، خاصة بعد أن لم يلتزم النظام السوري ببنود الاتفاقية، لافتا إلى أن الدور التركي، الذي يعد جزءًا من اتفاقيات أستانا، يواصل متابعة تطورات الأحداث، في حين فشل النظام العربي في أن يكون له دور فاعل ضمن تلك الاتفاقيات.
تركيا انتصرت في سوريا وأمامها هذه التحديات ..
بالنظر إلى الأهداف التركية في سوريا التي تم ذكرها ضمن هذا التقرير، يمكننا القول إن تركيا قد حققت انتصارها بما يتماشى مع مصالحها؛ فمع انهيار نظام الأسد، ستتمكن تركيا من إعادة اللاجئين الموجودين لديها بمجرد استقرار الأوضاع الأمنية في سوريا في الفترة القادمة.
كما أن انسحاب القوات المدعومة من إيران وحزب الله وروسيا، التي كانت تمثل عقبة أمام تركيا في تحقيق أهدافها، قد سهل لأنقرة الوصول إلى مبتغاها؛ إضافة إلى ذلك، سيؤدي سقوط الأسد إلى إعادة خلط الأوراق بين أنقرة وموسكو، التي كانت حليفة أساسية لدمشق إلى جانب طهران.
أما فيما يتعلق بهدف تركيا في التخلص من تنظيم “واي بي جي“ المدعوم من الولايات المتحدة، فإن تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول الأوضاع في سوريا “لا علاقة للولايات المتحدة بما يجري في سوريا” قد يريح أنقرة ويخفف من عبء وجود التنظيم الكردي، حيث لا توجد نوايا للولايات المتحدة، وفقًا لتصريح ترامب، في البقاء أو التدخل في سوريا خلال المرحلة المقبلة. وبفقدان التنظيم الكردي لدعم الولايات المتحدة، فإن ذلك يصب في مصلحة تركيا في نهاية المطاف.
لكن التحديات التي تواجه أنقرة اليوم تكمن في مساعدة “هيئة تحرير الشام“، التي قادت الفصائل المعارضة في الهجوم الذي أطاح بالأسد، في “كسب اعتراف دولي” و”التخلص من نفوذ روسيا وإيران”.
وأخيرًا، فإن تحقيق الأمن والاستقرار في سوريا خلال الفترة المقبلة يصب في مصلحة النظام التركي، ليكمل ما حققه من أهداف .. لذا، فإن ضمان استقرار سوريا يقع الآن على عاتق تركيا للحفاظ على ما تحقق من مكاسب.