نخبة بوست – اللواء المتقاعد د. عمار القضاة

في حضرة وداع شهداء الأردن، الكرام المكرمين؛ الأحياء عند رب العالمين؛ نلقي التحية في حضرتهم ونقرأ حكايات نضالهم، ونعلن النفير والحداد على رحيلهم، فالجريمة بحقهم والفُجر في ارتكابها عظيم، لأن المستهدفين هم حماة الوطن وجنده القائمين على أمنه والمجرم الإرهابي التكفيري أحل سفك دمائهم، وهانت عليه حسرات وألم أوطانهم وأحزان أمهاتهم وأبنائهم.
الإرهابيون التكفيريون هم رأس الكفر، وفكرهم ضال منحرف مبني على سفك الدماء، حججهم ساقطة واهية مدسوسة، قتلوا حتى أسرهم وأقرب الناس إليهم، وأي قتل بعد ذلك!؟


اجتثاث هؤلاء واجب – لا أن نحذرهم أو نُحذر منهم فقط – بل يجب أن نسبقهم بخطوة ضبطهم والتحفظ عليهم، حالهم حال الخطيرين من ذوي الأسبقيات الجرمية الذين يشكل وجودهم أحرارًا طلقاء خطرًا على سلامة المواطنين، وهم كثر في مراكز الإصلاح والتأهيل، بل إن فئة التكفيريين هم الأشد خطرًا على الناس، والأولى بالزج بهم في تلك المراكز، لأنهم خلايا نائمة تنتظر فرصتها للتخريب إذا ما أتيحت لها الفرص.

القاسم المشترك بينهم وبين أصحاب الجرائم الخطرة يكمن في الخطورة الكامنة في مسلكهم، فما بالك إذا كان أصحاب الفكر الضال يتميزون عن مكرري الجرائم بشدة جرائمهم، وأثرها الكبير الذي قد ينتهي بالتفجير وقتل رجال الأجهزة الأمنية والمدنيين الأبرياء.

قصص واقعية وشهادات عاصرتها أثناء التعامل مع الخارجين عن القانون خلال عملي في جهاز الأمن العام

تاريخهم الأسود

التاريخ الأسود لأغلبهم يظهر في كونهم من متعاطي المخدرات والسكر ومرتكبي قضايا الاغتصاب وهتك العرض والقتل.
وعندما تكثر جرائمهم ويشعرون بالذنب، يلجؤون إلى الانخراط بأصحاب الفكر التكفيري لقناعتهم بأن مصيرهم الجنة بعد إقناعهم بهذه الفكرة، وظنًا منهم أن ذلك سيكون صك غفران لهم لشعورهم بإثم جرائمهم التي ارتكبوها، كما تبين لي أن مكرري الجرائم كانوا محط اهتمام المنظمات الإرهابية التي تسعى لتجنيدهم في صفوفها، وقد ثبت بعد ذلك أنهم أصبحوا قيادات هامة في التنظيم.

حدثني أحدهم – وهو نزيل في مراكز الإصلاح والتأهيل – أنه قتل زوجته في الشارع العام رميًا بالرصاص لخلافات عائلية، وقد استباح دمها، فكان تبنيه لهذا الفكر بدافع نيل المغفرة.

كما روى اثنان منهما أثناء التحقيق معهما بارتكاب جرائم سرقة عدة منازل، وكان جوابهما أنه يجوز لهما السرقة شرعًا لجمع الأموال بحجة أنها تستخدم لتنفيذ مخططاتهم.

القضاة يكتب : جرائم الإرهاب؛ شهادات عاصرتها..

جرائمهم مدروسة

جرائمهم ليست اندفاعية أو متسرعة أو رد فعل كحالة جرمية منفردة، بل هي جرائم مخطط لها جيدًا، بعد دراسة أهدافهم بعناية فائقة، لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأضرار البشرية (التجمعات الكبيرة)، لتفريغ حقدهم وإيمانهم بفكر الانتقام، واللجوء إلى بث الرعب في وجوه أعدائهم من خلال الوحشية وترويع الناس.

كما يسعون لتحقيق الأثر العاطفي والتغطية الإعلامية التي هي جزء من سياستهم لجلب المؤيدين لهم، من خلال استعطاف الناس بأنهم من يطبق شرع الله دون غيرهم. هذا الأسلوب يخلق لديهم شعورًا خاصًا بأنهم محط أنظار وخوف من قبل أبناء مجتمعهم المحيط، مما يشعرهم بالمكانة والهيبة ورهبة الآخرين منهم.

يمتلكون مهارة التخطيط

لديهم مهارات جيدة في التخطيط واستخدام وسائل الاتصال الحديثة، وأساليب متقنة في التخفي والحرص على عدم كشف هويتهم وإخفاء كل ما قد يجلب الشبهة إليهم، بما في ذلك المتفجرات والأسلحة، وكل ما يلزم لتنفيذ أهدافهم المدروسة، وقد كان الأردن ساحة لعملياتهم، كما حصل قبل عدة سنوات في قاعة إحدى الأعراس بفندق كبير حيث سقط ستون شهيدًا من المدنيين، وكذلك في مهرجان الفحيص، وفي إربد والكرك، حيث كان عدد الشهداء كبيرًا.

يسارعون بإطلاق النار

عند التعامل معهم من قبل الأجهزة المعنية بعد كشفهم وفضح تورطهم، لا خيار أمامهم إلا المبادرة بإطلاق النار على رجال الأمن مهما كانت النتيجة، وهذا يعود بالطبع إلى أفكارهم وعقيدتهم المتطرفة التي لا تفرق بين الموت والحياة، وإلى رغبتهم في تصحيح المجتمع “الفاسد” وخلق المجتمع “الطاهر” -بحسب اعتقادهم- حيث يعتقدون أن بموتهم تكون الجنة مثواهم.

تبني خطاب العنف والكراهية

تبنيهم لخطاب الردة وتكفير الآخر حتى لأفراد عائلاتهم، وتقديم عقيدتهم على رابطة النسب والأصول والفروع إلى درجة قتلهم، واستحلال دمائهم.

وأذكر جيدًا أنني تعاملت مع أحدهم في عام 2002 قام بقتل والده وشقيقته وأمه التي نجت بأمر الله من الموت المحقق، والسبب أن شقيقته رفضت الزواج من صديقه الذي هو أحد عناصر التنظيم التكفيري، فكان ما كان بكل بساطة.

كما أود الإشارة هنا إلى أنه بعد العودة إلى مئات القرارات الصادرة عن محكمة التمييز والمتعلقة بمواد قانون منع الإرهاب لسنة 2006 وقانون العقوبات الأردني وفقًا لآخر تعديلاته، فقد تبين من خلال تلك الجرائم الإرهابية، أن نسبة كبيرة ممن عقدوا العزم وبيتوا النية أو نفذوا جرائمهم، كانوا ضحايا غش وخداع لتلك التنظيمات من خلال متابعتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة لإصدارات تلك التنظيمات، واعتقادهم بأنهم يطبقون الشريعة الإسلامية وأنهم على حق.

خلاصة القول: جهد استثنائي ..

إنها جماعات تنشأ على وقع الحروب والثورات والاضطرابات الداخلية بكافة مظاهرها، بل إنها مزقت الثورات الناشئة عن الاضطهاد السياسي وقلبت المعادلات السياسية لصالحها في دول مجاورة للأردن.

ونظرًا لأن الإرهاب – على خلاف الظواهر الجرمية الأخرى – ينفرد بتأثيره السيكولوجي الذي ينعكس على كل فرد في المجتمع، فإنه يحظى بجانب كبير من الأهمية في تمييز جرائم الإرهاب، وهذا يتطلب جهدًا متميزًا، بل استثنائيًا، في ملاحقة المنتمين إليه بكل الطرق التي أجازها القانون.

كما يجب أن لا ننسى الجهود الدؤوبة التي تبذلها أجهزتنا الأمنية في إحباط العديد من مخططاتهم على الساحة الأردنية، ولا ننسى فضل علماء الأمة للتوعية من أخطار فكرهم وعقيدتهم، لاسيما داخل مراكز الإصلاح والتأهيل التي تمارس هذا الدور من قبل مختصين، حيث نجحت مراكز الإصلاح والتأهيل في ثني العشرات منهم عن ضلالهم وساهمت بإعادة دمجهم في المجتمع بالتنسيق مع مركز السلم المجتمعي التابع لمديرية الأمن العام.

وأخيرًا، نؤكد أهمية الاستمرار بالوعي المجتمعي وتعزيز الوازع الديني ودور الأسرة ومؤسسات التعليم للتصدي لهذا الفكر التكفيري، إضافة إلى ضرورة مراقبة ما ينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفقا للضوابط القانونية للحد مما ينشر خلالها من دعوات للضلال وغسل وتشويه للأفكار والأدمغة.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

Exit mobile version