نخبة بوست – كتب: د. محمد أبو رمان

تهمس نخب سياسية عديدة بأنّ الوقت ليس مناسباً اليوم للمضي قدماً في مشروع التحديث السياسي؛ واستكمال المراحل التالية منه، بخاصة ما يتعلّق بتعزيز حضور الأحزاب السياسية في العمل العام، بخاصة أنّ هنالك مرحلة قادمة من تعديل قانون الانتخاب لتصل نسبة تمثيل الأحزاب السياسية إلى 50%، كما أنّ هنالك استحقاق تعديل قانون الإدارة المحلية، كما أكّد رئيس الوزراء جعفر حسان، في بيان الثقة.

مع الأخذ بعين الاعتبار وجود وليد المصري، على رأس الوزارة اليوم، وقد كان رئيساً للجنة اللا مركزية في لجنة تحديث المنظومة السياسية، والتي قدّمت بدورها مقترحات لتطوير القانون لم تأخذ به الحكومة السابقة.

أبو رمان يكتب: هل سيتأثر مشروعنا في «التحديث السياسي» بما يحدث حولنا؟
أستاذ العلوم السياسية الدكتور محمد أبو رمان

يحاجج التيار الداعي إلى التوقف عن «مسار التحديث» ومراجعة المشروع برمّته، بمسألتين رئيستين؛ الأولى تتمثل فيما يعتبره ضعف «مردود» الأحزاب السياسية وعدم قدرتها على تقديم نماذج مشجّعة خلال المرحلة السابقة (وهو موضوع سنعود إليه في مقالات لاحقة، لأنّه حكم مستعجل وغير دقيق)، والثانية أنّ الظروف الإقليمية الراهنة، التي تشهد انهيارات كبيرة وعدم استقرار سياسي، وتحديات قادمة على صعيد «ما يخطط» له إقليمياً، ومن الواضح أنّ حالة عدم الاستقرار ليست في الطريق إلى الانتهاء، بل إلى التصاعد والتصعيد في العام القادم، في صراع محموم بين الأطراف المختلفة على حسم قواعد اللعبة الإقليمية الجديدة.

من الواضح أنّ حالة عدم الاستقرار ليست في الطريق إلى الانتهاء، بل إلى التصاعد والتصعيد في العام القادم، في صراع محموم بين الأطراف المختلفة على حسم قواعد اللعبة الإقليمية الجديدة

يضيف هذا الفريق من السياسيين إلى ما سبق عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وعدم اكتراثه المطلق في علاقاته بالدول والمنطقة بسؤال الديمقراطية أو حقوق الإنسان والحريات العامة، بل وتفضيله الأمن والاستقرار على ذلك، وإذا وضعنا نتائج الانتخابات النيابية الماضية 2024 ضمن هذه الحزمة من المتغيرات، فإنّ وجود «الإسلاميين» بقوة داخل قبة البرلمان، وما قد يعتبره بعض السياسيين محفّزاً لفتح شهيتهم السياسية، مرّة أخرى، بعد الأحداث في سورية، فإنّ ذلك كلّه يدفع – وفقاً لهذا الرأي- إلى مراجعة مفهوم التحديث، بل التراجع التكتيكي عنه في المرحلة القادمة.

من الانتخابات النيابية 2024

معضلة الموقف السابق أنّه يقفز عن أهم درس مما حدث في سورية، وفي العديد من التجارب العربية التي عايشناها، ويتمثّل بأنّ انهيار النظام السابق وعدم صموده يكمن في أمر رئيس وهو «الجبهة الداخلية»، فالتحديث السياسي هو ضرورة داخلية وليست خارجية، وهو مرتبط بالعديد من المهمات الرئيسية من ضمنها وجود قوى سياسية فاعلة ومؤثرة ضمن اللعبة السياسية، وتصعيد نخب سياسية وقيادات قادرة على مخاطبة الشارع وتشكل جسراً ما بين السياسة والمجتمع، وهذا هو دور الأحزاب السياسية والمؤسسات التمثيلية مثل مجلس النواب، وكذلك المجتمع المدني.

التحديث السياسي هو ضرورة داخلية وليست خارجية، وهو مرتبط بالعديد من المهمات الرئيسية من ضمنها وجود قوى سياسية فاعلة ومؤثرة ضمن اللعبة السياسية، وتصعيد نخب سياسية وقيادات قادرة على مخاطبة الشارع

على الطرف الآخر فإنّ «الاستثنائية الأردنية» في المنطقة، وقدرة الدولة على تجاوز العديد من المحطات التاريخية الصعبة، ومنها لحظة الربيع العربي، وقبلها العديد من المنعرجات الخطيرة، أسّست لـ»نموذج» مختلف عما هو في المنطقة، وهو سرّ الوصفة الداخلية المميزة، في علاقة القيادة بالشعب، ويتمثّل بوجود نظام حكم متسامح غير دموي ولا عنيف ولا طائفي ولا أحادي، فيه قدر كبير من الرحمة والتراحم والعلاقة المباشرة ما بين الحاكم والمحكوم.

مثل هذا النموذج هو سرّ العبور التاريخي للنظام الأردني، والسمعة التي تشكّلت حوله، فأصبح بالنسبة لملايين العرب مطلباً ومثالاً لما هو مرغوب.

إحدى أوراق الدور الإقليمي للأردن في المرحلة القادمة هي مفهوم «النموذج»، الذي يمثّل حالة متقدمة في الديمقراطية والتعددية والاستقرار السياسي في المنطقة

إحدى أوراق الدور الإقليمي للأردن في المرحلة القادمة هي مفهوم «النموذج»، الذي يمثّل حالة متقدمة في الديمقراطية والتعددية والاستقرار السياسي في المنطقة، لأنّ الاستقرار – الأردني- لم يُبن على عامل الخوف والتخويف والعنف والتعذيب، كما هي الحال في العديد من الدول، بل على السمات السابقة، وهو ما يتطلب تعزيزه وتجذيره بوصفه أحد أهم مصادر «المنعة» الداخلية والخارجية.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version