نخبة بوست – أماني خماش
لا يمكن الحديث عن الهوية الوطنية الأردنية بصورة عابرة؛ لما تعرضت له من سحب وشد طوال عمر الدولة الأردنية؛ فتعريفها مازال طور نقاش في الغرف المغلقة والمعلنة في بعض الأحيان؛ وإن كان الكل متفق على ثوابت الدولة الأردنية؛ إلا أن الشيطان يكمن في التفاصيل ..
الهوية الوطنية الأردنية لم تغب عن الساحة في أي حدث من أحداث التاريخ الحاضر والمعاصر، ولكنها اليوم ارتفعت بصورة كبيرة. فتحدث عنها كتاب “الانتقال الكبير” في أكثر من فصل، وعرّفها ولي العهد بصورة واضحة تقطع الشك. وقد تكون الأولى لأمير هاشمي أن يتحدث فيها بهذا الوضوح. ومن ثم كان لكلام الملك في حفل اليوبيل الفضيّ التأكيد على هذا التعريف، لتكون رسالة واضحة من مؤسسة العرش في حسم التعريفات الأساسية والمسكوت عنها منذ عقود.
إشارات خطاب الملك وولي العهد إلى الهوية الوطنية
في الآونة الأخيرة، عاد الحديث عن الهوية الوطنية الأردنية من جديد، على لسان ولي العهد الأمير الحسين خلال مقابلته مع قناة العربية. تلاه بعد ذلك حديث جلالة الملك عبدالله الثاني في خطاب اليوبيل الفضي – بمناسبة مرور 25 عامًا على تسلمه السلطات الدستورية – حيث أكد جلالته خلاله أهمية تعزيز الهوية الوطنية ومدى تجذرها في المجتمع الأردني.
ومما أثار التساؤلات هو تزامن تسليط الضوء على الهوية الوطنية مع المناخ السياسي الصعب والمعقد الذي تشهده المنطقة؟
المومني: العنوان الذي يعلو ولا يُعلى عليه
وفي هذا الصدد، قال وزير الإعلام الأسبق والأمين العام لحزب الميثاق الوطني الدكتور محمد المومني إن من أعلى محطات خطاب اليوبيل الفضي لجلالته، كان حديثه عن الهوية الوطنية الأردنية، التي يلتف حولها الأردنيون من كافة مشاربهم، وتتجسد أهمية الحديث عن الهوية باعتبارها العنوان السياسي العميق الذي يعلو ولا يعلى عليه.
وحول أسباب الحديث عن الهوية الوطنية الأردنية من قبل جلالة الملك، بين المومني أن الهدف من هذا الإعلان هو التأسيس لمواقف قوية تعزز استقرار الأردن وصلابته، وذلك يأتي ضمن القناعة أن الأردن القوي هو الداعم الأقوى والعضيد الصلب لاقتصاد الأمة.
ولفت المومني إلى أن قوة الأردن، وبأس شعبه، مصدرهما واحد وهو قوة الاعتزاز بالهوية الوطنية الراسخة العميقة، وجاء ذلك في جلالة الملك بخطابه القوي، المشدد على أهمية الهوية الوطنية التي تمثل أمرًا سياديًا عزيزًا على القيادة الهاشمية، الذي يضحي الأردنيون بأرواحهم من أجله.
الشبول: سلاح استراتيجي للبلاد
من جانبه، أشار وزير الإعلام السابق د. فيصل الشبول إلى أن إطار الحديث سابقًا عن الوحدة الوطنية، كان انعكاسًا للقلق السائد في ذلك الحين، أو في سياق الرد على ادعاءات معينة، أو أحداث سُلف وقوعها، بينما اليوم فالحديث عن الوحدة الوطنية يتكلل بالفخر والإنجاز.
وأوضح الشبول أن قوة الهوية الوطنية الأردنية كانت سلاحًا استراتيجيًا للبلاد في مواجهة كثير من التحديات على مدى العقود الماضية، ويجدر القول أن الوحدة الوطنية عززت من صمود الأردن في وجه عاصفة الربيع العربي، والوقوف في وجه المطامع الإسرائيلية التي تتجاوز الوضع الحالي في فلسطين، والتي تصب باتجاه مواصلة السيطرة على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، وحرمان الفلسطينيين من حقهم في إقامة دولتهم المستقلة.
وحول تأثير الوحدة الأردنية على دعم القضية الفلسطينية، أكد الشبول أن ارتباط الأردن بالقضية الفلسطينية يصب في مصالحه الاستراتيجية، لمقاومة الأطماع الإسرائيلية في الأردن، ويعزز من دعم أشقائه الفلسطينيين. ومن هذا المنطلق، فإن الوحدة الوطنية وصمودها هما قوة وصمود الدولة الأردنية في دعم الموقف الذي يقوده الملك في تحقيق الاستقرار الإقليمي. فالحديث عن الوحدة الوطنية يأتي متزامنًا إلى جانب الحضور القوي للأردن، الذي يمكنه دعم أشقائه في فلسطين أو في الدول المنكوبة في المنطقة.
العثامنة: انعكاس للمواطنة
من جهته، أوضح المحلل الاستراتيجي والصحفي مالك العثامنة أنه عند الحديث عن مفهوم الهوية الوطنية الأردنية، لا بد من الإشارة إلى أن الأردن دولة دخلت مئويتها الثانية، حيث أنها في المئوية الأولى شهدت قيام الدولة في بنيتها الدستورية والقانونية، لاسيما إن مفهوم الهوية هو انعكاس لمفهوم المواطنة في إطار الدولة التي تشمل كافة الحقوق والواجبات تحت مظلة الدستور والقوانين، مع الإشارة إلى أن مفهوم المؤسسات المتكاملة التي تعمل في البلاد، هي حالة وجدانية لا يمكن تحقيقها بالكامل دون فهم شامل لمفهوم الدولة.
وحول التركيز على مفهوم الهوية الوطنية الأردنية، بين أن البداية كانت منذ تأسيس الدولة في عشرينيات القرن الماضي، من خلال اجتماعات الحركة الوطنية الأردنية، إلا أنها تعمقت في المشهد السياسي، وأخذت منحنى قد يكون متطرفًا بعد أحداث الشغب الداخلي في سبعينيات القرن الماضي.
وأشار عثامنة إلى أن حضور منظمة التحرير الفلسطينية، التي بدأت تطالب بأن تكون ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني في الأردن، أدى إلى بدء عملية التجاذب مع الدولة الأردنية، حيث كانت الضفة الغربية جزءًا من أراضيها الجغرافية الخاضعة للسيادة الدستورية، المستندة أساسًا إلى اتفاق عام 1952، مما كان له تداعيات سياسية ساهمت في تزايد التوتر السياسي مع مرور الوقت حتى عام 1988، عندما قرر الملك الحسين فك الارتباط، الذي لم يدخل بعد حيز التنفيذ الدستوري حتى يومنا هذا.
وفيما يتعلق بركائز الهوية الوطنية الأردنية، أكد العثمانة أن الركيزة الأولى هي المواطنة في دولة الأردن الدستورية، التي تتمتع بمؤسساتها القوية، ومن هذا المنطلق يجب العمل على دعم فكرة الدولة الأردنية والتركيز على مفهوم المواطنة والدولة فقط.