نخبة بوست – المحامي معاذ المومني ( معهد القانون والمجتمع)

تلعب مؤسسات المجتمع المدني دورًا حيويًا في بناء المجتمعات وتشكل ركيزة أساسية من القيم التي تقوم عليها العملية الديمقراطية، حيث تساهم بشكل كبير في تعزيز التنمية الشاملة والمستدامة باحتوائها مجموعة واسعة من المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية والنقابات والحركات الاجتماعية التي تعمل على تمكين الأفراد والمجتمعات، وتعزز الوعي والمشاركة المدنية والسياسية وتدعم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
تعود جذور مؤسسات المجتمع المدني في الأردن إلى العقود الأولى من القرن الماضي بتأسيس عدد من المنظمات غير الحكومية التي كانت منطلقاتها في ذلك الوقت الأعمال الخيرية مثل دار الإحسان في مأدبا التي تأسست في العام 1912، ثم توالى بعد ذلك تأسيس مجموعة من الجمعيات والنوادي السياسية ومنظمات أصحاب العمل والمنظمات العمالية والنقابات المهنية.

توسع عمل مؤسسات المجتمع المدني في الأردن على مر السنين وازداد نشاطها وتنوعت مجالات عملها لتشمل بالإضافة إلى ما سبق العمل على تعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وتوفير الخدمات الاجتماعية، بالإضافة إلى الأدوار التنموية التي كانت أساسًا للتطور الملحوظ والاعتراف بالأدوار الأساسية التي يقوم بها المجتمع المدني من كافة القطاعات بما في ذلك المؤسسات الحكومية. تم إقرار الجميع بأهمية الأدوار الحقوقية والتنموية والاجتماعية التي تلعبها مؤسسات المجتمع المدني باعتبارها شريكًا أساسيًا في عملية صنع القرار وتطوير المجتمع وتحقيق التنمية المستدامة، بالرغم من بعض التحديات التي لا تزال تواجه المجتمع المدني في معرض قيامه بوظائفه والتي من شأنها أن تقوض دوره كشريك رئيسي وفاعل في القضايا الحقوقية والإنسانية على حد سواء.
من أبرز هذه التحديات؛ التحديات التشريعية التي تنعكس على الممارسات اليومية وتشكل أساسًا لكثير من التحديات التي تواجه مؤسسات المجتمع المدني والتي تدركها تمامًا الأطراف الفاعلة والمنخرطة في العمل المدني.


7 أكتوبر وارتباطه بدور المجتمع المدني

ظهرت في بعض المناسبات حالة تشكيك بأدوار المجتمع المدني ومدى ارتباطه بقضاياه الوطنية، والتي لمسنا بعضها مؤخرًا في فترة ما بعد السابع من أكتوبر والنقاشات حول طبيعة العلاقة بين المؤسسات الدولية المانحة ومؤسسات المجتمع المدني، على الرغم مما قدمه المجتمع المدني في هذا السياق من أدوار وطنية مهمة تحديدًا فيما يرتبط بتوثيق انتهاكات الاحتلال. لا شك أن مثل هذه التحديات من شأنها خلق فجوة ثقة بمؤسسات المجتمع المدني مما قد يؤدي إلى تراجع في المؤشرات التنموية والحقوقية المرتبطة بوجود مجتمع مدني فاعل ومؤثر في كافة السياقات الاجتماعية في حال لم يتم تجاوزها مع الأخذ بعين الاعتبار ما يرتبط بالتمويل والمنح ومدى قدرة مؤسسات المجتمع المدني على خلق حالة استدامة والاستمرار بتقديم خدماته في ظل عدم وجود بدائل وطنية.

تعزيز المشاركة المجتمعية والتوعية بالقضايا السياسية

المجتمع المدني "فرصة للأردن"

وعودًا على بدء، فمؤسسات المجتمع المدني الأردني تشمل طيفًا واسعًا من الجمعيات والمنظمات والمؤسسات غير الحكومية التي تعمل في مجالات مختلفة مثل حقوق الإنسان والتنمية والتعليم والبيئة والصحة وتعزيز المشاركة العامة. تلعب هذه المؤسسات أدوارًا هامة في تعزيز المشاركة المجتمعية والتوعية بالقضايا السياسية، وتجلّى ذلك مؤخرًا من خلال مخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية. بالإضافة إلى توفير الدعم وتقديم الخدمات للمجتمعات المحلية، تبقى القضايا الحقوقية ومنظومة حقوق الإنسان هي العمود الفقري لما تقوم به مؤسسات المجتمع المدني الأردني من حيث الإشارة إلى التحديات الحقوقية وتقديم الدعم القانوني والتوعية بالحقوق والواجبات والاشتباك الإيجابي مع المؤسسات الوطنية لتعزيز قيم العدالة وسيادة القانون والدفاع عن حقوق الأشخاص الأكثر عرضة للانتهاك بما فيهم الأطفال واللاجئين.
تساهم مؤسسات المجتمع المدني في العملية التنموية وفي تحقيق أهداف التنمية المستدامة كأحد الاستراتيجيات الوطنية الأردنية، وذلك من خلال الأدوات الديمقراطية والأنماط السلمية المختلفة والمتجددة، وباعتبارها أحد أهم محركات التضامن الاجتماعي الذي ينعكس على تطوير وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين بما يعزز حالة الثقة الوطنية ويشجع المواطن على الانخراط في العملية التنموية والسعي في بناء الدولة الديمقراطية القائمة على العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وسيادة القانون.

التحديات التشريعية ومؤسسات المجتمع المدني

ومع ذلك، لا تزال مؤسسات المجتمع المدني في السياق الوطني الأردني تواجه بعض التحديات التي تحول دون قيامها بأدوارها الوطنية، مثل التحديات التشريعية التي أدركتها الحكومة وأعلنت في أكثر من مناسبة أن لديها برنامجًا مستمرًا لتطوير قانون الجمعيات وتعديله بما يتماشى مع متطلبات المرحلة وبما يخدم عمل مؤسسات المجتمع المدني.
كانت ضرورات تعديل قانون الجمعيات جزءًا من مخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية، بالإضافة إلى تحديات أخرى ذات طابع بيروقراطي إداري تؤثر سلبًا على مؤسسات المجتمع المدني وتشكل تحديًا أمام قيامها بأدوارها التنموية، بما في ذلك صعوبة الوصول إلى التمويل لبعض المؤسسات في المجتمعات النائية وما يرتبط بالعلاقة بين بعض البنوك التجارية والجمعيات فيما يتعلق بفتح الحسابات البنكية وغيرها من التحديات. بالرغم من ذلك، فإن المجتمع المدني الأردني لا يزال يعمل بشكل استثنائي ومستمر للتغلب على هذه التحديات من أجل تحقيق التغيير الإيجابي والتنمية المستدامة وتحقيق الأهداف الوطنية، وهو المكان الذي يلتقي فيه الجميع.

الخلاصة: منظّمات المجتمع المدني حاجة ملحّة

وجود مؤسسات مجتمع مدني فاعل ووفقا للمعايير الدولية والمعايير والمؤشرات الوطنية لا يمكن اعتباره الا مؤشر ازدهار وتقدم للدول وجوهر اساسي لتقدم الشعوب ومؤشر على ديمقراطية الانظمة السياسية وتقدميتها واصبحت مؤسسات المجتمع المدني تشكل قطاعا هاما من قطاعات العمل -لا بل- ان بعض المؤسسات الاكاديمية في بعض الدول قامت باستحداث تخصصات دراسية لها علاقة بإدارة المنظمات غير الحكومية لما لها من اهمية في انجاح المشاريع الوطنية و استدامة عمليات التنمية.

إذ تعتبر منظّمات المجتمع المدني حاجة ملحة ورابطة مهمة بين عناصر ومكونات المواطنة وذلك من خلال تعزيز عملية المشاركة العامة بكافة مستوياتها بما ينعكس ايجابا على صنع القرار والسياسات العامة الامر الذي يعود حتما بالنفع على الدولة بكافة مكوناتها ويسهم في خلق اجيال واعية قادرة على الانخراط في الحياة العامة والعملية الديمقراطية وتعزيز حالة الاستقرار والامن المجتمعي و يسهم في تعزيز عملية التحديث و التطوير المتمثلة في المثلث الذهبي الاردني بكافة مكوناته السياسية و الاقتصادية و الادارة العامة، فإذا ما تظافرت الجهود الوطنية باتجاه تعزيز الادوار الحقيقية لمؤسسات المجتمع المدني و هيئت البيئات الداعمة لها بما في ذلك تعزيز الشراكة بين الحكومة و المجتمع المدني و كافة مؤسسات الدولة فإنها حتماً ستكون فرصة للأردن.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version