نخبة بوست – عصام المساعيد ( رئيس جمعية فرسان التغيير للتنمية السياسية وتطوير المجتمع المدني)
تُعد الأزمة السورية واحدة من أعقد الأزمات السياسية في العصر الحديث، ليس فقط بسبب امتدادها الزمني، ولكن نتيجة التدخلات الإقليمية والدولية التي عمّقت جذورها وأدت إلى انهيار مؤسسات الدولة، وأرهقت شعبها. في هذا المشهد المُعقد، برزت المملكة الأردنية الهاشمية، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، كطرف فاعل ومؤثر عبر سياسة دبلوماسية متوازنة ومبادرات استراتيجية تهدف لتحقيق الحل السياسي، والحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها.
أولاً: يتمثل الدور الدبلوماسي الأردني بالحكمة والتوازن؛ منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، اتخذ الأردن موقفًا وطنيًا مسؤولًا يستند إلى مبادئ ثابتة تجمع بين الحرص على الأمن القومي الأردني والدور الإنساني والإقليمي تجاه سوريا. وقد استطاع الأردن، عبر أدواته الدبلوماسية الفاعلة، أن يرسخ موقعه كلاعب رئيسي في جهود الحل السياسي على النحو التالي:
- التأكيد على الحل السياسي الشامل: يرفض الأردن أي حلول عسكرية للأزمة السورية، حيث أكدت القيادة الأردنية مرارًا أن الحوار السياسي هو الطريق الوحيد للخروج من المأزق السوري، بما يتوافق مع القرارات الأممية، وخاصة القرار 2254.
- استضافة المؤتمرات والمباحثات: حيث حرص الأردن على أن يكون طرفًا مسهّلًا للحوار، عبر المشاركة في اجتماعات أستانا وجنيف ومحادثات الدول الضامنة، وطرح رؤية واضحة تُعزز مسار التسوية السياسية مع احترام سيادة سوريا ووحدتها.
- الدور الإنساني: تحمل الأردن مسؤولية أخلاقية وإنسانية باستضافة أكثر من مليون لاجئ سوري، وتقديم الدعم رغم التحديات الاقتصادية. هذا الدور الإنساني كان ولا يزال شاهدًا على سياسة المملكة القائمة على حماية الجوار العربي.
- ضبط الحدود ومكافحة الإرهاب: عمل الأردن على تأمين حدوده الشمالية ومنع تمدد الجماعات المتطرفة، ما ساهم في تعزيز الأمن الإقليمي. كما أكدت القيادة الأردنية ضرورة محاربة الإرهاب بكل أشكاله، وإعادة الاستقرار إلى سوريا.
ثانياً: الرؤية الأردنية الاستراتيجية قدمت حلول سياسية وتنموية شاملة؛ فمن منطلق الحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها، طرح الأردن رؤية استراتيجية متكاملة للتعامل مع الأزمة السورية، تعتمد على الأسس التالية:
- إنهاء الانقسام الداخلي السوري: حيث انه من الضروري أن يجلس السوريون على طاولة حوار وطني يضم جميع الأطياف السياسية، بعيدًا عن التدخلات الخارجية، بهدف التوافق على دستور جديد يضمن الحقوق والحريات، ويؤسس لمرحلة انتقالية تُمهد لإجراء انتخابات ديمقراطية حرة وشفافة.
- إعادة الإعمار والتنمية: إذ يجب تفعيل دور المجتمع الدولي والدول العربية في إعادة إعمار سوريا، مع التركيز على إعادة تأهيل البنية التحتية، وخلق بيئة اقتصادية تنموية تُشجع على عودة اللاجئين.
- تعزيز الوحدة الوطنية السورية: إن محاربة التطرف ونبذ الطائفية والعرقية يُعدّ مفتاحًا رئيسيًا لبناء سوريا المستقبل. الوحدة الوطنية هي السلاح الأقوى في مواجهة التحديات، وعلى الشعب السوري أن يلتف حول مشروع وطني جامع.
- عودة سوريا إلى محيطها العربي: يؤمن الأردن بأهمية إعادة سوريا إلى الصف العربي من خلال الجامعة العربية، لتكون جزءًا من منظومة إقليمية فاعلة، تتعاون لتحقيق الأمن والتنمية المشتركة.
التحديات والفرص: إن الواقع السوري رغم تعقيده، يُقدم فرصًا حقيقية للانطلاق نحو مستقبل أفضل، لكن ذلك يتطلب مواجهة التحديات من خلال التوافق الدولي والإقليمي فالحل يحتاج إلى تنسيق بين القوى الكبرى والإقليمية الفاعلة، لضمان إنهاء التدخلات الخارجية السلبية، بالإضافة إلى محاربة الإرهاب والجماعات المتطرفة لأجل إعادة بناء مؤسسات الدولة إذ يتطلب القضاء على بؤر الإرهاب وفرض سيادة القانون، كما يجب تعزيز التنمية الاقتصادية حيث يعد الاقتصاد السوري هو العمود الفقري لإعادة بناء الدولة، لذا يجب الاستثمار في التعليم وإعادة تأهيل القطاعات الإنتاجية.
من موقعنا كشباب عربي، نرى أن بناء سوريا الجديدة يجب أن يستند إلى العمل الجاد والوحدة الوطنية وعلى السوريين التركيز على توحيد الجهود الوطنية وتجاوز الخلافات والانقسامات والعمل على بناء دولة مؤسسات حديثة بالإضافة إلى تمكين الشباب من خلال إشراك الأجيال الشابة في عملية صنع القرار، كونهم أمل المستقبل ومحرك التنمية ويجب أيضاً إعلاء المصلحة الوطنية فوق كل الاعتبارات لأن سوريا بحاجة إلى مشروع وطني يضع مصلحتها الوطنية أولًا، ويعيد الثقة بين الشعب ومؤسسات الدولة السورية.
أن الموقف الأردني بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، كان ولا يزال موقفاً مشرفاً بكل معنى الكلمة، إذ سيواصل الأردن جهوده الحثيثة عبر الأطر الدبلوماسية والسياسية لدعم استقرار سوريا وستظل المملكة الأردنية شريكًا حقيقيًا في تقديم العون الإنساني، وضمان العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى وطنهم، وتعزيز فرص الحوار السياسي لتحقيق سلام مستدام.
في الختام، إن حل الأزمة السورية هو مسؤولية جماعية، تبدأ من السوريين أنفسهم عبر تحقيق التوافق الوطني، وتتطلب دعمًا عربيًا ودوليًا يرتكز على احترام سيادة سوريا وحقوق شعبها. نحن في الأردن، بفضل رؤيتنا الهاشمية الحكيمة، سنبقى إلى جانب أشقائنا السوريين، داعمين لمسيرتهم نحو إعادة بناء وطنهم، لأن استقرار سوريا هو استقرار للأردن والمنطقة بأكملها.