نخبة بوست – لا يمكن البدء بقراءة أول سطر من كتاب “الانتقال الكبير” إلا وأن يترك القارئ ما بيده ويستمتع في قراءته وصولاً إلى السطر الأخير؛ لما يقدمه من سردية تاريخية وتوثيق لربع قرن من عمر الدولة الأردنية؛ أو ما أسماه “المملكة الرابعة”. لعلها السردية الأعمق لهذه الفترة بالسرد والتحليل والتوثيق والجداول والبيانات؛ ليقدم مادة متكاملة توضح نظريات وإنجازات الدولة الأردنية.
يشمل الكتاب – المقدم من قبل صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية بصفته سجلًا توثيقيًا – على ثمانية فصول؛ بدءًا من قيم الدولة الأردنية؛ ثم السياسية والتحديات الخارجية؛ والاقتصاد وبناء ثروة المجتمع؛ والتحديات الكبرى وإدارة الندرة؛ مرورًا بالخدمات العامة ونوعية الحياة؛ والرياضة والشباب؛ والمجتمع والدولة والاستثناء الأردني، ختامًا بسيادة القانون؛ لتكون مادة متكاملة، تحمل حقائق تاريخية وتفسيراتها، ورسائلها السياسية.
في قراءة لما بين السطور؛ نجد أن القائمين على هذه الموسوعة التاريخية قد حرصوا على تجميع المعلومات حتى اللحظات الأخيرة لإصدار الكتاب تزامنًا مع اليوبيل الفضي؛ وما رافقه من أحداث حتى اللحظات الأخيرة، كما اجتهدوا في التقليل قدر الإمكان من لغة المقارنة بين العهود، وتبيان الإنجاز بحرفيته ورسائله، بما يقدمه واقعًا سرديًا تحليليًا موثقًا؛ وتقديمه في فترة تاريخية مهمة ومفصلية في تاريخ الدولة الأردنية.
حرص الكتاب على طرح مصطلح “الهوية الأردنية” في مواقع متعددة؛ وهذا الطرح الذي حمله الملك منذ الأيام الأولى لتوليه الحكم؛ منذ إطلاق شعار “الأردن أولًا” وصولًا لخطاب جلالة الملك في احتفالات اليوبيل الفضي، وكلام ولي العهد في مقابلة العربية عن الأردني؛ مما يعني استمرارية النهج، والحفاظ عليه، هذا ما نحتاجه اليوم جميعًا لمواجهة التحديات.
استعرض الكتاب في كافة مفاصله التحديات القادمة من خارج الحدود؛ والتي واجهت المملكة في عهدها الرابع؛ منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية وما تبعه من تطورات في مصير معاهدة السلام؛ ومن ثم أحداث 11 سبتمبر، وصولًا إلى أحداث غزة الأخيرة، طارحًا إياها في التحليل والتوصيف، ومنها ما هو روايات تسمع للمرة الأولى؛ أو قراءة جديدة لما قامت به الدولة الأردنية من جهد يستحق التقدير؛ وخصوصًا في توضيح عقيدة الملك في القضية الفلسطينية بعمومها والدفاع عن القدس ودور الوصاية الهاشمية على وجه الخصوص؛ بالإضافة إلى تحديات الحدود الشرقية والشمالية؛ وخصوصًا في ملف اللاجئين وما قدمه الأردن خدمة للأشقاء، وحفاظًا على رسالة الدولة الإنسانية والإقليمية.
ويضاف إلى كل ما سبق التحديات الداخلية ويقابلها إنجازاتها؛ من اقتصادية واجتماعية وحتى رياضية؛ لتقدم تصورًا شاملاً للاستثمار في التحديات وتحويلها إلى فرص؛ وصولًا إلى بناء ما وصفه بـ “ثروة المجتمع الأردني”؛ والتي نجد أن الأردني اليوم يعيش أعلى مراحل الثقة بالنفس، والإحساس بالاستقلالية والندية؛ لا التبعية واستعطاف الآخرين.
قدم الكتاب أولى الروايات المتكاملة عن “الربيع العربي والاستثناء الأردني” بعد بروز ما يزيد عن 130 نوعًا من الحراك؛ وثمانية آلاف تحرك بأنواعه المختلفة مع نهاية عام 2013، واصفًا الكتاب هذه التحركات بأنها “حراكًا إصلاحيًا شعبيًا ورسمياً” ولم يسع لإدانته؛ بل قدمها بصورة إيجابية، بصفتها حراكات وطنية ابتعدت عن العنف مركزة على الأوضاع القائمة ذات المطالب المحددة؛ وذلك ما ينسجم مع الموقف الأردني منها؛ شارحًا كيف تم تحويله إلى فرصة مقدماً ربطاً مع الأوراق النقاشية الملكية؛ ورؤيتها الإصلاحية.
إن ما ورد في كتاب “الانتقال الكبير” وما يمثله من مسلّة العهد الرابع حتى تاريخه؛ لهو جدير بالقراءة والتحليل، لما يقدم من سردية ترفع الشعور الإيجابي لدى القارئ، وتعزز ثقته بوطنه وآليات اتخاذ القرار فيه، ويقدم رواية متكاملة؛ طالما تململنا من تأخرها؛ مما يدفعنا إلى ضرورة وضع خطط واضحة لنشر الرسائل الأساسية لما ورد في الكتاب؛ من خلال اللقاءات التلفزيونية والندوات الحوارية والتفاعل مع الجمهور الأردني مباشرة في المحافظات؛ وليس ركنها على الرف؛ بصفتها مادة توثيقية تصلح لأن تكون جهداً متكاملاً على مستوى القوة الناعمة للدولة الأردنية؛ بما يشمل أيضًا الدراما والأغنية والفنون؛ وما تم تقديمه في هذه المادة الصحفية ما هو إلا رؤوس أقلام بسيطة مما ورد؛ لكتاب يستحق التأمل والقراءة.
لقراءة كتاب “الانتقال الكبير” بالكامل: