نخبة بوست – د. هايل عبيدات

في ظل سلسلة الأزمات المتعاقبة، سواء الفقر أو أزمة فيروس كورونا أو عدم الاستقرار والحروب في سوريا واليمن، وأخيراً الحرب في غزة، ارتفعت أعداد السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي ونقص التغذية إلى ما يقارب المليار شخص حول العالم أي بزيادة نسبتها 5%.

وبما أن الأردن يقع في قلب هذه الأحداث، من حروب وحالات عدم الاستقرار في اليمن والسودان وغزة، فإن الدعوة الملكية لمؤتمر “الاستجابة الانسانية الطارئة لغزة” جاءت كضرورة واستكمالًا للدور التاريخي الأردني على مدى التاريخ المعاصر، في عدم تخليه عن دوره القومي تجاه الأشقاء والأصدقاء الذين عاشوا ويلات الحروب والكوارث في مختلف البلدان، وأخيراً في فلسطين وغزة بشكل خاص.

وتتزامن دعوة الأردن لمؤتمر الاستجابة مع احتفالات المملكة باليوبيل الفضي لتولي جلالة الملك سلطاته الدستورية، والتي كنا نتمنى أن تأتي في غير هذه الظروف الإقليمية المعقدة وحساسية الوضع الجيوسياسي، ولكن هذا هو قدر الأردن، قيادةً وشعبًا، الذي لم يتوانَ يومًا عن تأدية رسالته التاريخية في لم الشمل وتقديم الدعم لأشقائه.

سياسة التجويع الألمانية على غرار السياسة الإسرائيلية

خلال الحرب العالمية الثانية، قامت ألمانيا النازية بوضع خطة للتجويع – إذا نجح تنفيذها – كان من الممكن أن تؤدي إلى مجاعة تؤثر على حوالي 20 مليون شخص في الاتحاد السوفيتي أثناء حصار مدينة بطرسبورغ، وقد أظهرت الشواهد السابقة أن الحصار والتجويع يمكن أن يؤديا إلى اضطرابات اجتماعية وفوضى في البلدان المتأثرة.

هذا الوضع من انعدام الأمن الغذائي أدى إلى تبني العديد من الشعوب والدول استراتيجيات تأقلم ضارة لتجاوز الجوع والفقر والمجاعة، ونتيجة لذلك، استُنفدت مدخرات المواطنين والثروة الشخصية في مناطق الأزمة.

بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي هذا الوضع إلى اهتزازات تؤثر على الاستقرار المجتمعي، ويمكن أن يسبب أضرارًا للمخزون الاستراتيجي للمياه والغذاء والطاقة والدواء للدولة.

في غياب استراتيجية وطنية للتعامل مع حالات الطوارئ والأزمات المفاجئة، يتعين على الدول بناء استراتيجيات للأمن الغذائي وأمن الطاقة المرنة، حيث ينبغي تلبية الاحتياجات السريعة لتفادي التراجع مع تصاعد واطالة أمد الأزمة؛ كما يجب حصر عدد المتضررين من الأزمة وتحديد مستويات الرفاه للدول الداعمة، وتحديد العلاقة بين المخاطر والضغوطات الناتجة عن الأزمة والعوامل التي قد تزيد من حالات انعدام الأمن الغذائي.

الدعوة الملكية لمؤتمر "الاستجابة الإنسانية لغزة".. أمل في صحوة الضمير العربي والدولي

غزة البؤرة الأكثر سخونة في مناطق النزاع

و في ظل الأزمة الراهنة في قطاع غزة – الذي يُعتبر البؤرة الأكثر سخونة في مناطق النزاع – تستمر حرب الإبادة من قبل الجيش الصهيوني بدعم أمريكي وتواطئ بريطاني وفرنسي، لاسيما وأن هناك صمت مبرمج على الانتهاكات التي يقوم بها جيش الاحتلال وتحويل غزة إلى مقبرة جماعية، كما تسبب بتدمير القطاع وجعله مكانًا غير قابل للعيش، علاوة عن تدمير البنية التحتية للطاقة وشبكة المواصلات والقطاع الصحي والخدماتي،.

وبسبب الحصار الظالم وإغلاق المعابر، يعانى أكثر من 90% من سكان غزة من حالات انعدام الأمن الغذائي والمجاعة، في ظل انعدام مقومات الأمن الإنساني واستمرار المراوغة في تقديم مقترحات وقف إطلاق النار أو الهدنة الإنسانية”.

في قطاع غزة، يختلف الجوع فهو أكثر من جوع، وهو سجن مفتوح لأكثر من مليوني نسمة، دون أي منفذ بري أو جوي أو بحري، مصحوبا بحرب إبادة تقوم بها قوات الاحتلال الصهيوني بدعم من الوسيط والشريك الأمريكي وتخاذل دولي رسمي، وشراكة إقليمية وتجويع غير مكلف أسهم في تدمير البنية التحتية والمنظومة الصحية والوضع الاقتصادي وتفاقم وتدهور الوضع الإنساني وبذلك، أصبحت أي برامج للإغاثة غير مجدية نظرا لسيطرة إسرائيل عليها، حتى لو كانت بنكهة عربية أو إسلامية أو أوروبية فهي عاجزة عن الوصول إلى أهل غزة وعاجزة عن حماية غزة بل أصبحت هذه المساعدات عقابا وحشيا لا أخلاقيا لأبناء القطاع في ظل صمت وعجز كثير من الجيران والأصدقاء والأشقاء الروحيين وتنصل المجتمع الدولي عن المسؤولية الأخلاقية لما يجري في غزة.

لغز الرصيف البحري المشبوه الذي أصبح أقرب إلى قاعدة عسكرية للتجسس

ونظرا للإنسانية والعطف على الدور الريادي الأردني الرسمي والشعبي، بدءا من الإنزالات الجوية ومرورا بقوافل المساعدات من خلال الهيئة الخيرية الهاشمية والمساهمة الشعبية المباشرة، وضعف الدور العربي والدولي لأسباب عديدة، فإنه من الضروري العمل على تبني وسائل المرونة المتعددة، والتي تتلخص في منع تصاعد الأزمة وتفادي التراجع والتكيف مع اشتداد الأزمة وتفكيك لغز الرصيف البحري المشبوه والذي أصبح أقرب إلى قاعدة عسكرية للتجسس ومنع وصول المساعدات الإنسانية الكافية عبر فتح الحدود والمعابر ومراجعة الآلية وطرق وصول المساعدات المؤقتة، والتي لن تكون بديلا عن فتح الحدود ووقف العدوان النازي الصهيوني.

تحديد مسارات التدخل الإنساني والتنموي لحل الأزمة دون الإخلال بشبكات الأمان والاستقرار الاجتماعي

بالإضافة إلى تحديد مسارات التدخل الإنساني والتنموي لحل الأزمة دون الإخلال بشبكات الأمان والاستقرار الاجتماعي، وتلافي صدمات الأزمة وارتدادها على ارتفاع الأسعار واحتكار السلع الأساسية وفقدانها من السوق المحلي، والذي قد يؤدي إلى حالات من التوتر وعدم الاستقرار الاجتماعي، ووضع استراتيجيات للدخول في إعادة بناء الإنسان والقدرات والمساهمة في إعادة الإعمار وبناء المنظومة الصحية والخدماتية بكافة مكوناتها والاقتصادية والاجتماعية في غزة، والعمل على تشكيل خلية أزمة داخلية تهتم بمسارين:

الأول يعمل على بناء استراتيجيات وخطط حماية تمنع التأثر السلبي من ارتدادات الأزمة على الاستقرار الاجتماعي وتعمل على المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والمخزون الاستراتيجي وإنشاء مستودعات للتأهب للدولة، وكذلك قراءة الواقع الميداني، إضافة إلى تحديد المسارات التي يمكن المشاركة في إعادة الإعمار والبنى التحتية والمنظومة الصحية والخدماتية

أما المسار الثاني لا بد أن يعمل على إيجاد ائتلاف وشراكة محلية تعمل على تنسيق الجهود ووضع خارطة طريق وتوجيه الاتصالات الخارجية والداخلية وتعزيز القدرات وخطط الطوارئ وتحديد الأولويات وغيرها عربية إقليمية ومحفظة عربية وإسلامية تعمل جميعها من أجل اليوم التالي للحرب التي أدت إلى استشهاد أكثر من 40 ألف شهيد في غزة وأكثر من 100 ألف جريح وتدمير أكثر من 80% من المساكن والطرق ومصادر الطاقة والمياه وشبكات الطرق والصرف الصحي، وكذلك شلل القطاع الصحي وخدمات الرعاية الصحية بكافة مستوياتها بعد خروج المستشفيات والمراكز الصحية والقطاع الدوائي ومستودعات التخزين من الخدمة في غزة والتي كانت تقدم الخدمة لـ 2.5 مليون نسمة حيث تم تهجير متكرر لأكثر من مليون ونصف غزي.

ويبقى الأمل في صحوة الضمير الدولي وفك أسر الضمير العربي في قادم الأيام ..


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version