نخبة بوست –  د.هايل عبيدات

في ظل الحروب الراهنة والأزمات المتتالية التي شهدها العالم في العقد الأخير، لا نملك ترف الوقت للحد من حالات عدم الاستقرار التي تشكل المحرك الرئيسي للجوع، ولعل ما يزيد الوضع سوءا انعكاس جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وحرب الإبادة في غزة على سلة الغذاء العالمية.

بوجه عام، تشمل تداعيات هذه الأزمات صدمات اقتصادية وارتفاع أسعار الأسمدة علاوة عن شح المواد الغذائية وارتفاع أسعارها التي وصلت إلى 23% في عام 2021 أثناء فترة كوفيد وأكثر من 38-50% بعد الأزمة الأوكرانية.

فقد كانت روسيا وأوكرانيا من كبار موردي القمح والخبز والغاز للسوق العالمي، ونتيجة لارتفاع الطلب تسبب ذلك بأزمة النفط والغاز وتعثر سلاسل النقل والتزويد ، إضافة إلى اضطراب الإنتاج نتيجة لتعطيل أو إغلاق الموانئ وخطوط النقل البحري وسلاسل الإمداد في البحر الأسود والبحر الأحمر.

ما يقارب المليار نسمة يعانون من انعدام الأمن الغذائي ويجهلون وجبتهم لليوم التالي في أكثر من 78 دولة

وفي هذا الجانب، لم يبقَ أمام العالم سوى العمل على إنقاذ أرواح الأبرياء والابتعاد عن التضليل الإعلامي والتوجه نحو الاستثمار في حلول الأزمة التي تضمن وقف الحرب وتوسيع برامج القدرة على الصمود والاستقرار ودرء المجاعة، أو الصمت إزاء ما يجري والذي قد يؤدي إلى حالات من تعمق جراح الحروب والفوضى وعدم الاستقرار السياسي والديمغرافي الذي يصاحب عادة الحروب، إضافة إلى الفقر وتفاقم المجاعة.

المنطقة العربية الأكثر تأثرًا بالمجاعات تاريخيا

بمراجعة تاريخية، نجد ما يثير الدهشة فالمنطقة العربية أثناء وقوعها تحت الاستعمار كانت الأكثر تأثرًا بالمجاعات نتيجة مرورها بمراحل احتلال وظروف عدم الاستقرار والصراعات المحلية، حيث تعتبر مجاعة الشام عام 1915 المجاعة الأولى أثناء الحرب العالمية الأولى نتيجة لمصادرة الإنتاج والأراضي لصالح الدولة العثمانية وفرار الشباب من الخدمة العسكرية، وتعد من أقدم المجاعات التي أودت بحياة ثلث السكان و80 ألف مواطن في حلب وحدها.

المجاعة الثانية، هي مجاعة البنغال التي استمرت ثمانية شهور، وهي الأسوأ في القرن العشرين في عام 1943 أثناء فترة الاحتلال البريطاني للهند، والتي أدت إلى تشريد أكثر من نصف السكان ومصادرة وتخزين الإنتاج لصالح جيوش الاحتلال البريطاني.

وتبعها ثالثًا مجاعة المغرب، التي استمرت عامًا واحدًا إبان الاستعمار الفرنسي عام 1944، والذي عمل على مصادرة الإنتاج ونهب الثروات لصالح المستعمر الفرنسي واستعمال الكوبونات للمواطنين الأصليين لأول مرة في التاريخ والتي أدت إلى وفاة 40 ألف مواطن.

وتلتها رابعًا مجاعة فيتنام أثناء الاستعمار الياباني عام 1945، والتي أدت إلى وفاة أكثر من مليوني شخص، ثم تأتي مجاعة الصومال نتيجة للحروب الأهلية عام 1992، والتي أودت بحياة 300 ألف شخص.

وجاءت لاحقًا مجاعة السودان عام 1998، والتي أدت إلى انفصال جنوب السودان ووفاة أكثر من 80 ألف مواطن وتشريد مئات الآلاف، ليستمر الوضع وتأتي مجاعة السودان 2023، التي أدت إلى وفاة عشرات الآلاف وتشريد أكثر من ثمانية ملايين مواطن واعتبر أكثر من 3.5 مليون طفل يعانون من سوء التغذية وتفشي الأمراض، واخيرا المجاعة التي نشهدها في غزة.

مجاعة غزة عام 2023 الجرح الأعمق في الضمير العربي والإنساني نتيجة لحصار استمر أكثر من 15 عامًا وحرب الإبادة التي يقوم بها جيش الاحتلال الصهيوني منذ السابع من أكتوبر الماضي حتى اليوم

والتي تعتبر المجاعة الأسوأ حيث قارب عدد الشهداء من 40 ألف شهيد و100 ألف جريح وتشريد أكثر من مليون ونصف، وانتشار حالات سوء التغذية والأمراض وانعدام الأمن الغذائي لأكثر من 90% من سكان القطاع، حيث أصبح قطاع غزة مكانًا غير قابل للحياة بعد تدمير ممنهج لكافة البنى التحتية للمياه والطرق والمباني والجسور والمستشفيات والقطاع الصحي والخدماتي وأيضًا المخابز.

حرب الغذاء القادمة؛ ماذا عن الوجبة التالية!؟

اضطرابات المناخ وارتفاع الأسعار يثقلان كاهل الشعوب

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ ماذا بعد أن حصدت الحروب أرواح الملايين وتضامنت مع مصالح بعض الدول، خاصة ذات النهج الاستعماري والتوسعي؟

بوجه عام، اضطرابات المناخ وارتفاع الأسعار يثقلان كاهل المواطن، حيث بلغت خسائر اضطرابات المناخ ونقص المياه أكثر من 30 تريليون يورو، وضربت اقتصادات العالم خلال السنوات الخمس الماضية، حيث أصبح أكثر من 2.3 مليار شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مع وفاة حوالي 9 ملايين شخص سنويًا بسبب الجوع.

وبالرغم من التعهد الروسي بالتعويض بعد انسحابها من صفقة الحبوب، يواجه العالم تحديات كبيرة في تأمين الحبوب والسلع الأساسية، خاصة في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا، حيث يبلغ حصة القمح الروسي والأوكراني حوالي 30% من حصة السوق العالمي و77% من زيت عباد الشمس.

ومع استمرار حرب الإبادة في غزة وإغلاق المعابر والموانئ في البحر الأسود والأحمر، إضافة إلى معيقات سلاسل الشحن والتزويد والتخزين، وارتفاع الأسعار والعقوبات المفروضة على روسيا، ومحاولة أوروبا احتكار والهيمنة على الغاز والقمح ومنتجات الغذاء، هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى ارتباك الأسواق وارتفاع الأسعار وركود اقتصادي ونقص حاد في المواد الأساسية.

خلاصة القول: أنظمة إنذار مبكر للغذاء والطاقة

وبناءً على ذلك، ونظرًا لوجود الأردن في قلب الأحداث وما يترتب عليه من التزامات وطنية وإنسانية، ومع اقتراب فصل الشتاء واستمرار تصاعد الأزمة في أوكرانيا وحرب الإبادة في غزة، فإن تشغيل مجسات وأنظمة الإنذار المبكر محليا وإقليميا لأنظمة الغذاء والطاقة يعد أمرًا ضرورياً.

ولا بد من العمل على بناء استراتيجيات وطنية للتحضير للمستقبل، حيث كانت الدعوة الملكية لمؤتمر عمان للاستجابة الإنسانية محور ارتكاز يمكن البناء عليه لإنشاء خطط عمل واستراتيجيات محلية مرنة للاستجابة، كما يجب تعزيز بناء مخزون استراتيجي آمن وتعزيز شبكة الإمداد المحلية والإقليمية، وتشجيع الزراعة الحديثة والتنمية الريفية، واتخاذ إجراءات دعم وتحفيز وحظر، وإدخال منظومة الذكاء الاصطناعي في جميع مفاصل الأزمة والحلول، إضافة إلى تحديد مسارات التدخل الإنساني والتنموي والانفتاح على القطاع الخاص ضمن شراكات وطنية مسؤولة وبناء مجافظ ومجموعات عمل وشراكات محلية وعربية.


اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاركها.

نسعى في "نخبة بوست" إلى خدمة النخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية من خلال صحافة الدراسات والتحليل والاستقصاء والقصص الصحفية وأخذ آراء الخبراء والمختصين، ونسعى إلى تقديم منبر لأصحاب الرأي من الخبراء والدارسين والباحثين بمهنية وموضوعية وعمق يناسب النخب الوطنية ويخدم الإعلام الوطني الذي نريد.

اكتشاف المزيد من نخبة بوست

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

Exit mobile version