* الرداد : سوريا الجديدة تقف اليوم على أعتاب مرحلة مليئة بالتحديات على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية
نخبة بوست – شذى العودات
بعد سنوات طويلة من الصراع المدمر، تقف سوريا اليوم أمام مجموعة من التساؤلات المصيرية التي تفرض نفسها بقوة على واقعها الداخلي، خاصة بعد فشل الوساطة الأميركية في وقف إطلاق النار مع ما بين “قسد” و “المعارضة”؛ ويمكن تضمينها في كيف ستتعامل البلاد مع تحدياتها الأمنية، في ظل الانقسامات الطائفية والجغرافية، وانتشار الإرهاب بمختلف أشكاله؟
وهل يمكن للسوريين إعادة بناء نظام سياسي جديد ينهي عقودًا من الاستبداد ويضمن ديمقراطية حقيقية وتمثيلًا واسعًا لمكونات المجتمع المتعددة؟ وماذا عن الاقتصاد المنهك، الذي تعرض لتدمير ممنهج طال البنية التحتية والقطاعات الحيوية، هل يمكن أن تنهض سوريا مجددًا من ركامها، وتعيد الحياة إلى اقتصادها عبر مشاريع إعادة إعمار شاملة؟
الملف الأمني؛ يفرض نفسه باعتباره الأساس لأي استقرار مستقبلي، حيث تشكل الانقسامات الطائفية والجغرافية وانتشار الإرهاب بمختلف أشكاله تهديدات وجودية للدولة السورية؛ كما أن المؤسسات الأمنية التي باتت تعاني من تفكك داخلي وانقسامات ولائية، تحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة لبناء منظومة أمنية وطنية قادرة على فرض الأمن بمفهومه الشامل، وتحقيق الاستقرار في جميع أنحاء البلاد.
أما على الصعيد السياسي؛ فالسؤال المحوري يكمن في مدى قدرة السوريين على تجاوز الإرث الثقيل من الحكم الاستبدادي وبناء نظام سياسي حديث؛ نظام يقوم على دستور ديمقراطي يعزز التعددية، ويضمن حقوق الإنسان، ويتيح تمثيلًا واسعًا لمختلف التيارات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، مما يعيد للسوريين الثقة في عملية سياسية عادلة وممثلة للجميع.
وفيما يتعلق بالاقتصاد؛ فإن الواقع لا يقل تعقيدًا؛ فقد أدى الدمار الممنهج إلى تدهور شامل في البنية التحتية، مع تصنيف سوريا كواحدة من أكثر الدول فسادًا وفقرًا، ورغم ما تمتلكه البلاد من إمكانيات وثروات طبيعية، فإن إعادة الإعمار تبدو مرهونة بوجود بيئة سياسية وأمنية مستقرة، قادرة على جذب المستثمرين والداعمين الدوليين للمشاركة في مشاريع تعيد الحياة إلى الاقتصاد السوري.
للإجابة على هذه التساؤلات في الشأن السوري، توجهنا في “نخبة بوست” إلى الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور عمر الرداد، الذي قدم رؤية شاملة ومتكاملة لتفكيك هذه التحديات، وتوضيح ارتباطها الوثيق بمستقبل سوريا الجديدة.
الرداد: تحديات سياسية واقتصادية وأمنية معقدة تواجه سوريا الجديدة
وفي هذا الصدد، أكد الخبير الاستراتيجي الدكتور عمر الرداد، في تصريح خاص لـ“نخبة بوست” أن سوريا تقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة مليئة بالتحديات على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.
وأوضح أن هذه التحديات متشابكة ومعقدة، إلا أن التحدي الأمني يبقى الأهم والأكثر إلحاحًا، كونه العامل الأساسي الذي يؤثر بشكل مباشر على باقي التحديات ويحدد إمكانية تحقيق الاستقرار المنشود.
الأمن.. الأولوية الأولى لإعادة بناء الدولة
وأشار الرداد إلى أن الوضع الأمني في سوريا يمثل أحد أكثر القضايا إلحاحًا، حيث وصف الدولة التي تركها النظام الحالي بأنها دولة شبه فاشلة وفقًا للتصنيفات الدولية. وأوضح أن هذه الدولة تعاني من التقسيم الجغرافي والطائفي، حيث استشرى الإرهاب داخلها بأشكاله كافة.
وأكد أن المؤسسات الأمنية والجيش السوري تحولتا إلى كيانات أقرب إلى عصابات، ترتبط ولاءاتها بالطوائف التي ينتمي إليها أفرادها وقادتها.
ورأى أن الخطوة الأولى لتحقيق الاستقرار في سوريا الجديدة تبدأ بإعادة بناء دولة خالية من الإرهاب، وتأسيس مؤسسات أمنية قوية قادرة على فرض الأمن بمفهومه الشامل، ما سيخلق قاعدة صلبة لمعالجة التحديات الأخرى.
السياسة.. بناء نظام ديمقراطي حديث
وفيما يتعلق بالتحديات السياسية؛ شدد الرداد على أهمية تأسيس نظام سياسي جديد يضمن الانتقال من نظام استبدادي استمر لعقود إلى نظام ديمقراطي يحقق طموحات السوريين.
وأشار إلى أن الانتخابات الديمقراطية الحقيقية ستكون ركيزة هذا النظام، حيث يجب أن تنهي عهد الانتخابات الشكلية التي كانت تكرس سيطرة النظام في الماضي بصيغ مثل “99%”.
ولفت إلى أن تمثيل جميع الاتجاهات السياسية، بما في ذلك الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، سيكون تحديًا كبيرًا أمام الإدارة الجديدة، لكنه ضرورة لتعزيز التعددية السياسية واستثمار التنوع الموجود في سوريا في تقوية الدولة الجديدة.
الاقتصاد.. إعادة الإعمار ومحاربة الفساد والفقر
وعلى الصعيد الاقتصادي؛ أوضح الرداد أن الاقتصاد السوري يواجه تحديات هائلة، نتيجة التدمير الممنهج الذي تعرضت له البنية التحتية والقطاعات الاقتصادية المختلفة خلال السنوات الماضية.
وأكد أن إعادة الإعمار تمثل تحديًا كبيرًا، حيث تحتاج سوريا إلى مشروع شبيه بمشروع مارشال لإعادة بناء القطاعات المتضررة، خاصة في مجالات البنية التحتية، بما في ذلك العمران وشبكات الاتصالات والتكنولوجيا.
وشدد على أن تحقيق هذا الهدف يتطلب وجود بيئة أمنية وسياسية مستقرة، لأن غياب هذه البيئة لن يشجع الممولين والمستثمرين، سواء كانوا دولًا أو شركات أو أفرادًا، على المساهمة في إعادة الإعمار.
التوافق الداخلي والدولي: شرط أساسي لمستقبل سوريا
وفي ختام حديثه، أشار الدكتور الرداد إلى أن مستقبل سوريا الجديدة سيظل مرتبطًا برهانات عدة، أهمها قدرة السوريين على تحقيق التوافق الداخلي بين مختلف مكونات الشعب.
وأضاف أن التحدي الآخر يكمن في تحقيق التوافق بين الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في الملف السوري؛ لافتاً إلى أن هذه التوافقات تعتبر شرطًا أساسيًا لأي عملية إعادة إعمار أو تحقيق للاستقرار في سوريا.
وأكد أن القيادة الجديدة تبدو واعية تمامًا لهذه التعقيدات، حيث أظهرت من خلال تصريحاتها المتكررة إدراكًا واضحًا لحجم التحديات، وتعاملًا حذرًا مع المتغيرات المختلفة، بما يفتح الباب أمام بناء مستقبل أفضل لسوريا رغم صعوبة المهمة وتعقيداتها.
سوريا الجديدة امام اختبار حقيقي ..
في ظل هذه التحديات المعقدة، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح سوريا في تجاوز الانقسامات الطائفية والجغرافية، وإعادة بناء منظومتها الأمنية لتصبح دولة قادرة على تحقيق الاستقرار الشامل؟ وهل سيتمكن السوريون من التوافق على نظام سياسي ديمقراطي يضمن تمثيل كافة مكونات المجتمع وينهي عقودًا من الاستبداد؟ والأهم من ذلك، كيف يمكن للاقتصاد السوري أن يتعافى ويستعيد عافيته عبر مشاريع إعادة إعمار شاملة، وسط بيئة سياسية وأمنية مستقرة؟
هذه التساؤلات المحورية تضع مستقبل سوريا في اختبار حقيقي؛ اختبار لا يعتمد فقط على الإرادة المحلية، بل أيضًا على مدى توافق القوى الإقليمية والدولية في رسم معالم مرحلة جديدة للبلاد.