نخبة بوست – حسن جابر

أُعلن عن تشكيل “خلية الاتصال” الرباعية في 17 شباط الماضي، وجمعت وزراء داخلية كل من الأردن والنظام السوري ولبنان والعراق، ولاحقًا مصر لتصبح خلية خماسية، ويهدف تشكيل هذه الخلية إلى “تبادل الخبرات والتدريب والقدرات وبشكل رئيسي ومتابعة المعلومات سواء السابقة أو اللاحقة وتتبع الشحنات -المخدرات- الخارجة من الدول إلى وجهتها النهائية”.

وتعيد هذه اللجنة محاولة التنسيق السياسي للمرة الثانية عقب “اللجنة الأردنية – السورية المشتركة”، والتي شُكلت بعد زيارة وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي لدمشق، ولقائه برئيس النظام السوري بشار الأسد، في تموز 2023.

ومع بدء التنسيق عالي المستوى، لم تتوقف كثافة عمليات تهريب المخدرات خلال فصلي الخريف والشتاء الماضيين، بل على العكس ازدادت وتيرتها، وشملت بالإضافة للمخدرات نمطًا جديدًا تمثل بتسليح المهربين، ومحاولة تهريب أسلحة متوسطة بالإضافة للمخدرات في عدد من الحالات، وهو ما دفع الأردن لرفع قواعد الاشتباك على الحدود في كانون الأول 2023.

شحنات المخدرات تستهدف دول الخليج

مؤخرًا قام وزير الداخلية الأردني مازن الفراية بزيارة لمعبر جابر الواقع على الحدود الأردنية – السورية بتاريخ 22 نيسان 2024، وتبع ذلك بيومين إعلان دائرة الجمارك الأردنية عن إحباط محاولتي تهريب لشحنتي مخدرات من مخدر (الكبتاغون) بشكل منفصل، حيث بلغ إجمالي الضبط (73500) حبة، إحدى الشحنات بلغت (38500) حبة، وضُبطت في أمتعة أحد ركاب حافلات السفر الدولية، والأخرى لكمية (35000) حبة من ذات المُخدر، عثر عليها في إحدى حافلات الركاب القادمة للأردن، ولعل من اللافت أن بعض وسائل الإعلام المحلية في الأردن اقتصرت على ذكر حادثة الضبط، وتحفظت على اسم مصدر الشحنة بكونها “قادمة من إحدى دول الجوار”، مع الإشارة لأن الواقعة حدثت في معبر جابر، فيما بيّنت عدة وكالات إخبارية معنية بالشأن السوري، أن مصدر هذه الشحنة من المخدرات هي مناطق سيطرة النظام السوري، وعلى أية حال، فإن المتابع لمستجدات الأخبار في الأردن لا يحتاج للكثير من الوقت في التمعن والتفكير، حتى يستنتج أن مصدر هذه الشحنات ومحاولات تهريب المخدرات عمومًا تأتي من سوريا، وتعتبر الأردن في كثير من الأحيان معبرًا للمخدرات وسوقًا ثانويًا، فيما تستهدف شحنات المخدرات عبر عمليات التهريب دول الخليج بشكل رئيسي.

فصول السنة في رزنامة عمل شبكة تهريب المخدرات إلى الأردن

زيارة الفراية هدفت لـ “الاطلاع على أوضاع العمل في المركز والتأكد من سلامة الإجراءات المتخذة لتنظيم وتطوير مستوى العمل وتسهيل عمليات الدخول والخروج”، وربما تُقرأ على أنها حملت رسالة طمأنة ضمنية عن حالة المعبر الحدودي وسلامته، أو لعلها إشارة على نجاح تجربة الخلية الرباعية في التنسيق المشارك لوقف محاولات تهريب المخدرات، إلا أن الواقع -حتى الآن- لم يُشِر إلى أن التنسيق السياسي ردع شبكة تهريب المخدرات في سوريا عن الاستمرار في أنشطتها غير المشروعة، والتي تسعى لاستهداف الأردن ومن ورائه دول الخليج، ويوضح ذلك استمرار محاولات التهريب من خلال معبر جابر – نصيب الحدودي، مع الانخفاض الملموس في كثافة محاولات التسلل عبر الشريط الحدودي. وفي الوقت الذي تستثمر شبكة إنتاج وتهريب المخدرات في سوريًا، هذه الأنشطة غير المشروعة كمصدر تمويل رئيسي لها، فلا يُعتقد أن تستجيب لمطالب الدول العربية بسهولة، وهنا ُتطرح تساؤلات حول جدوى التنسيق السياسي مع النظام السوري، وما إذا كان التنسيق المباشر قد أفضى عمليًا لانخفاض محاولات تهريب المخدرات القادمة للأردن عبر الحدود المشتركة، وهل يعني انخفاض مستوى محاولات التهريب خلال الشهرين الماضيين مؤشرًا على نجاح هذه التجربة؟

أشهر التهريب

لا يمكن الإجابة على هذا السؤال إلا إذا أدركنا ما تعنيه مواسم وفصول السنة في رزنامة عمل شبكة تهريب المخدرات، حيث تنشط محاولات التسلل بهدف التهريب (التهريب غير التقليدي) عبر الحدود الأردنية في فصلي الخريف والشتاء، وتُسمى بـ”أشهر التهريب”، فيما يستمر إنتاج المخدرات ولكن تنخفض وتيرة التهريب في موسمي الربيع والصيف باعتبارها شهور للإنتاج والتخزين، والسبب هو وجود الضباب وتردي مستوى الرؤية في المنطقة الصحراوية على الحدود خلال الخريف والشتاء، حيث يوفر هذا الطقس ساترًا طبيعيًا لحركة عناصر المهربين، ويسهل من حركتهم في هذا الجو الصعب، وبالتالي فإن الانخفاض في عدد محاولات التسلل عبر الشريط الحدودي خلال الشهرين الماضيين، مردها تحسن الطقس في فصلي الربيع والصيف، وليس بالضرورة تُحسن نوايا النظام السوري وتجاوبه مع مطالب الدول العربية وفي مقدمتها الأردن، والتي تتلخص في الحد من الأنشطة غير المشروعة وتهريب المخدرات التي تستهدف أمن واستقرار دول المنطقة.

حافلات الحجاج السوريين ستتلاقى مع “المسار الذهبي” لشحنات المخدرات

تحدٍ جديد قد يحمله موسم الحج القادم للأردن، والذي يفصلنا عنه نحو شهر من الآن، فللمرة الأولى منذ سنة 2013، سيشترك النظام السوري في ملف إدارة الحجاج السوريين، وذلك بعد عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية والنظام السوري، فخلال الـ12 سنة الماضي اقتصرت إدارة هذا الملف على “لجنة الحج العليا” التابعة للائتلاف الوطني السوري المعارض، ولكن التحدي في هذه السنة هو الارتفاع المرتقب في عدد حافلات الحجاج التي ستنتقل من مناطق سيطرة النظام عبر الحدود الأردنية برًا باتجاه السعودية، وهو ما يتلاقى مع “المسار الذهبي” لشحنات المخدرات، ومن المخطط –وفقًا لوثيقة الترتيبات الأولية– الصادرة عن وزارة الحج والعمرة السعودية لسنة 2024؛ أن تبدأ قوافل الحجاج بالوصول بتاريخ 9 أيار، وهو ما قد يثير المخاوف في الأردن من احتمالية استغلال وتوظيف هذه الحافلات لتهريب المخدرات، واستغلال كثافة حركة النقل في معبر جابر الحدودي في هذه الفترة.

عمليًا، يجد الأردن أنه لا بد عليه من الاستمرار في اليقظة الأمنية على الشريط الحدودي وعلى معبر جابر تحديدًا، وتعزيز الإجراءات الأمنية سياسة متبعة في الأردن منذ الإعلان عن تغيير قواعد الاشتباك في كانون الأول 2023، وتُثبت فعاليتها على أرض الواقع في إحباط عمليات التهريب تباعًا، ولكن سياسيًا، فإن الاشتباك الدبلوماسي مع النظام السوري قد لا يُفضي لحل ملموس لقضية محاولات تهريب المخدرات، خاصة أن العديد من المؤشرات الكمية والنوعية تشير لوجود رابط أو دور رئيسي لعناصر النظام السوري في هذه الأنشطة غير المشروعة، ومنها أن معامل إنتاج الكبتاغون تنتشر في مناطق سيطرة النظام السوري.

بريطانيا: النظام السوري مسؤول عن 80% من الإنتاج العالمي لمخدر الكبتاغون

وتلعب موانئ النظام في اللاذقية دورًا مهمًا في استيراد المواد الخام لإنتاج هذه المادة المخدرة، وتصدير شحنات المخدرات بحرًا نحو أوروبا وبقية دول العالم، بالإضافة لعدة تقارير استقصائية كشفت عن تورط مباشر لبعض الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري في أنشطة المخدرات، واعتماد النظام بشكل كبير على اقتصاد الحرب والأنشطة غير المشروعة كمصدر تمويل رئيسي، ناهيك عن تقديرات الحكومة البريطانية حول مسؤولية النظام السوري عن نسبة 80% من الإنتاج العالمي لمخدر الكبتاغون، وتقديرات بعض الخبراء أن عوائد هذه التجارة غير المشروعة تصل لـ 57 مليار دولار سنويًا تقريبًا، ولذلك سعت عدة دول غربية لفرض عزلة تستهدف النظام وشخصياته المتورطة في عمليات إنتاج وتهريب المخدرات، وصيغت برامج عقوبات ذكية تستهدف رُعاة هذه الأنشطة غير المشروعة المرتبطة بالنظام السوري.

هل سنتوصل إلى تفاهمات لوقف تهريب المخدرات؟

ما سبق يثير تساؤلًا رئيسيًّا، هل من المُجدي رفع سقف الطموحات والتوقعات في نجاح تجربة التفاهم مع النظام السوري لوقف محاولات تهريب المخدرات؟ رسميًا يصدر النظام العديد من التصريحات، والتي تُظهر التعاون مع دول المنطقة، ويرسل الوفود لحضور المؤتمرات والجلسات ذات الصلة بالتصدي لأنشطة تهريب المخدرات، والاستمرار بإلقاء اللوم على أطراف أخرى وتحميلها مسؤولية هذه الأنشطة، وهذه السياسة مُتبعة من قبله ولها شواهدها في تاريخ السياسة الخارجية للنظام، وتهدف باختصار لاستفزاز الدول المحيطة بسوريا لتقديم تنازلات سياسية أو اقتصادية معينة، ويدرك الأردن هذه الوسائل جيدًا، خاصة أن سلسلة طويلة من التوترات مع النظام السوري منذ سبعينيات القرن الماضي قد أكسبت الأردن الخبرة اللازمة لفهم هذه الممارسات.

في الخِتام، ربما لم تكتمل عوامل التسوية وفرص الحل في سوريا بعد، ولم يبلغ الصراع مرحلة النضج التي قد تفضي لمباشرة المسار الدبلوماسي مع الدول الأخرى، كما تزداد صعوبة التفاهم مع النظام السوري في ضوء تحولات الدول الغربية تجاهه، خاصة حزم العقوبات التي تستهدف شخصيات النظام ومؤسساته، وغياب الإرادة السياسية لدى النظام للاستجابة للمطالب العربية في وقف الأنشطة غير المشروعة وخاصة وقف تهريب المخدرات، والتي لا تستهدف الأردن فحسب، بل تمتد لتشمل دول المنطقة وتؤثر سلبًا على أمن واستقرار وتنمية الدول العربية.

معهد السياسية والمجتمع
شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version