نخبة بوست – كتب: د. محمد أبو رمان ( العربي الجديد)

تعكس التصريحات الإيرانية أخيراً، سواء من المرشد الأعلى للثورة علي خاميني، أو حتى من وزير الخارجية عباس عرقجي، تجاه الوضع الجديد في سورية، حجم الأزمة التي تشعر بها طهران إقليمياً، بعد انهيار نظام بشّار الأسد، الذي جاء غداة موافقة حزب الله على قرار مجلس الأمن 1701، وتقييد أيادي الحزب في المنطقة، فضلاً عمّا تقوم به إسرائيل من عدوان في غزّة، وما يُطرح من مخطّطات لمستقبل القطاع خارج نطاق السيطرة السياسية والعسكرية لحركة حماس، ليس فقط إسرائيلياً، بل حتى دولياً وإقليمياً، وبقبول نسبي كبير من الحركة، التي أصبحت تدرك تماماً أنّها لن تتمكّن من حكم القطاع لاحقاً، لأسبابٍ عديدة.

أبو رمان يكتب: هل تفكّك "الهلال الإيراني" ؟
أستاذ العلوم السياسية الدكتور محمد أبو رمان


لم يقتصر انهيار النظام السوري على فقدان حليفٍ لإيران فقط، بل بروز نظام سياسي جديد ليست لديه علاقة إيجابية بطهران، التي ساعدت النظام السابق وأعانته على قمع المعارضة المسلّحة، وهو ما كان واضحاً في تبادل التصريحات بين وزير الخارجية الإيراني ونظيره السوري الجديد، أسعد الشيباني.

صورة للرئيس المخلوع بشار الأسد 7 كانون الأول 2024. (أ ف ب)

لم يقتصر انهيار النظام السوري على فقدان حليفٍ لإيران فقط، بل بروز نظام سياسي جديد ليست لديه علاقة إيجابية بطهران، التي ساعدت النظام السابق وأعانته على قمع المعارضة المسلّحة

بل فوق هذا وذاك، بدا أنّ رئيس الوزراء العراقي، محمد شيّاع السوداني، هو الآخر يحاول أن يأخذ مسافةً من النفوذ الإيراني؛ وبالرغم من استقالة مستشاره السياسي، إبراهيم الصميدعي، بعد تصريحاته اللافتة عن نزع سلاح المليشيات، إلا أنّ التصريحات كانت تكشف الأحاديث الخفية في الدوائر المغلقة عن نزع سلاح الحشد الشعبي والمليشيات الأخرى، وخشية الحكومة العراقية من مخطّط إسرائيلي لاستهداف هذه القوى، وهو ما يقلق بغداد كثيراً، ويبدو أنّ هنالك ضغوطاً أميركية ودولية على رئيس الوزراء للقيام باستدارة ناعمة أو سلمية لتحجيم النفوذ الإيراني في العراق، كما تؤكّد تقارير دبلوماسية دولية وإقليمية عديدة.

يبدو أنّ هنالك ضغوطاً أميركية ودولية على رئيس الوزراء للقيام باستدارة ناعمة أو سلمية لتحجيم النفوذ الإيراني في العراق، كما تؤكّد تقارير دبلوماسية دولية وإقليمية عديدة

أبو رمان

بعد عقدَين (منذ احتلال العراق 2003)، عملت فيهما طهران بطريقة هادئة براغماتية طويلة المدى على بناء حلف إقليمي كبير، وكانت تحلم بطريق طهران بيروت، وتضع شروطها على الطاولة في أيّ صفقة إقليمية، وتسعى إلى الاعتراف بها قوةً إقليميةً رئيسيةً… بعدهما، بدت وكأنّها فقدت أعمدتها الرئيسية بدرجة كبيرة، وخسارة النظام السوري، بل “الجيوبوليتيك” السوري هي خسارةٌ استراتيجيةٌ قاسيةٌ جدّاً على طهران، لأنّه يقطع الطريق استراتيجياً واقتصادياً وعسكرياً على النفوذ الإقليمي الإيراني، فضلاً عن تفكيك العديد من شبكات الظلّ، الاقتصادية والعسكرية، التي كانت تعمل في الخفاء للتحايل على العقوبات الاقتصادية، ولتمويل النفوذ العسكري الإقليمي المُكْلِف لخزينة دولة منهكة أصلاً بالعقوبات.


أكثر من ذلك، بالرغم من أنّ العراق ما يزال ضمن “الشبكة الإقليمية”، إلا أنّ هنالك ضغوطاً عليه، وتململاً من قيادات سياسية، حتى من تلك المقربة تقليدياً من طهران، التي لا تشعر بالارتياح لنمط العلاقة بين الدولتَين، القائم على التبعية والهيمنة السياسية والعسكرية الإيرانية؛ فوق هذا وذاك، فإنّ هنالك تحليلات وتكهّنات في أوساط نخبوية أميركية تتحدّث عن ردّ الاعتبار لاستراتيجية محاولة إسقاط النظام الإيراني من الداخل، في استثمار الأوضاع الاقتصادية والانقسامات الثقافية والعرقية والاجتماعية والجغرافية الهائلة في إيران.

بالرغم من أنّ العراق ما يزال ضمن “الشبكة الإقليمية”، إلا أنّ هنالك ضغوطاً عليه، وتململاً من قيادات سياسية، حتى من تلك المقربة تقليدياً من طهران، التي لا تشعر بالارتياح لنمط العلاقة بين الدولتَين

أبو رمان


بالرغم من حجم هذه الضربات القاسية والفاعلة التي تلقّاها النفوذ الإقليمي الإيراني، فمن الصعوبة بمكان القول بانتهائه بالكلّية، أو عدم صعوده في المستقبل، لأسباب عديدة، بعضها متعلّق بالمسألة الطائفية والعرقية والهُويَّات والفاعلين ما دون الدول.

بمعنى أنّ هذا النفوذ ارتبط بتهتّك بُنى الدولة الوطنية، لأنّ إيران تبني نفوذها أكثر على المليشيات والقوى ما دون الدولة، بوصفها أكثر صلابةً أيديولوجياً أو طائفياً أو ارتباطاً بها. أما السبب الثاني فيتمثّل في استمرار الفراغ الإقليمي، وعدم وجود بديل إقليمي يتحدّى إسرائيل، التي أصبحت لديها طموحات كبيرة لما أطلق عليه الباحثان والكاتبان الإسرائيليان عاموس يادلين وأفنير جولوف مصطلح “النظام الإسرائيلي في الشرق الأوسط” (“مجلة الشؤون الخارجية”، عدد ديسمبر/كانون الأول 2024).


الرياح في المنطقة سريعة ومتقلّبة، ولا شيء ثابتاً راسخاً إلى هذه اللحظة، والمشروع الأميركي الإسرائيلي الجديد لتدشين نظام إقليمي جديد (السلام الإقليمي)، لن ينجح في جلب الاستقرار تحت وطأت الهيمنة الثقافية الإسرائيلية (التي يحلم بها بنيامين نتنياهو)، ممّا يجعل فرصة عودة طهران أو أيّ خطاب أيديولوجي أو قوى من هنا أو هناك مسألةً ممكنةً في المرحلة المقبلة.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version