* خيار الحكومات البرلمانية يستدعي إعداد الإدارة العامة لإسناده، والتقدم التدريجي في تنفيذه، وصولًا إلى أحزاب ناضجة سياسيًا تؤسس لتداول سلمي للسلطة، بضمانة صلاحيات الملك

* (المشروع الإيراني والمشروع الصهيوني) يستهدفان الوجود العربي بكل ما تعنيه الكلمة

* تواجه الدولة الأردنية كغيرها مسائل معقّدة تشكل على المدى المتوسط تحدياً كبيراً وعلى المدى البعيد قد تشكل تهديداً وجودياً

* الشعب الاردني لا زال متمسكاً بمفهوم الدولة ويعتبرها “إنجاز وطني” غير قابل للمساومة

* لتكن لغتنا الوطنية المشتركة‎‏؛ كيف نبني وطنًا قادرًا على التكيف، ومجتمعات قادرة على التكيف، ومؤسسات وطنية قادرة على التكيف

* تعمّق مفهوم الولاءات الضيقة على حساب الهوية الوطنية والأهداف والقيم الوطنية سيشكل تحديًا كبيرًا

* إن لم نبادر سنضعف الوطن وسنسمح لأعدائه بالتدخل في شؤونه، فالطبيعة لا تقبل الفراغ

* جهود الإصلاح السياسي التي يقودها الملك بدأت فعلاً تعرض رؤيةً واضحةً وتحدد معالم الطريق على مسار الإصلاح الطويل الصادق والمتدرج

نخبة بوست – بقلم لواء ركن متقاعد د. رضا البطوش

ماذا نعني بالقوة الوطنية؟ هي جميع الموارد المتاحة للدولة والتي تسعى الدولة لتوظيفها في سبيل تحقيق أهدافها الوطنية، وتستند إلى مجموعة من العناصر، وتسمى أيضاً بالأدوات؛ ويمكن تصنيفها إلى مجموعتين بناءً على إمكانية تطبيقها هما “الوطنية” و”الاجتماعية”. تشمل الوطنية منها الجغرافيا والموارد والسكان، أما الاجتماعية، وهي مجال الاهتمام، فتشمل الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والمعلوماتية. وهذه مترابطة وتؤثر في بعضها البعض؛ ولا بد من أخذها مجتمعة في سياق التحليل كونها استراتيجيات مختلفة لكنها تشترك جميعها في تحقيق أهداف السياسة ولها انعكاساتها الكبيرة على الأمن الوطني للدولة من حيث التوظيف ومدى تناغمها وتوازنها مع أهداف السياسة. وهذه الأدوات يتم توظيفها من قبل الدولة للتأثير على الدول الأخرى أو المنظمات الدولية أو حتى الجهات الفاعلة غير الحكومية.

وعليه؛ فإن قدرة الدولة على تحقيق مصالحها الوطنية تعتمد على فعالية هذه الدولة في توظيف أدوات القوة الوطنية بتناغم وتنسيق دائم لتحقيق الأهداف الوطنية الاستراتيجية. وعند الحديث عن التحديات وأولويات التهديد، لا بد لنا من التأكيد على أن الوطن يعاني من جملة من التحديات المزمنة والمرشحة للتحول إلى أزمات وطنية تتطلب المعالجة السريعة من أجل تفويت الفرصة على أية مخططات دولية أو إقليمية تسعى لاستثمار هذه التحديات لتحقيق أهدافها من خلال خلق وتعميم الفوضى.

وعلى الرغم من أن الشعب الأردني لا زال متمسكاً بمفهوم الدولة ويعتبرها “إنجازًا وطنيًا” غير قابل للمساومة وهذا يعتبر مدعاة للفخر والاعتزاز، إلا أننا في مفهوم التخطيط الاستراتيجي للدولة يجب أن لا نركن إلى هذا الفهم بالمطلق، وتحديداً مع تنامي حالة الاستقطاب الداخلي واتساع الفجوة بين عناصر المجتمع وفئاته وما تفرزه قضايا الفقر والبطالة والحريات العامة من تحديات جسام نخشى أن تتحول إلى تهديد للدولة وإنجازاتها.

البطوش يكتب: الأمن الوطني والقوة الوطنية؛ كيف نحمي الأردن!؟
لواء ركن متقاعد د. رضا البطوش

في خضم تداعيات المشهد الدولي والإقليمي والتغيرات الكبيرة والمتسارعة في البيئة الاستراتيجية؛ فإن الدولة الأردنية كغيرها من دول الإقليم تواجه مسائل معقدة يمكن أن تشكل على المدى المتوسط تحدياً كبيراً وعلى المدى البعيد تهديداً وجودياً ليس لنا في الأردن فقط وإنما للدول العربية برمتها. وعليه، وإضافة إلى تحديات الداخل، فإن (المشروع الإيراني والمشروع الصهيوني) يستهدفان الوجود العربي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وآن الأوان أن لا ندفن رؤوسنا في الرمال، وأن نسمي الأشياء بمسمياتها قبل فوات الأوان. وكأولوية، سأتطرق في هذه الورقة إلى الشأن الداخلي وفي أوراق أخرى سأفرز مساحات واسعة للمشروع الإيراني والمشروع الصهيوني.

وفي الشأن الداخلي،

تعمّق مفهوم الولاءات الضيقة على حساب الهوية الوطنية والأهداف والقيم الوطنية سيشكل تحديًا كبيرًا على المدى البعيد إذا لم نسعَ لمواجهته

قد يتساءل البعض لماذا نجحنا في الربيع العربي وخرجنا بوطننا وشعبنا العظيم إلى بر الأمان؟ ففي هذا الإطار، لا يمكن أن نظلم نظامنا السياسي بمقارنته بالأنظمة السياسية في الدول التي شهدت وتأثرت بالربيع العربي وفقدت أنظمتها السياسية بسببه. نرى أن من الأسباب الرئيسة التي قادت إلى الربيع العربي في تلك الدول بشكل عام هي سوء المعيشة، والفقر، وفقدان الحريات، وانعدام الديمقراطية، وسوء معاملة الأنظمة لشعوبها، والفساد، والظلم، والقهر، والتضييق الأمني والسياسي، وتزاوج السلطة والمال. أدى هذا الاستبداد السياسي والظلم إلى تراجع القيم الوطنية فيها وانعدام اللغة الوطنية المشتركة تجاه القضايا الوطنية والهموم التي تعاني منها تلك الدول. عندما ارتفعت وتيرة الظلم والقهر والطغيان، استفاقت هذه الشعوب من حالة الخنوع وقبول الذل والهوان وانفجرت على شكل ثورات شعبية، وخرجت إلى الشوارع لرفض الظلم والقهر، دون سابق تخطيط وترتيب.

أما في وضعنا في الأردن، فلم تكن الحالة بهذا السوء عند اندلاع الربيع العربي، ولم يكن قد تعرض الوطن كغيره من الشعوب إلى الظلم والاستبداد، وهذا ساعد بشكل كبير في تجاوز تداعيات الربيع العربي. كان لشعبنا الطيب الدور الأبرز في تجاوز تلك المحنة، وكان الولاء للوطن وقيادته، وعليه، فلا بد من الاستمرار في النهج الذي يتطلب مقاربات تحترم كرامة الإنسان الأردني وتعالج قضاياه الملحة.

سيكون لقوى المعارضة صوت مسموع في المجتمع، إنه خيارنا سواء أكانوا يقومون بذلك ضمن نسيجهم الاجتماعي أو يتم إجبارهم على التمرد ونشر الفوضى في الوطن، مما يعمق الفجوة ويهدد السلم المجتمعي.

ضرورة وجود استراتيجية وطنية تستوعب الشعب بكل فسيفسائه وتطلق الحريات العامة، وتمكن القضاء، بحيث لا سلطة تعلو على سلطة القضاء، وتعزز قيمنا الوطنية، والمحافظة عليها وعلى ديمومتها وحسن تشكيلها، والعمل بجدية لتشكيل أحزاب وطنية برامجية فاعلة. لتكن لغتنا الوطنية المشتركة‎‏؛ كيف لنا أن نبني وطنًا قادرًا على التكيف، ومجتمعات قادرة على التكيف، ومؤسسات وطنية قادرة على التكيف

إن لم نبادر ونفعلها سنضعف الوطن وسنسمح لأعدائه بالتدخل في شؤونه تحت مسوغات واهية نحن الأقدر على مجابهتها، فالطبيعة لا تقبل الفراغ.

إن ما يواجهه الوطن الحبيب من تحديات جسام يستنهض فينا الهمم لمواجهة التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة، لصالح إجماع وطني على ترتيب الأولويات الوطنية وسبل المواجهة.

الخوف والتردد وشيوع التفكير النمطي، والاطمئنان إلى الأفكار المهيمنة، بعيدًا عن استشراف المستقبل والانشغال بإنتاجه، ستكون له كلفه الكبيرة في ظل بيئة استراتيجية بالغة التعقيد وسريعة التغير

إن جهود الإصلاح السياسي التي يقودها جلالة الملك والتي بدأت فعلاً تعرض رؤيةً واضحةً لمسيرة الإصلاح الشامل، وتحدد معالم الطريق على مشوار الإصلاح الطويل الصادق والمتدرج، حيث إن خيار الحكومات البرلمانية هو جزء من هذه الرؤية الشاملة للإصلاح. إلا أن الهواجس حول تبني هذا الخيار دون الإعداد له كثيرة، وتتعلق جلها بقدرة الإدارة العامة على إسناد هذا الخيار بمنتهى الحياد. في نفس الوقت، هل تشريعاتنا تتوائم مع هذه التطلعات؟

إن مثل هذا الاستحقاق يستدعي الإعداد المناسب والتدرج في التنفيذ، وتعزيز النجاحات المتحققة، إذ أن أي انتكاسة في التطبيق سيكون لها تداعياتها. وعليه، فالنموذج الأمثل هو التقدم التدريجي في هذا الخيار، وعلى مراحلَ تكون محددة سلفًا، وضمن استراتيجية وطنية واضحة المعالم، تؤطر لها الدولة بكافة مؤسساتها وفي إطار هرمية التخطيط الاستراتيجي الشمولي في الدولة، وصولًا إلى أحزاب ناضجة سياسيًا تؤسس لتداول سلمي للسلطة (حزب أو ائتلاف الأغلبية البرلمانية يقابله في البرلمان حزب أو ائتلاف المعارضة) والضامن لهذا التداول السلمي هو صلاحيات الملك من خلال دستورنا العظيم.

وعليه، فإنه لا بد من وضع هذه الاستراتيجية في إطار زمني يتم من خلاله تقييم الأداء، والبناء على النجاحات المتحققة، والاستفادة القصوى من الدروس المستفادة في التطبيق، مما يبرز أهمية البدء مبكرًا بخطوات تمهيدية تشمل توجيه مختلف القوانين والتشريعات بما يتلاءم مع متطلبات الحاضر والمستقبل. تشريعات عصرية تُحَصّن الإدارة العامة وتمنع تسييسها، أو جعلها عرضة لتجاذبات الأحزاب والساسة. ما نريده في هذا الإطار مؤسسات دولة كفؤة، قادرة على حماية الديمقراطية، فالحكومات البرلمانية الكفؤ هي القادرة على تسيير (الشؤون العامة) للدولة، وتحقيق أهدافها الوطنية، بالتنمية والرفاه، وفقًا لمعايير العدالة والشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص، والتوزيع العادل للثروة والفصل بين السلطات.

على الأحزاب التي تتشكل الآن أن تأخذ بالاعتبار الدروس المستفادة من تجربة غالبية التيارات والقوى السياسية الأردنية السابقة التي كانت تقرأ الواقع من مخزون ثقافتها السياسية والفكرية والعقائدية، حيث كانت بعيدة كل البعد عن الواقع الاجتماعي ومنحازة ولا تمثل غالبية الأردنيين.

وفي هذا الإطار، فإن الإصلاحات السياسية التي يقودها جلالة الملك يجب أن تقود إلى حكومة سياسية كمرحلة أولى تعمل وفق الدستور ولا تمتلك أي حصانة وتخضع للمراقبة والمحاسبة، وتمتلك من السلطات ما يكفي لأداء مهامها التنفيذية بعيدًا عن الهيمنة على السلطات الأخرى، وتتسلح ببرامج سياسية هادفة ولا تحتمي خلف رأس الدولة. في مرحلة لاحقة، بعد مراكمة الإنجازات المتحققة جراء الإصلاحات السياسية، يتم الانتقال إلى مرحلة تداول السلطة التنفيذية على أساس الأغلبية البرلمانية الحزبية. ويجب أن يدعم هذا التوجه ما يلي:

  1. نظام برلماني يعكس تمثيلًا واقعيًا للمجتمع ويمارس وظائفه التشريعية والرقابية بمعزل عن التأثيرات الخارجية، ويسهم في تطوير تشريعات وطنية حاضنة تسمح بالتفاعل الإيجابي بين مفاصل الحياة السياسية وتضبط ديناميكية الحياة السياسية ضمن معايير الانفتاح والحريات العامة والشفافية والديمقراطية في نطاق المسؤوليات الوطنية الفردية للمواطن والجماعية للمؤسسات.
  2. مؤسسات مجتمع مدني تعبر عن أوسع تمثيل لنشاطات المجتمع وفعالياته وتعكس تنظيمًا مدنيًا ينسجم مع التنظيم السياسي للدولة وأن تكون مرجعيات هذه المؤسسات أردنية.
  3. نظام قضائي مستقل يتميز بمهنية عالية يسمح بمراكمة الإنجازات ضمن هذه التوجهات.
  4. أجهزة أمنية تُعنى بمتطلبات الأمن الوطني بمفهومه الشامل، تحمي الديمقراطية، وترفع القيود عن الحياة السياسية الداخلية إلا بالقدر الذي تتطلبه طبيعة عملها ومهامها وتخصصاتها.
    وحتى نضمن النجاح لما تم إنجازه من إصلاحات سياسية، لا بد من برامج هادفة ترسخ هذه المفاهيم لدى المجتمع الأردني ومؤسسات الدولة المختلفة، والحفاظ على منظومة القيم الوطنية وتعزيز الهوية الوطنية.

وفي هذا الإطار أيضًا، لا بد من استراتيجية وطنية للعمل التطوعي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهوم الأمن الوطني. وهنا لا بد من استحضار توجيهات جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المتكررة حول استراتيجية وطنية واضحة تترجم العمل التطوعي إلى مفاهيم عمل مخطط لها تؤدي إلى الاستفادة القصوى من الطاقات الشبابية المتاحة على المستوى الوطني.

أقتبس هنا من كتاب التكليف السامي لحكومة عبد الرؤوف الروابدة قول جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين: “إن الشباب هم عدتنا للمستقبل، ولذا فلا بد من إطلاق طاقاتهم وتوجيهها للخدمة الوطنية العامة، وتنظيمها في أطر جماعية تشمل جميع أرجاء الوطن، واستغلال أوقات فراغهم فيما يفيدهم ويعود على الوطن بالنفع”.

استحضار حديث ولي العهد حول خدمة العلم وإسهاماتها الكبيرة والمرجوة في خلق جيل منتمٍ لوطنه قادر على مواجهة تحديات المستقبل

إن العمل التطوعي مطلب وطني ذو أهمية كبيرة، سيقدم قدرات مميزة ذات قيمة كبيرة خاصة أثناء الحالات الطارئة والكوارث. وعليه، فإنه لا بد من إستراتيجية وطنية يمكن تطويرها من أجل تشكيل وتهيئة وتنمية شباب أردني منتمي لوطنه ومُشارك بشراكة حقيقية فاعلة تُوظف في تحقيق تنمية بشرية مستدامة بكافة أبعادها في إطار عمل منظم ومخطط له بعناية يساهم في الحفاظ على المكتسبات الوطنية ويكون قادرًا على التعامل مع المستجدات على المستوى الوطني. وتكون أهدافها على الشكل التالي:

  1. تحديد رؤية واضحة للاستفادة من قطاع الشباب الأردني في تحقيق المفهوم الشمولي للأمن الوطني.
  2. وضع السياسات والخطط والبرامج التي تعمل على تحقيق الأهداف المرسومة.
  3. توفير قاعدة بيانات توثق كافة الأنشطة المرافقة لتنظيم العمل الشبابي في الأردن.
  4. تحديد أطر الشراكة بين المؤسسات الوطنية الحكومية والأهلية والمنظمات الدولية العاملة مع القطاع الشبابي الأردني.
  5. وضع إطار قانوني ينظم العمل التطوعي.
  6. انغماس الشباب في الأعمال التطوعية يقودهم للتفاهم والاتفاق حول أهداف مجتمعية مرغوبة، وهذا يقلل من فرص اشتراكهم في أنشطة أخرى قد تكون مهددة لمفهوم الأمن الوطني.
  7. الاستفادة من المتطوعين في تعويض النقص الحاصل في الجهد الوطني المخصص للاستجابة ورد الفعل السريع بسبب القرب من مكان الحدث، علاوة على تأسيس اتصال مع المراكز الشبابية التي تعمل لخدمة المجتمع المحلي وزيادة ارتباطها به.
    في سياق الدولة، يعد التخطيط الاستراتيجي واستشراف المستقبل قطبين أساسيين متلازمين لبناء المستقبل وخلقه وتشكيله لضمان تحقيق المصالح والأهداف الوطنية، حيث تتربع القيم الوطنية على رأس الهرم الوطني في التخطيط الاستراتيجي للدولة وتُبنى ويحافظ عليها كأولوية في هيكلية التخطيط والاهتمام، من خلال نهج التخطيط الاستراتيجي السليم لعقل الدولة (الحكومة المركزية) الذي تناط به المسؤولية المباشرة في إدارة شؤون الدولة. إن الحفاظ على قيمنا الوطنية هي مسؤولية الدولة بكافة مؤسساتها، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال أن تترك دون وجود خطط وطنية تحافظ عليها وعلى ديمومتها وحسن تشكيلها لأنها المرجع الأساس في هرمية التخطيط الاستراتيجي للدولة.

عقل الدولة هو المعني بوضع الأهداف الوطنية للدولة في ضوء مصالحها الوطنية، والتي ترتكز في الأساس على إرث كبير من قيمها الوطنية كمرجعية للتخطيط الاستراتيجي على مستوى الدولة

وحتى تتحقق الأهداف الوطنية، فعقل الدولة (الحكومة المركزية) معني بصياغة السياسة الوطنية للدولة، وهي خطوط الدلالة التي تؤطر لبناء الاستراتيجية الوطنية. وكليهما (السياسة الوطنية والاستراتيجية الوطنية) يعتبران الأساس والمرجعية في بناء السياسات والاستراتيجيات الفرعية للوزارات ومؤسسات الدولة العامة المختلفة، ومنها سياسة الأمن الوطني والسياسة الدفاعية والسياسة الخارجية، حيث تستند السياسة الدفاعية والسياسة الخارجية إلى سياسة الأمن الوطني التي توفر دلالات وتوجيهات لتطوير واستخدام القوة العسكرية للأمة، وتوجيه كافة طاقات عناصر القوة الوطنية لتأمين وحماية المصالح الأمنية والحيوية للأمة من التهديد الخارجي والداخلي. وعليه، فإن السياسة الدفاعية عنصر رئيس في الأمن الوطني، وهي التي تحدد الخطوط العريضة للاستراتيجية العسكرية التي من خلالها تتحمل مسؤولية تطوير واستخدام القوات المسلحة باعتبارها العنصر الفاعل في حماية مصالح الدولة والقادرة على تحقيق الأهداف الوطنية التي لا يمكن تحقيقها بالوسائل الأخرى.

إن استراتيجية الأمن الوطني هي وثيقة على المستوى الاستراتيجي تحدد دور الدولة في توفير الأمن للدولة ومواطنيها، وتقدم فهماً للبيئة الاستراتيجية والتهديدات المحتملة لمصالح الدولة، ثم توجه الأنشطة وتخصص الموارد للدولة من أجل حماية المجتمع والدولة من تلك التهديدات.

تعتبر السياسات الفرعية للوزارات والمؤسسات العامة المختلفة والاستراتيجيات الفرعية لها الأساس والمرجعية للخطط التنفيذية لهذه المؤسسات. وعليه، فإن هذه الهرمية في التخطيط الاستراتيجي للدولة تؤدي إلى تحقيق التناغم والتنسيق بين جميع المستويات (الاستراتيجي والعملياتي والتعبوي)، وتمنع مفاهيم الجزر المعزولة في التخطيط من أن تتشكل، وتصبح آلية التخطيط على المستوى الاستراتيجي للدولة ذات هرمية تنتهي بالخطط التنفيذية (Action Plans) للمؤسسات، والتي تتصف أهدافها بالأهداف الذكية القابلة للقياس، في الوقت الذي تكون فيه الأهداف الوطنية عامة وتتصف بالثبات إلى حد ما.

إن تنفيذ الخطط التنفيذية للمؤسسات يحقق تنفيذ الاستراتيجيات الفرعية لها، وتنفيذ الاستراتيجيات الفرعية يحقق تنفيذ الاستراتيجية الوطنية، وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية يحقق الأهداف الوطنية، وتحقيق الأهداف الوطنية يحقق المصالح الوطنية التي تستند إلى إرث من القيم الوطنية. إن الحفاظ على القيم الوطنية هو مسؤولية الدولة بكافة مؤسساتها، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال أن تترك دون وجود خطط وطنية تحافظ عليها وعلى ديمومتها وحسن تشكيلها، لأنها المرجع الأساس في هرمية التخطيط الاستراتيجي للدولة. هذه هي هرمية التخطيط الاستراتيجي الشمولي على مستوى الدولة، وهي عملية تتسم بالديمومة والاستمرارية في بيئة متغيرة بالغة التعقيد وفقيرة في مواردها، تضاعف من عوامل عدم التأكد في البيئة الاستراتيجية وتفرض نهجاً تخطيطياً ديناميكياً يتوائم مع هذه المعطيات.

الوطن يواجه تحديات جسام، وحتى نخرج إلى بر الأمان في هذه الظروف الاستثنائية، وفي ظل التداعيات المتدحرجة للأزمة التي يعيشها الإقليم العربي، على شعبنا الطيب أن يلتف حول جلالة الملك وفاءً للوطن وآل بيت رسول الله، ونجيع الشهداء، ليكون الوطن أنموذجاً في التحديث والإصلاح

وطناً منيعاً مستقراً، معطاءً، قائماً على أساس صون وحماية كرامة الإنسان الأردنيّ وكبريائه، وطناً قادراً على مجابهة التحديات الجسام وشحّ الإمكانات؛ وطناً تتكامل فيه كافة المفاهيم والأدوات، في عملية إصلاحية شمولية، يتقدم فيها حق المواطن بالأمن، كل الأمن، على كافة الاعتبارات الأخرى، فالوطن عقيدة وتاريخ وتضحيات.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version