نخبة بوست – محرر الشؤون السياسية
بعد سنوات من الصراع والمعاناة، تدخل سوريا مرحلة انتقالية جديدة تحمل معها آمالًا بإعادة بناء الدولة واستعادة الاستقرار؛ فالتطورات الأخيرة، التي شهدت تسلم قوى التغيير زمام السلطة، جاءت لتفتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد، حيث تُجرى عملية الانتقال السياسي بشكل سلمي ودون إراقة دماء، مع الحفاظ على مؤسسات الدولة القائمة واستمرار عملها.

ورغم هذه المؤشرات الإيجابية؛ تواجه المرحلة تحديات هائلة، أبرزها الحاجة إلى تحقيق توافق وطني يضم جميع الأطراف السياسية، إلى جانب الضغوط الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الدولية مثل قانون قيصر؛ كما تزداد المخاوف من احتمالية تفرد بعض القوى بالقرار السياسي، مما قد يؤدي إلى انقسامات داخلية تُهدد استقرار البلاد.
وفي ظل هذا المشهد المعقد؛ يبقى التساؤل: هل ستتمكن سوريا من تجاوز هذه التحديات لترسيخ دولة المواطنة والاستقرار، أم أن المصاعب الداخلية والخارجية ستعرقل مسيرة التغيير المنشود؟
الكلالدة: استقرار سوريا مرهون بإرادة التغيير الحقيقي
وفي هذا الصدد، قال عضو مجلس الأعيان والرئيس السابق للهيئة المستقلة للانتخاب، الدكتور خالد الكلالدة، إن الحديث عن السيناريوهات المتوقعة للانتقال السياسي في سوريا لا يزال ضمن إطار التكهنات والافتراضات.
وأوضح، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست”،أن التطورات الأخيرة، والتي شهدت استلام قوى التغيير السلطة داخل سوريا قبل عدة أيام، تحمل مؤشرات إيجابية، مشيرًا إلى أن العملية تتم حتى الآن بشكل سلمي ودون إراقة دماء.
وأضاف أن ما يعزز هذه الإيجابية هو اعتماد مؤسسات الدولة القائمة، مثل الوزارات والدوائر الخدمية، التي لا تزال تعمل تحت إشراف قوى التغيير.
تسليم السلطة يتم بشكل توافقي، على الرغم من حساسية المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد
وبيّن أن من يقود هذه المرحلة حتى الآن أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، وأن الأعضاء المكلفين بإدارة المرحلة الانتقالية ينتمون إلى نفس التنظيم السياسي؛ مؤكداً على أنه من الضروري في هذه المرحلة الحساسة أن لا يكون القرار السياسي مقتصرًا على جهة واحدة، بل يجب أن يتم إشراك جميع القوى السياسية التي تمثل مختلف مكونات المجتمع السوري.
هيئة تحرير الشام، التي تقود عملية التغيير، تضم أكثر من 30 فصيلًا سياسيًا وعسكريًا، مما يستدعي العمل على تحقيق شراكة حقيقية بين جميع الأطراف لضمان عدم حدوث فتنة مستقبلية قد تتطور إلى مستوى الاقتتال الداخلي
وأكمل الكلالدة بأن التجربة السورية في هذه المرحلة الانتقالية تحتاج إلى وقت طويل لتحقيق استقرار سياسي شامل وإعادة بناء الدولة، موضحًا أن مثل هذه التحولات السياسية الكبرى عادة ما تتطلب مشاركة جميع الأطراف التي أسهمت في عملية التغيير.
وتطرق إلى أن هذه المشاركة لا تقتصر على الداخل السوري فقط، بل تشمل أيضًا القوى السياسية الموجودة في الخارج، التي يجب أن تكون جزءًا من هذه العملية لضمان تمثيل شامل وعادل لكافة الأطراف.
ولفت إلى أهمية الحفاظ على الاستقرار الداخلي خلال المرحلة الانتقالية، مشددًا على أن قوى التغيير يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الحاجة لتمثيل غالبية السكان السوريين بمختلف فئاتهم.
الدولة السورية في الماضي عانت من غياب المشاركة الحقيقية لكل فئات المجتمع في الحياة السياسية، وهو أمر يجب أن يتم تلافيه لضمان نجاح المرحلة المقبلة
من ناحية أخرى، نوه الكلالدة إلى أن المجتمع الدولي يلعب دورًا حيويًا في دعم سوريا خلال هذه المرحلة، مشيرًا إلى أن البلاد لا تزال تعاني من تأثير قوانين دولية مثل قانون قيصر.
هذا القانون قد دفع سوريا إلى البحث عن مصادر تمويل قد تكون غير قانونية من وجهة نظر المجتمع الدولي
ودعا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته والعمل على رفع العقوبات التي تثقل كاهل الشعب السوري، بما يتيح للبلاد فرصة لإعادة بناء اقتصادها واستعادة مكانتها على الساحة الدولية.
وفصّل الكلالدة بأن التحديات الرئيسية التي تواجه الفصائل المعارضة تكمن في قدرتها على الحفاظ على الحوار فيما بينها، وعدم محاولة أي طرف تغييب الآخر أو السيطرة على القرار السياسي.
هذه التحديات تشمل أيضًا الحفاظ على بنية الجيش السوري، مشيرًا إلى أن التجارب السابقة في العالم العربي أثبتت أن حل الجيوش يؤدي إلى حالة من الفوضى، ويخلق فراغًا أمنيًا يجعل المجتمعات عرضة للتجاوزات القانونية والفوضى
وحثّ الكلالدة إلى الإسراع في إنجاز دستور توافقي يعكس تطلعات الشعب السوري، موضحًا أن هذا الدستور يجب أن يكون مبنيًا على مفهوم الدولة والمواطنة، بعيدًا عن الفئوية أو الطائفية.
الدستور يجب أن يضمن حقوق جميع المواطنين دون تمييز، بغض النظر عن أصولهم أو انتماءاتهم العرقية أو الدينية
وفي حديثه عن المرحلة الحالية، شدّد الكلالدة على أن الأمور تسير بشكل إيجابي حتى الآن، لكن أشار إلى بروز بعض مظاهر التفرد بالقرار السياسي، محذرًا من خطورة هذه الممارسات على استقرار البلاد.
وأكمل بأن المرحلة الانتقالية تتطلب إشراك جميع القوى، بما في ذلك القوى السياسية الموجودة خارج سوريا، لضمان نجاح عملية الانتقال السياسي وتحقيق استقرار شامل.
واختتم الكلالدة تصريحاته بالقول إن مستقبل سوريا يجب أن يكون قرارًا داخليًا يعبر عن إرادة الشعب السوري وحده؛ مضيفاً بأن الانفتاح على الدول العربية والمحيط الإقليمي يعد أمرًا ضروريًا في هذه المرحلة، ومشيرًا إلى أن هذه الدول يمكن أن تلعب دورًا إيجابيًا في دعم الاستقرار والمساعدة في إعادة بناء الدولة السورية، بدلًا من أن تكون عوامل تضييق أو عرقلة.
سوريا إلى أين؟
تتأرجح سوريا بين أمل في مستقبل أفضل ومخاطر تُهدد بإعادة البلاد إلى دوامة الصراع؛ فرغم البداية السلمية لمرحلة التغيير، تبقى التحديات الكبرى قائمة، من تحقيق شراكة وطنية شاملة إلى كسر قيود العقوبات الدولية.
فهل يكتب السوريون فجرًا جديدًا لدولتهم؛ أم تعصف بهم التحديات نحو مصير مجهول؟