نخبة بوست – وفاء صبيح

بالتزامن مع احتفال العالم بعيد العمّال، تتبادر إلى الأذهان كافة القضايا والهموم التي تشغل بال العمّال في مختلف المجالات والقطاعات العاملة بالمملكة، فالبطالة، الأمن الوظيفي، الضمان الإجتماعي، التأمين الصحي.. هذه المحاور وغيرها الكثير قضايا هامة تتطلب تسليط الضوء عليها عن كثب وإيجاد حلول عاجلة لها، لاسيما في ظل إرتفاع معدلات البطالة إلى 22% وعدم النظر بالحد الأدنى للأجور – الذي يبلغ 260 دينار- منذ 5 سنوات.

من هنا؛ ارتأت أسرة “نحبة بوست” مناقشة هذا الموضوع عن كثب خلال جلسة حوارية عقدتها تحت عنوان “في عيدهم .. ماذا يحتاجون؟” ، إذ تناولت الجلسة محاور هامة وتمخض عنها توصيات عاجلة أبرزها رفع الحد الأدنى للأجور مطلع العام المقبل إضافة إلى متابعة مخرجات خطة التحديث الإقتصادي للأعوام ( 2023- 2025) فيما يتعلق بتوفير 100 ألف فرصة عمل جديدة سنوياً، مما سيحد من مشكلة البطالة وارتفاع نسب الفقر بالمملكة.

البشير: ” قطاع العمل غير المنظّم مجحف بحق العامل الأردني”

"في عيدهم .. ماذا يحتاجون؟".. جلسة حوارية حول هموم وقضايا العمّال
النائب المحامية دينا البشير

النائب والمحامية دينا البشير تحدثت بواقعية حول الصعوبات والتحديات التي تواجه العامل الأردني، إذ ميزّت بين قطاع العمل المنظّم – الذي ينضوي تحت مظلة النقابات والرقابة الحكومية – وغير المنظّم حكوميا أو نقابيا، فالإشكاليات التي يشهدها سوق العمل اليوم حول التأمين الصحي، الضمان الإجتماعي، الحد الأدنى للأجور.. وغيرها من الشكاوى الأخرى تنطبق على الطرفين لكن الفرق أن القطاع المنظم يخضع للرقابة والتفتيش أما القطاع غير المنظم فيكون نوعا ما بعيدا عن الرقابة والمساءلة القانوينة.

وأوضحت البشير أنه في حال قطاع العمل غير المنظّم يلجأ صاحب العمل للأسف إلى استغلال العامل وعدم منحه حقه بالحد الأدنى للأجور أو عدم شموله بالتأمين الصحي أو الضمان الإجتماعي على سبيل المثال وهو أمر مجحف بحق العامل.
التحدي الآخر الذي يواجه سوق العمل اليوم يكمن من وجهة نظر البشير بشبكة النقل العام بالمملكة، إذ أكدت البشير ضرورة أن يكون هناك شبكة نقل شاملة ومتكاملة تتيح للعامل إمكانية التنقل بين أنحاء المملكة والوصول إلى عمله بسلاسة ويسر، وهذا المحور يسهم وفقا للبشير بتخفيف اكتظاظ سوق العمل بالعاصمة وبالتالي توزيع الإستثمارات وإيجاد فرص العمل بمختلف محافظات المملكة.

وحول مشكلة البطالة واستحداث فرص العمل، أكدت البشير أن الخريجين الجدد يواجهون عائقاً بالحصول على فرص عمل بسبب عدم وجود الخبرة أو نقص التدريب، وهنا لابد من تعزيز التعاون مع القطاع الخاص وإيجاد بدائل لوظائف القطاع الحكومي والتي تحتاج وفقاً لديوان الخدمة إلى 8 سنوات أو أكثر لدمج دفعة واحدة من الخريجين في سوق العمل.

وأشارت إلى ضرورة تحفيز عمال الزراعة والبناء .. وغيرهم على الإنتساب إلى النقابات، إلى جانب تعزيز وعي العمال بحقوقهم ومكتسباتهم الوظيفية وكيفية التصرف عند تعرضهم إلى الإنتهاكات أو ظلم من أصحاب العمل، ولفتت البشير إلى أهمية دمجهم بدورات توعوية وتعزيز حملات التثقيف بحقوق العمال سواء كان ذلك من خلال مراكز إعلام الجهات الرسمية أو عبر الصحف ومؤسسات المجتمع المدني لإطلاعهم عن كثب على أهمية شمولهم في الضمان الإجتماعي ومعرفة البنود المرتبطة بحقوقهم وواجباتهم في قانون العمل ليصبح لدى العامل دراية تامة في هذا المجال.

الفناطسة: “إعادة النظر بالحد الأدنى للأجور مطلع العام المقبل”

رئيس اتحاد العمال خالد الفناطسة

على صعيد متصل، ناقشت الجلسة الحوارية محور هام أيضا وهو الحد الأدنى للأجور والذي يبلغ حاليا 260 دينار، وفي هذا الصدد أكد رئيس اتحاد العمال خالد الفناطسة أنه يبذل قصارى جهده حتى لا يتم تأجيل ربط الحد الأدنى للأجور بنسب التضخم كما حصل في الأعوام السابقة.

وقال “من غير المعقول والمقبول أن يبقى الحد الأدنى للأجور عند 260 دينار، لذا قررت اللجنة الثلاثية لشؤون العمل الإبقاء على الحد الأدنى للأجور عند 260 ديناراً للأعوام 2023-2024 على أن يتم إعادة النظر بالحد الأدنى للأجور من قبل اللجنة بداية عام 2025 لإعادة إحتسابه بحيث يتم زيادة الحد الأدنى للأجور بإضافة نسب التضخم تراكمياً للأعوام ( 2022-2024)”.

وأضاف ” لا شك أن جائحة كورونا والأحداث التي تشهدها غزة انعكست سلباً على الإقتصاد الوطني، إلا أن واقع سوق العمل اليوم صعب للغاية في ظل ارتفاع نسب البطالة، وضعف الإقبال على التعليم المهني والتقني من قبل الشباب وذلك نتيجة لعدة أسباب أبرزها بطء وتيرة العمل في البرامج والخطط الحكومية المعنية بهذا الشأن إضافة إلى ضعف معايير العمل اللائق في فرص العمل التي يوفرها التعليم المهني والتقني.
كما اتفق الفناطسة مع النائب البشير حول ظاهرة الإقتصاد غير المنظّم التي تفرض نفسها بقوة على سوق العمل الأردني، إذ يعمل بها شريحة كبيرة من العمالة المحلية – يقدرها الخبراء بنصف القوى العاملة بالمملكة – وغياب الحقوق العمالية لهذه الفئة.

هذه العوامل مجتمعة أسهمت وفقاً للفناطسة بتراجع قدرات الإقتصاد الوطني وألقت بظلال سلبية على حقوق العمال، كما تسببت بالعديد من المخالفات والتجاوزات التي نشهدها في سوق العمل.
وحول الموائمة بين حقوق العمال وأصحاب العمل، قال الفناطسة أنها تتطلب مفاوضة جماعية بين الطرفين من خلال النقابات العمالية، إلى جانب توسيع مظلة التنظيم النقابي حتى يستفيد العمال من الحقوق النقابية التي نص عليها قانون العمل، لاسيما في قطاعات الإقتصاد غير المنظّم.

واضاف هناك فئات ما زالت تعاني من غياب الحقوق العمالية، والأكثر تضرراً العاملين في القطاعات الإقتصادية غير المنظمة مثل عمال الزراعة والبناء، ومن يعملون في المهن الحرة والحرف والسائقين وعمال الخدمات الصحية، والعاملين لحسابهم الخاص.

وفي هذا الصدد، لفت الفناطسة إلى أنه تم الإتفاق على ضم العاملين في القطاع الزراعي والثروة الحيوانية إلى نقابة الصناعات الغذائية وبالتالي شمولهم بمظلة الضمان الإجتماعي ومنحهم كافة حقوقهم العمالية.
وقال ” سنعمل في الإتحاد العام لنقابات العمال خلال المرحلة المقبلة على توسيع مظلة التنظيم النقابي، لاسيما وأن انتساب العامل إلى نقابة يعني أن هنالك مظلة تحميه وتدافع عن حقوقه وتسعى لإيجاد الحلول المناسبة للتحديات التي تواجهه”.

أبو نجمة: 418.4 ألف أردني عاطل عن العمل

رئيس بيت العمال للدراسات المحامي حمادة أبو نجمة

بدوره تحدث رئيس بيت العمال للدراسات المحامي حمادة أبو نجمة بشفافية ودقة تعكسها لغة الأرقام حول ظاهرة البطالة وسبل مواجهتها، باعتبارها الهاجس الأكبر لدى الشباب.
واستهجن أبو نجمة غياب الحكومات المتعاقبة عن ملف البطالة على وجه التحديد منذ 3 سنوات، مبيناً أن خطة التحديث الاقتصادي لم تنعكس بأي أثار ايجابية على سوق العمل، إذ لم تفي الحكومات المتعاقبة بوعودها وتعهداتها بتأمين نحو 100 فرصة عمل جديدة سنوياً.

إذ تشير أحدث البيانات وفقا لما أورده أبو نجمة إلى وجود نحو 418.4 ألف أردني عاطل عن العمل، من مجموع القوى العاملة الأردنية التي قوامها 1.9 مليون عامل، وقد بلغت نسبة البطالة بين الشباب الأردنيين ممن تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 24 سنة حوالي 46%، في حين تضاعف معدل البطالة الإجمالي خلال السنوات الأخيرة من عام 2014 عندما كان يبلغ 11.9% إلى 22.8% عام 2022 وانخفض إلى 22% عام 2023.

وقال أبو نجمة “لا بد أن نشير هنا إلى أن المتعطل عن العمل في صفوف البطالة هو الشخص الذي لا يعمل رغم أنه يبحث عن عمل، لكن هناك فئة أخرى وهي غير النشيطين إقتصاديا أو “المحبطين” وهم الأشخاص الذين بلغو سن العمل – من الذكور والإناث- ولا يبحثون عن عمل وتبلغ نسبتهم 64% وهذه النسبة تختلف بالطبع عن البطالة”.

ووفقا لأحدث الدراسات؛ بلغت نسبة البطالة عند الذكور 18.9% خلال الربع الرابع من عام 2023 مقابل 29.8% للإناث، في حين أظهرت الدراسات أن نسبة البطالة بين المتعلمين بلغت نحو 47% ما بين حملة درجة الدبلوم والبكالوريوس فأكثر؛ وفيما يتعلق بالبطالة “طويلة الأمد” فهناك ما يقرب من 50% بلغت مدة تعطلهم أكثر من 11 شهر وحوالي 180 ألف متعطل لم يسبق له العمل.

وأرجع أبو نجمة ارتفاع مستوى البطالة بين الشباب إلى عدة أسباب أبرزها إرتفاع أعداد الشباب الذين يدخلون سوق العمل بالمقارنة مع القدرة المحدودة لسوق العمل على استيعاب العمالة، إلا أن التأثير الأكبر على بطالة الشباب يعزى إلى ظروف الاقتصاد الكلي وضعف الاستثمار وغياب دور الحكومة في خلق فرص العمل اللائقة والكافية لهم.
إلى جانب ذلك فإن التفاوت بين الوظائف المتوفرة في سوق العمل من جانب والمهارات المتاحة من جانب آخر، يمثل أحد أهم العوامل التي تتسبب في تفاقم بطالة الشباب، لذا فإن التوجه نحو الربط بين سياسات التعليم واحتياجات سوق العمل ضروري جداً في المرحلة الراهنة للحد من البطالة.

وأكد أبو نجمة أهمية التنسيق بين التدريب المهني والتعليم إلى جانب تطوير وتحديث مراكز التدريب وأماكن التعليم الأكاديمي بالشكل الذي يمكّن الخريجين من الحصول على المهارات اللازمة قبل دخول سوق العمل، والإبتعاد عن نهج وأساليب التلقين التقليدية في التعليم.
وأشار إلى أن سوق العمل غير قادر على استيعاب الأعداد المتزايدة للباحثين عن عمل، لذا نجد أن ارقام البطالة في ارتفاع مستمر، ولفت إلى أنه لا يمكن تخفيض أرقام البطالة واستحداث فرص عمل دون ارتفاع النمو الإقتصادي أو تعزيز فرص الاستثمار بالمملكة.

الخلاصة: توصيات عاجلة..

برامج التشغيل الحكومية؛ لا شك أن لها دور في التخفيف من حجم مشكلة البطالة لاسيما في المحافظات؛ لكن نحن بحاجة إلى فرص عمل مستدامة وذات أجور عادلة، فشبح البطالة بحاجة إلى جهد حكومي مكثف، والأرقام التي تعلن عنها الحكومة حول توفير فرص العمل لازالت متواضعة مقارنة مع الواقع الذي نعيشه.

وفيما يلي أبرز التوصيات التي تمخضت عن الجلسة:
• ضرورة تحفيز النمو الإقتصادي وتشجيع الإستثمار؛ إذ أكد الخبراء ضرورة تعزيز فرص النمو بالمملكة واستقطاب مزيدا من الاستثمارات وذلك لتوفير 100 ألف فرصة عمل سنوياً وفقا لمخرجات خطة التحديث الإقتصادي، الأمر الذي يسهم وفقاً للخبراء بخفض نسب البطالة وتشغيل أعداد كبيرة من الخريجين.

• إصلاح السياسات التعليمية؛ إذ ينبغي على الحكومة الإهتمام بشكل أكبر بتطوير وصقل المهارات الأساسية لدى طلبة المدارس والجامعات وتوجيه التدريب نحو الصناعات والقطاعات التي تحتاج إلى العمالة بشكل أكبر، وهذا يشمل تحديث المناهج التعليمية لتتناسب مع احتياجات سوق العمل المتغيرة وتقديم برامج تدريبية متخصصة في هذا المجال.

• وضع برامج تدريب بشراكة حقيقية مع القطاع الخاص؛ من الضروري تشجيع القطاع الخاص على خلق مزيدا فرص العمل وذلك من خلال توفير البيئة المناسبة للإستثمار والنمو الاقتصادي.
كما يجب أن تعمل الحكومة على تحسين بيئة الأعمال وتقديم الدعم للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتبر محركاً رئيسياً للنمو وخلق الوظائف.
إلى جانب ذلك، يجب أن تكون هناك جهود لتعزيز الريادة والابتكار، حيث يمكن أن تسهم الشركات الناشئة والمبتكرة في خلق فرص عمل جديدة وتعزيز النمو الاقتصادي.

خلال الجلسة الحوارية

• توفير وفرض شروط العمل اللائق، لاسيما فيما يتعلق بالحمايات والحقوق العمالية في: (الأجور العادلة، الضمان الاجتماعي، التأمين الصحي، السلامة والصحة المهنية، النقل العمالي والسكن)، فالبرامج والمبادرات الحكومية للتشغيل هي خطوة ضرورية لتخفيف حجم البطالة، لكن هناك حاجة ماسة لفرص عمل مستدامة وذات أجور عادلة مما يتطلب جهودًا مكثفة من الحكومة والقطاع الخاص.
يشار إلى أن تحقيق تحسينات جذريّة في حقوق العمال ورصد انعكاساتها على معدلات البطالة يتطلب جهدًا متعدد الأوجه من الحكومة والمجتمع بأسره، ولا بد من الإستمرار في رصد الوضع وتقييم السياسات والبرامج بشكل دوري لضمان فعاليتها ومواكبتها لتطورات الواقع الإقتصادي والإجتماعي.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version