نخبة بوست – محرر الشؤون السياسية

بعد أكثر من عقد من الحرب الطاحنة التي حولت سوريا إلى مسرح لأسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث، شهدت البلاد مآسي تفوق الوصف، بدءًا من القصف العشوائي للمدن، مرورًا باستخدام الأسلحة الكيميائية المحرمة دوليًا، ووصولاً إلى عمليات التهجير الجماعي التي شردت ملايين السوريين.

وفيما كانت صور الأطفال الذين قضوا تحت الأنقاض، والمعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب الوحشي في أقبية السجون، تجوب العالم، ظل الرئيس السوري بشار الأسد يتشبث بالسلطة، متحديًا جميع الدعوات الدولية للمحاسبة.

ومع تصاعد الضغط الدولي، وسقوط العاصمة دمشق في يد المعارضة، لجأ الأسد إلى روسيا، التي منحته حق اللجوء الإنساني؛ فهذا القرار الروسي أثار عاصفة من التساؤلات حول مصير الأسد، الذي يُتهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في الغوطة الشرقية، وإلقاء البراميل المتفجرة على أحياء مكتظة بالسكان.

ورغم هذه الاتهامات الخطيرة، يجد الأسد نفسه الآن في حماية روسيا، التي ليست طرفًا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وفي هذا السياق، يُطرح السؤال الكبير: هل سيبقى الأسد بمنأى عن المحاسبة الدولية بفضل حماية روسيا، أم أن العدالة ستجد طريقها يومًا لمحاسبته على الجرائم التي هزت ضمير العالم؟

نصراوين: روسيا قد تعطل تسليم الأسد؛ باستخدام الفيتو

وفي هذا الصدد، قال أستاذ القانون الدستوري الدكتور ليث نصراوين، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”، أن حق اللجوء الإنساني الذي قررت روسيا منحه للرئيس السوري السابق بشار الأسد لا يعفي الرئيس المعزول من المسؤولية الدولية أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وأوضح أن المحكمة تختص بمحاكمة الأشخاص بصفتهم الفردية المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وجرائم العدوان والجرائم ضد الإنسانية، مستنداً إلى المادة (27) من نظام روما الأساسي، التي تنص صراحة على أن “الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة المرتبطة بالصفة الرسمية للشخص، سواء كانت في إطار القانون الوطني أو الدولي، لا تحول دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص“.

وأشار الدكتور نصراوين إلى أن التساؤل الأبرز يتعلق بإمكانية خضوع الأسد لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية، خصوصاً أن سوريا ليست من الدول التي صادقت على نظام روما الأساسي.

على الرغم من ذلك، يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن ينعقد لها الاختصاص لملاحقة الرئيس السابق الأسد إذا أحال مجلس الأمن الوضع في سوريا إلى المحكمة الدولية، أو إذا وافقت سوريا مستقبلاً على الانضمام والتصديق على نظام روما، أو قبلت اختصاص المحكمة

وفيما يتعلق بروسيا، التي منحت الأسد حق اللجوء، أشار نصراوين إلى أنها ليست ملزمة قانونياً بتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، وذلك ما لم يصدر قرار عن مجلس الأمن يُلزم جميع الدول بالتعاون مع المحكمة الدولية.

ومع ذلك، بيّن أن روسيا ليست طرفاً في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي فإنها قد ترفض أي طلب لتسليم الأسد.

روسيا، في حال صدور قرار عن مجلس الأمن يلزم جميع الدول بالتعاون مع المحكمة لتسليم بشار الأسد، يحق لها استخدام حق النقض “الفيتو” لتعطيل إصدار هذا القرار

واختتم نصراوين تصريحاته بأن حق اللجوء الذي تقرر منحه للرئيس السوري السابق الأسد لا يحول دون محاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية أو أي محاكم وطنية أخرى.

هذا القرار قد يصعب من إجراءات تسليمه، حيث من المتوقع أن ترفض روسيا أي طلب لتسليمه إلى أي جهة قضائية، مستندةً في ذلك إلى سيادتها الوطنية

هل العدالة الدولية على المحك؟

يبقى مصير بشار الأسد اختبارًا حقيقيًا لقدرة العدالة الدولية على محاسبة المسؤولين عن أبشع الجرائم، بغض النظر عن الحصانات أو الحماية السياسية التي يتمتعون بها؛ فحق اللجوء الذي منحته روسيا للأسد يعقّد إجراءات تسليمه، ولكنه لا يغلق الباب أمام ملاحقته قانونيًا أمام المحكمة الجنائية الدولية أو أمام المحاكم الوطنية التي تطبق مبدأ الولاية القضائية العالمية.

ويبقى السؤال مفتوحاً للأيام القادمة؛ حول ما إذا كان المجتمع الدولي قادرًا على تجاوز العقبات السياسية والقانونية لتحقيق العدالة لضحايا الحرب السورية، أم أن المصالح الدولية ستظل عقبة أمام محاسبة الجناة في هذا النزاع الدامي؟

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version